حصاد أسواق المال في 2022: لم يكن العام المناسب للطروحات الجديدة
لم يكن 2022 عاما جيدا للبورصة المصرية. في العام الماضي، كنا متفائلين بالطروحات الأولية الأربعة التي شهدتها السوق – لكننا نودع 2022 أقل تفاؤلا، وإن لم يكن سيئا مثل "صفر الطروحات" الذي اختتمنا به عام 2020.
طرحان أوليان فقط دقا أجراس البورصة المصرية في 2022: كانت شركة نهر الخير للتنمية والاستثمار (نهر الخير) أول إدراج في البورصة المصرية في يناير 2022، تلاه الطرح العام الأولي لشركة ماكرو جروب للمستحضرات التجميلية الذي جمع 1.3 مليار جنيه في فبراير.
وكان هناك آخرون حاولوا المضي قدما: تحدت شركة غزل المحلة لكرة القدم ظروف السوق الصعبة من خلال الطرح العام الأولي الصغير الذي كانت تسعى من خلاله إلى جمع 135 مليون جنيه من بيع 67.5% من أسهم. وجمعت الشركة 37 مليون جنيه عبر شريحة الطرح الخاص للمؤسسات في نوفمبر واكتتب المستثمرون في 18% فقط من الأسهم المتاحة لشريحة الأفراد بالطرح العام، على الرغم من تمديد فترة الاكتتاب مرتين بسبب ضعف الإقبال. كان الطرح العام الأولي صفقة صغيرة بكل المقاييس، لكنه كان من الممكن أن يلعب دورا مهما في تشجيع الأندية المصرية الأخرى – بما في ذلك الأهلي – على أن تحذو حذو غزل المحلة.
بدأنا عام 2022 بنظرة متفائلة لمسار الطروحات في مصر، لأسباب عدة أبرزها برنامج الطروحات الحكومية: في بداية العام، أعلنت الحكومة أنها تستهدف طرح حصص في ما يصل إلى 10 شركات مملوكة للدولة في البورصة المصرية خلال 2022، إما من خلال طروحات عامة أولية أو طروحات ثانوية. وأشار مسؤولون من بينهم وزير المالية محمد معيط ووزيرة التخطيط هالة السعيد إلى أن برنامج الطروحات الحكومية سيستأنف في وقت مبكر من العام.
من بين الطروحات الحكومية التي كانت قيد الإعداد: مصر الجديدة للإسكان والتعمير، التي كانت تخطط لطرحها الثانوي بحلول منتصف عام 2022، بينما كانت شركة الأسمدة الحكومية موبكو تسعى إلى الاستفادة من البورصة المصرية في النصف الأول من العام. وكانت هناك أيضا إشارات للطرح العام الأولي الذي طال انتظاره لبنك القاهرة بعد تأجيله بسبب الجائحة، وكانت شركة مصر القابضة للتأمين تتطلع لطرح حصة من شركتها التابعة مصر لتأمينات الحياة في النصف الثاني من 2022.
كانت هناك آمال كبيرة في طرح شركات مملوكة للقوات المسلحة للاكتتاب العام: كان من المقرر طرح الشركة الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية وشركة صافي لتعبئة المياه، التي كانت جزءا من البرنامج الذي يقوده صندوق مصر السيادي لطرح الشركات المملوكة لجهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة أمام القطاع الخاص للاستثمار منذ أواخر عام 2020، للطرح العام قبل نهاية عام 2022. وأشارت السعيد في وقت سابق إلى إمكانية الطرح العام الأولي للشركتين في البورصة المصرية بعد بيع حصة أولية لمستثمر استراتيجي، بينما اقترح رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في سبتمبر أن تمضي الشركات في طرح عام أولي كامل.
ولكن، سرعان ما بدأت الأمور في التحول مع الغزو الروسي لأوكرانيا في أواخر فبراير، مما قلل شهية المستثمرين عامة للمخاطرة وعزوف المستثمرين المؤسسيين من الأجانب عن الأسواق الناشئة. ودفعت اضطرابات السوق المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية EGX30 إلى منطقة السوق الهابطة، وبحلول منتصف العام، انخفض إلى أدنى مستوياته منذ نوفمبر 2016.
عدل صندوق مصر السيادي استراتيجيته استجابة للوقائع الجديدة: ذكر صندوق مصر السيادي في منتصف العام تقريبا أنه سيتحول من الطروحات العامة إلى بيع حصص في الشركات المملوكة للدولة إلى مستثمرين استراتيجيين استجابة لاضطرابات السوق والتقلبات الاقتصادية العالمية. من بين الشركات التي أشار الصندوق السيادي إلى إمكانية بيع حصص فيها كانت شركة قابضة جديدة تخطط الحكومة لإطلاقها، والتي تضم ما يتراوح بين سبعة أو ثمانية فنادق مملوكة للدولة.
بينما فضّل آخرون الانتظار لحين تحسن ظروف السوق: قررت عدة شركات من القطاعين العام والخاص تأجيل خططها للطرح إلى العام المقبل وسط تقلبات السوق. ومن بين تلك الشركات، شركة عوف المالكة للعلامة التجارية "أبو عوف"، التي أعلنت في أبريل تأجيل طرح حصة من أسهمها في البورصة المصرية حتى النصف الثاني من 2022، وأمان القابضة، وبنك القاهرة المملوك للدولة، والذي قرر في يوليو تأجيل الطرح لحين تحسن ظروف السوق. أمام بنك القاهرة الآن حتى 31 مارس 2023 لإنهاء إجراءات الطرح العام.
سعت الجهات التنظيمية طوال فترة التقلبات لبث الحياة في الأسواق: بدأت الهيئة العامة للرقابة المالية، التي يرأسها الآن محمد فريد الرئيس السابق للبورصة المصرية، في إدخال تغييرات تنظيمية تهدف إلى تعزيز السيولة في البورصة. وبموجب تلك التغييرات، أصبح بإمكان الشركات الآن قيد أسهمها "مؤقتا" في البورصة قبل الحصول على الموافقة التنظيمية من هيئة الرقابة المالية، على أن يكون أمامها ستة أشهر لاستيفاء متطلبات القيد، بما في ذلك الحد الأدنى من الحصص لعدد الأسهم المدرجة والمساهمين. كما ألغت الهيئة القيود المقترحة على التداول بالهامش، وسمحت بإدراج أي من الأوراق المالية الصادرة عن وزارة المالية في البورصة المصرية – مما يمهد الطريق لسوق ثانوية نشطة للديون – وأشارت إلى أنها يمكن أن تعيد إحياء البيع على المكشوف.
… كما سعت لجذب المزيد من المؤسسات للاستثمار في أسواق المالي: التقى مسؤولو البورصة مع مؤسسات مملوكة للدولة في محاولة لتشجيعها على الاستثمار في سوق المال لزيادة حجم استثمارات المؤسسات المحلية في سوق الأسهم المصرية. إلى جانب ذلك، قال رئيس البورصة المصرية رامي الدكاني في سبتمبر الماضي إن هناك "محادثات جادة" مع 5 إلى 6 شركات خاصة للقيد قريبا، مضيفا أن المحادثات وصلت إلى مرحلة متقدمة، وأنها تأتي في إطار جهود البورصة لتسهيل إجراءات القيد.
النقطة المضيئة: شهدت البورصة المصرية نشاطا كبيرا في الأسابيع الأخيرة، لتصبح أحد أفضل البورصات أداء في العالم في أعقاب تخفيض قيمة الجنيه في أكتوبر والإعلان عن الحصول على حزمة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي. وارتفع المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية EGX30 بنسبة 68% منذ يوليو الماضي، حينما سجل أدنى مستوى له، وبلغت مكاسبه 21.9% منذ بداية العام وحتى الآن.
أيضا – هل تتذكرون الشركات ذات غرض الاستحواذ؟ على الرغم من النشاط الكبير للشركات ذات غرض الاستحواذ خلال الفترة بين عامي 2020 و2021، الأمر الذي دفع الجهات التنظيمية في السوق المحلية لوضع إطار تنظيمي للسماح بتأسيسها، إلا أن شركات "الشيك على بياض" لم تصل إلى السوق المصرية. وكان آخر مرة سمعنا عنها في مارس، حينما أفادت تقارير أنه جرى تقديم الأوراق الخاصة بتأسيس أول شركة ذات غرض الاستحواذ في مصر وكانت في انتظار موافقة هيئة الرقابة المالية. وكان من المقرر إدراج الشركة في البورصة المصرية بنهاية يناير أو أوائل فبراير من هذا العام.
ديون الشركات –
في مواجهة تراجع أحجام التداول في البورصة، اتبعت العديد من الشركات سبلا أخرى لتدبير تمويلات جديدة، بما في ذلك إصدار أدوات الدين.
انتعش سوق التوريق في مصر هذا العام: باعت الشركات ما قيمته 45.42 مليار جنيه من سندات التوريق للمستثمرين (بشكل رئيسي البنوك) حتى الآن هذا العام. ويقترب ذلك من ثلاثة أضعاف حجم الإصدارات التي جرى طرحها في السوق خلال عام 2021، والذي بلغ 15.81 مليار جنيه. كانت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة صاحبة أكبر إصدار لهذا العام (والأكبر على الإطلاق في السوق المصرية)، والذي باعت فيه ما قيمته 20 مليار جنيه من سندات التوريق في سبتمبر لتمويل مشروعات جديدة.
شهد عام 2022 ظهور نوع جديد من السندات لأول مرة في البلاد: أتمت سيرا للتعليم أول إصدار لسندات توريق حقوق مالية مستقبلية على الإطلاق في مصر، حينما باعت ما قيمته 800 مليون جنيه من السندات للبنوك المحلية والإقليمية. يسمح توريق الحقوق المالية المستقبلية بتوريق المدفوعات التي لم تتضمنها الميزانية العمومية للشركة بعد، مما يتيح للشركات العاملة بمجموعة واسعة من القطاعات مثل المرافق والاتصالات والرعاية الصحية الحصول على السيولة دون الحاجة إلى محفظة كبيرة من الذمم المدينة.
مجالات أخرى لسوق ديون الشركات؟ ليست كثيرة. كانت شركة درايف – ذراع تمويل السيارات لمجموعة جي بي أوتو – صاحبة الإصدار الأول والوحيد من سندات الشركات في عام 2022، حين باعت سندات بقيمة 700 مليون جنيه في يونيو. ارتفع حجم إصدارات الصكوك من قبل الشركات قليلا اعتبارا من عام 2021، إذ سوّقت شركة بالم هيلز للتعمير وشركة كونتكت المالية الإصدارين الوحيدين لهذا العام بقيمة 5.3 مليار جنيه. كانت شركة كونتكت المالية الوحيدة التي باعت صكوكا في عام 2021 بقيمة 2.5 مليار جنيه.
إذا، ماذا يحمل لنا عام 2023؟ تسعى الحكومة إلى طرح حصص من شركات مملوكة للدولة في البورصة المصرية قبل مارس 2023، وفق ما قاله معيط في وقت سابق من هذا الشهر، مضيفا أن الشركات – التي لم يذكر اسمها – تنشط في قطاعي البنوك والبترول. وتخطط شركة دمياط لتداول الحاويات والبضائع وشركة بورسعيد لتداول الحاويات والبضائع – وكلاهما تتبع الشركة القابضة للنقل البحري – طرح 25% من أسهمها في البورصة المصرية خلال الربع الأول من عام 2023. وكانت هيئة قناة السويس أشارت سابقا إلى أنها ستطرح حصة من شركتها التابعة "القناة لرباط وأنوار السفن" في البورصة المصرية بنهاية هذا العام، ولكن يبدو أن تلك الخطط قد جرى تأجيلها حتى عام 2023.