هل تسير مصر على خطى البنك الدولي لتطوير التعليم ما بعد الثانوي؟
هل تسير مصر على خطى البنك الدولي لتطوير التعليم ما بعد الثانوي؟ نشر البنك الدولي ورقة بحثية (بي دي إف) مؤخرا تركز على إصلاح التعليم ما بعد الثانوي (والذي يشمل التعليم الجامعي والتدريب المهني والكليات التكنولوجية). فاقمت جائحة “كوفيد-19” التحديات العالمية التي تواجهها الدول التي تتطلع إلى تحسين التعليم ما بعد الثانوي لديها، كما كشفت عن الحاجة إلى الاستثمار في التعليم العالي وذلك من أجل تعزيز النمو الاقتصادي والاستعداد الأفضل للصدمات المتوقعة، وفق الدراسة.
تكتسب القضايا التي سلطت الدراسة الضوء عليها أهمية بسبب التضخم السكاني في مصر، إذ من المرتقب أن يصل عدد سكان البلاد إلى 192 مليون نسمة بحلول 2052 من 102 مليون نسمة حاليا. وبلغت معدلات الالتحاق بالتعليم ما بعد الثانوي 35.1% في عام 2017، أقل من المتوسط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2017 البالغ 41.1%.
هل يتوافق التعليم ما بعد الثانوي في مصر مع معايير البنك الدولي؟ حددت الورقة البحثية إطارا للسياسات العامة وركزت على خمسة مبادئ لتحسين المنظومة. وفي موضوعنا اليوم، نسلط الضوء على الجهود المصرية لاتباع المبادئ الخمسة الأساسية.
أولا- تنويع أنظمة التعليم. إلى جانب البرامج الجامعية الداعمة الحكومية والخاصة، يتعين على صناع السياسات التركيز على الارتقاء بمستوى التعليم في مجالات من بينها التعليم المهني والفني، وفق الدراسة.
تمنح مصر أولوية بالفعل للتعليم التكنولوجي: تخطط الحكومة لإطلاق ست كليات تكنولوجية جديدة خلال العام المالي الحالي 2022/2021، فيما تعتزم شركة القاهرة للاستثمار والتنمية العقارية (سيرا) إطلاق أول كلية تكنولوجية تابعة للقطاع الخاص في سبتمبر 2023. اعتبارا من يونيو 2021، قدمت 36 جامعة خاصة ومعهد تكنولوجي برامج للتدريب المهني، ارتفاعا من 18 معهدا في عام 2014. أُنشئت أيضا هيئة اعتماد محلية للتعليم الفني وبرامج التدريب لضمان جودة التعليم الفني العام الماضي.
ثانيا- الاستثمار في التقنيات الجديدة. سرعت جائحة “كوفيد-19” من وتيرة الاعتماد على التكنولوجيا الجديدة عالميا، لكن عدم المساواة في الوصول إلى هذه التكنولوجيا يساهم في توسيع فجوات المساواة بين طلاب التعليم ما بعد الثانوي، بحسب الدراسة.
كان ذلك ضمن خطط الحكومة قبل تفشي “كوفيد-19″: قبل الجائحة، كانت الحكومة تحاول بالفعل تعزيز التعليم عبر الإنترنت إذ أطلقت بنك المعرفة المصري في عام 2014 لتسهيل الوصول إلى الموارد الأكاديمية. بعد تفشي “كوفيد-19″، اتجهت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى التعليم عبر الإنترنت، وفق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
عززت الجائحة من استخدام منصات التعليم عبر الإنترنت في مصر، رغم الشكوك حول إمكانية الاعتماد عليها في بعض الأحيان. زادت المؤسسات التعليمية المصرية من استثماراتها في منصات التعليم عبر الإنترنت بعد سلسلة الإغلاقات التي فرضتها الحكومة في مارس من العام الماضي. وصف الطلاب هذه المنصات بأنها كانت فعالة بدرجة معقولة فيما يتعلق بتقديم المحتوى وإعداد التكليفات. مع ذلك، اشتكى الطلاب من قلة تفاعلهم، ما صعب من إمكانية توضيح عدم فهمهم لبعض النقاط للأساتذة الجامعيين. قال بعض الطلاب إن منصات التعلم عبر الإنترنت إما معقدة للغاية أو عرضة للانقطاعات، مع ذلك فضلوا المرونة التي يوفرها التعليم عبر الإنترنت إلى جانب أداء الامتحانات عبر الإنترنت.
عززت المراكز المهنية بالجامعات من نطاق انتشارها خلال فترة الجائحة أيضا، كما بدأت الجامعات المصرية في دراسة إمكانية منح الشهادات عبر الإنترنت.
ثالثا- ضمان المساواة في الوصول للتعليم والتمويل. تحقيق المساواة في التعليم ما بعد الثانوي يعني حل عدد من المشكلات من بينها المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والمساواة بين الجنسين ودمج ذوي الاحتياجات الخاصة، وتلك المتعلقة بمستويات الالتحاق وأوجه الاختلاف في النجاح بسوق العمل، وفق التقرير.
تحسن معدلات الالتحاق بالتعليم ما بعد الثانوي في مصر: ارتفع عدد الطلاب المسجلين في مؤسسات التعليم العالي بمصر إلى 3 ملايين، ارتفاعا من نسبة بلغت 30.4% ما يعادل 2.3 مليون طالب في عام 2014. ونما عدد الجامعات التي بدأت في فتح أبوابها في عدد من المحافظات، على عكس التوجه القديم بالتوسع داخل القاهرة فقط.
حظيت برامج المنح الدراسية بانتشار أوسع: قدمت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية منحا دراسية لـ 4 آلاف مصري خلال 40 عاما، بحسب تقديراتها. يمول برنامج الوكالة المزدوج مع الجامعة الأمريكية بالقاهرة منح دراسية في سبع جامعات مصرية ويستهدف الطلاب من الأسر منخفضة الدخل. يهدف البرنامج أيضا إلى تحقيق معدل تمثيل متساوي في المنح بنسبة 50-50% بين الذكور والإناث، إضافة إلى دمج الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والإعاقة.
مع ذلك، لا نزال نواجه انقسامات وعدم تطابق المهارات مع متطلبات سوق العمل: رغم حصول عدد متساوٍ من الرجال والنساء المصريين على شهادات من كليات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، إلا أن القليل من النساء تسعين إلى العمل في هذه المجالات. يتعرض الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والإعاقة للاستبعاد في جميع المراحل التعليمية في مصر، وينعكس ذلك على انخفاض معدلات المشاركة في أماكن العمل.
رابعا – الكفاءة في استخدام الموارد: لا تؤكد الدراسة على أهمية الحصول على الموارد فحسب، بل استخدامها بصورة فعالة. يتضمن تحقيق ذلك تقديم المزيد من التمويل محدد الأهداف، وضمان جودة أفضل للتعليم وإدارة الموارد البشرية.
زادت مصر من إنفاقها على التعليم: خصصت الحكومة 424 مليار جنيه (26 مليار دولار) للتعليم العالي والبحث العلمي في العام المالي 2021/2020، وأنفقت 90 مليار جنيه على قطاع التعليم وحده، حسبما أشرنا في وقت سابق. يصل إجمالي مخصصات التعليم في ميزانية العام المالي 2022/2021 إلى 388.1 مليار جنيه، في زيادة عن السنوات السابقة.
وتعمل الحكومة على تجميع وتوزيع مواردها: تخصص مصر المزيد من الموارد للمحافظات النائية في الوقت الذي نشهد فيه افتتاح جامعات خاصة وأهلية جديدة في جميع أنحاء البلاد. تخطط الحكومة أيضا إلى إنشاء 14 جامعة أهلية في مناطق متفرقة بالبلاد في غضون عامين، وتحظى الخطط الرامية إلى إنشاء جامعات تكنولوجية ومدارس فنية جديدة باهتمام القطاع الخاص.
خامسا – المرونة في تقديم الخدمات: كشفت جائحة “كوفيد-19” عن حاجة نظام التعليم بعد الثانوي إلى خطوات داعمة لتحمل الصدمات، وفق الورقة البحثية. يشمل ذلك إنشاء بنية تحتية أفضل للتعليم المختلط والتعليم عن بعد وتعزيز استدامة التمويل وتقديم المزيد من الدورات التدريبية للمعلمين.
صمدت البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بمصر صمودا جيدا خلال الأزمة: زاد القطاعان الخاص والعام من سعة بوابات الإنترنت الدولية خلال فترة الإغلاق العام الماضي بسبب الجائحة، واكتملت خطة الحكومة- البالغ قيمتها 37 مليار جنيه والتي بدأتها منذ عام 2012 لتوصيل خطوط الفايبر لنحو 34 مليون منزل- بنسبة 90% حاليا. نما انتشار شبكة الإنترنت وسرعتها في مصر في عام 2020، كما ارتفعت نسبة انتشار الهواتف المحمولة.
لكن لم نحقق بعد استدامة التمويل: يمثل تمويل مؤسسات التعليم العالي- بما فيها الجامعة الأمريكية بالقاهرة – تحديا. مع ارتفاع الرسوم الدراسية وتحديات الحصول على قروض للطلاب، يبدو التمويل العام للتعليم العالي أقل استدامة. من الصعب تحديد مدى تأثير ذلك على مرونة المنظومة خاصة في المجالات الأكثر هشاشة من بينها تدريب المعلمين، لكن التأثير لا يبدو جيدا.
أبرز أخبار قطاع التعليم في أسبوع:
- سيرا والأهلي كابيتال تطلقان شركة للاستثمار في التعليم بملياري جنيه: وقعت شركة القاهرة للاستثمار والتنمية العقارية (سيرا) وشركة الأهلي كابيتال القابضة التابعة للبنك الأهلي المصري اتفاقية شراكة لتأسيس شركة جديدة للاستثمار في الكيانات التي تقدم خدمات التعليم لفئة متوسطي الدخل، وذلك برأسمال أولي قدره ملياري جنيه.
- يخطط صندوق مصر السيادي لإطلاق صندوقين فرعيين جديدين، أحدهما يركز على التعليم، والآخر على سلاسل التصنيع والتوزيع.
- أقر مجلس النواب الأسبوع الماضي الاتفاقية الموقعة بين مصر والوكالة الفرنسية للتنمية في يونيو لإعادة تأسيس الجامعة الفرنسية بمصر، وذلك من خلال إنشاء حرم جامعي جديد. وبمقتضى الاتفاقية، التي صدق مجلس الوزراء عليها في يوليو الماضي، ستقدم الوكالة الفرنسية قرضا بقيمة 12 مليون يورو، ومنحة قدرها مليوني يورو.