انقسام في توقعات المحللين بشأن أسعار الفائدة الخميس المقبل
استطلاع إنتربرايز يظهر انقسام المحللين حول قرار المركزي بشأن أسعار الفائدة الخميس المقبل: انقسمت توقعات المحللين الاقتصاديين في استطلاع للرأي أجرته إنتربرايز حول ما إذا كان البنك المركزي سيستأنف دورة التيسير النقدي، حينما تجتمع لجنة السياسة النقدية بالبنك يوم الخميس المقبل. ورجح ستة من 12 محللا خفض أسعار الفائدة بواقع 50 إلى 100 نقطة أساس، فيما توقع خمسة آخرون الإبقاء عليها دون تغيير في ضوء عدم اليقين المحيط بمسار التضخم، علاوة على تداعيات فيروس كورونا. ورأى محمد أبو باشا رئيس وحدة بحوث الاقتصاد الكلي لدى المجموعة المالية هيرميس، أن الاحتمالات متساوية بين الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير أو خفضها بنسبة 50 نقطة أساس.
وقررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي الشهر الماضي الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، وأرجعت ذلك إلى عدة عوامل داخلية بينها ارتفاع معدل التضخم والبطالة والتقلبات التي قد تتعرض لها أسعار النفط وسط توترات إقليمية. ويبلغ حاليا سعر الفائدة على الإيداع لليلة واحدة 12.25% وعلى الإقراض لليلة واحدة 13.25%، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي 12.75%. كانت اللجنة قررت تخفيض أسعار الفائدة 4 مرات خلال العام الماضي، بإجمالي تخفيض بلغ 450 نقطة أساس بين فبراير ونوفمبر الماضيين.
وثمة اختلاف بين المحللين حول مدى تأثير أرقام التضخم الأخيرة في قرار المركزي، إذ قال المحللون الخمسة الذين رجحوا سيناريو خفض الفائدة، إن المركزي سيمنح الأولوية للمخاوف الأخرى، وذلك بالنظر إلى أن التضخم لا يزال مستقرا ضمن النطاق المستهدف من المركزي والبالغ 9% (±3%) بنهاية 2020. وسجل التضخم السنوي العام بالمدن ارتفاعا طفيفا إلى 7.2% في يناير، بزيادة قدرها 0.1% فقط عن ديسمبر الماضي. وجاءت تلك الزيادة مدفوعة بارتفاع أسعار الأغذية والمشروبات والتي تمثل نحو ثلث سلة السلع. وعلى الجانب الآخر، يعتقد آخرون ومنهم عالية ممدوح، كبيرة الاقتصاديين لدى بنك الاستثمار بلتون، أن البنك المركزي سيفضل الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية المقبل، حتى يطمئن إلى انحسار التضخم قبل أن يستأنف دورة التيسير النقدي. وقالت ممدوح: "نتوقع التثبيت لاختبار مستويات السيولة بعد قرارات خفض الفائدة الجريئة التي اتخذها المركزي على مدار العام الماضي، ولدعم الحفاظ على أسعار الفائدة الحالية حتى هدوء قراءات التضخم بعد انتهاء أثر فترات المقارنة، بدءا من فبراير".
ودعونا لا ننسى ما أشرنا إليه الأسبوع الماضي بأن تثبيت أسعار الفائدة سيكون مفيدا لتجارة الفائدة، وبالتالي مفيدا لوضع مصر في ما يتعلق بالنقد الأجنبي.
تدهور نشاط القطاع الخاص مصدر قلق للبنك المركزي: ويرى الفريق المرجح للخفض أن "المركزي" سيخفض أسعار الفائدة في محاولة لدعم نشاط القطاع الخاص، الذي أظهر مؤشر مديري المشتريات انكماشه للشهر السادس على التوالي في نهاية يناير الماضي. وللشهر السادس على التوالي، تراجع مؤشر مديري المشتريات الذي يقيس نشاط القطاع الخاص غير النفطي، ليسجل أدنى مستوى له منذ 34 شهرا في يناير الماضي، إذ سجل 46 نقطة فقط، مقارنة بـ 48.2 نقطة في ديسمبر، ليبتعد كثيرا عن المستوى المحايد (50 نقطة). وقال أنجوس بلير رئيس مركز سيجنت لتوقعات الأعمال والاقتصاد، والذي يتوقع خفضا بقيمة 100 نقطة أساس في الاجتماع المقبل، إن "تراجع مؤشر مديري المشتريات الذي يقيس نشاط القطاع الخاص غير النفطي يشير إلى أن القطاع في حاجة إلى التحفيز. وتوقع باسم قمر كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط لدى البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، خفضا بواقع 50 نقطة أساس في الاجتماع، إذ يرى أن التضخم رغم ارتفاعه الأخير لا يزال في النطاق المستهدف من البنك المركزي. وقال قمر: "أتوقع خفضا بقيمة 50 نقطة أساس في الاجتماع المقبل رغم أنني أتمنى أن يكون الخفض بقيمة 100 نقطة … البنك المركزي في حاجة إلى تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار كي يلعب الدور المنوط به في النمو الاقتصادي وخلق الوظائف، وهو ما يتطلب خفض الفائدة على الإقراض لتعزيز التوسع الرأسمالي للشركات".
لكن سيتعين على المركزي أن يدرس التبعات العالمية المحتملة لفيروس كورونا: استبعد العديد من المحللين أن يخاطر المركزي بخفض أسعار الفائدة قبل أن تتضح تبعات فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي، وهو ما لم تظهر تأثيراته الكاملة بعد. ورجحت سارة سعادة، محلل أول الاقتصاد الكلي لدى بنك الاستثمار سي آي كابيتال، سيناريو تثبيت أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل. وقالت: "أتوقع أن يميل المركزي إلى التأني في تلك الخطوة حتى يتمكن من دراسة آثار التخفيضات التي نفذها العام الماضي بواقع 450 نقطة أساس، قبل استكمال دورة التيسير النقدي، لا سيما أن التضخم عكس مساره النزولي وبدأ الارتفاع مجددا وإن كان لا يزال في النطاق المستهدف … أتوقع أن يميل المركزي إلى التثبيت لحين دراسة تأثير فيروس كورونا المستجد على مناخ الاستثمار، والتبادل التجاري مع الصين". ويرى بعض المحللين أن هناك مخاوف من خروج استثمارات المحافظ المالية من الأسواق الناشئة، في ضوء ارتفاع الدولار عالميا بسبب الخوف من انتشار الفيروس، ولذلك فإن تثبيت سعر الفائدة في الوقت الراهن سيحافظ على جاذبية مصر لدى تجار الفائدة.
وجدل حول مدى الأثر التجاري الناجم عن الفيروس على التضخم: حذر الدكتور فخري الفقي أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة والمستشار السابق في صندوق النقد الدولي وعضو مجلس إدارة البنك المركزي سابقا، من مخاطر التضخم المستورد جراء تباطؤ حركة التبادل التجاري مع الصين. وأضاف: "إذا لجأ التجار في مصر إلى تخزين البضائع الصينية ورفع أسعارها سيؤدي ذلك إلى ارتفاع التضخم خلال الشهور المقبلة". ورجح الفقي تثبيت أسعار الفائدة في ضوء التوقعات بارتفاع التضخم المستورد بسبب تعطل الواردات من مستلزمات إنتاج المصانع أو قطاع الغيار أو السلع الجاهزة من السوق الصينية والتي تشكل نحو سدس الواردات المصرية. وعلى النقيض، قلل هاني جنينة رئيس قطاع البحوث في برايم القابضة، من المخاطر المحتملة، متوقعا أن تواجه الشركات المحلية ضغوطا لفترة شهرين إلى ثلاثة أشهر، حتى يمكن الاستيراد من أسواق بديلة. وحول التوقعات بقيام التجار برفع أسعار السلع الصينية المتوفرة لديهم، قال جنينة: "لن يؤدي ذلك إلى صدمة مستدامة في التضخم، فمعدلات الطلب متدنية بطبيعة الحال بسبب ضعف السيولة لدى المستهلكين". واتفق أبو باشا مع جنينة قائلا: "الشركات لن تلجأ لرفع أسعارها نظرا لتراجع معدلات الطلب والاستهلاك الخاص".
هل المبادرات الأخيرة للبنك المركزي بديل عن خفض أسعار الفائدة؟ قال الفقي إن تثبيت أسعار الفائدة لن يؤدي إلى تقويض نشاط الاستثمارات الخاصة، وذلك في ضوء الدعم الذي تلقاه القطاع الخاص من المبادرات التي أطلقها المركزي لدعم قطاعات السياحة والصناعة والعقارات من شأنها تحفيز القطاع الخاص، وبالتالي لا يوجد داع لخفض أسعار الفائدة عن معدلاتها الحالية، فالقطاعات التي في حاجة إلى الإقراض المدعوم حصلت على الدعم بالفعل.
وماذا عن التوقعات لأسعار الفائدة فيما بعد؟ رجح عمرو الألفي، رئيس قطاع البحوث في شعاع لتداول الأوراق المالية، الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير خلال اجتماع الخميس المقبل على أن يستأنف المركزي خفض أسعار الفائدة في الاجتماع التالي له في أبريل.
ويرى الألفي أنه من الأفضل الإبقاء على أسعار الفائدة عن معدلاتها الحالية لحين دراسة مدى تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد في ضوء المخاوف التي تجتاح الأسواق العالمية من تداعيات الفيروس، بالإضافة إلى الاطلاع على بيانات التضخم لشهر فبراير. وتتوقع شعاع خفض الفائدة 200 نقطة أساس في النصف الثاني من 2020. وقالت رضوى السويفي رئيسة قسم البحوث لدى فاروس القابضة، والتي كانت ضمن الفريق المرجح لسيناريو تثبيت أسعار الفائدة: "نتوقع أن يتبع المركزي المصري سياسة أهدأ في تطبيق دورة التيسير النقدي المخطط لها في 2020". وترى السويفي أن هناك إمكانية لخفض أسعار الفائدة بمعدل 200 إلى 300 نقطة أساس خلال العام الجاري وذلك خلال اجتماعات لجنة السياسة النقدية المقرر انعقادها في أبريل ويونيو وأغسطس، لتصل أسعار الفائدة على الإقراض إلى نطاق 11.25 إلى 10.25% بنهاية العام. ومن جانبه، يتوقع أبو باشا خفضا يتراوح بين 150 إلى 200 نقطة أساس خلال العام الجاري، مؤكدا أن "التخفيض حتمي وسيحدث لا محالة".