(خاص) مقابلة مع السيدة نعمت (مينوش) شفيق: السيدة نعمت شفيق ، الملقبة بـ "مينوش"، مديرة كلية لندن للاقتصاد وواحدة من الشخصيات المرموقة في عالم الاقتصاد، حيث شغلت من قبل منصب نائبة محافظ بنك إنجلترا المركزي، كما كانت أصغر من يشغل منصب نائب رئيس البنك الدولي. حضرت شفيق إلى الجامعة الأمريكية بالقاهرة يوم الأربعاء الماضي لإلقاء محاضرة في الذكرى السنوية لتكريم الدبلوماسية الراحلة نادية يونس. وتناولت شفيق في كلمتها بعضا من المفاهيم الأساسية التي تؤثر على النمو الاجتماعي والاقتصادي، بما في ذلك الحراك الاجتماعي، والتعليم، ودور المرأة في سوق العمل، والتكنولوجيا. في مقر الجامعة الأمريكية بالقاهرة بالتحرير أجرينا مقابلة حصرية معها، وتناولنا خلال المقابلة هذه الموضوعات وغيرها الكثير.
وفيما يلي أهم النقاط التي أثارتها نعمت شفيق في المحاضرة:
- الطبقة المتوسطة آخذة في التآكل: التفاوت بين الطبقات في مصر منخفض مقارنة ببلدان أخرى، وهو ما يرجع بشكل جزئي إلى برامج شبكة الأمان الاجتماعي مثل برنامج "تكافل وكرامة". ولكن في حين أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء أصغر، إلا أن الطبقة الوسطى آخذة في التآكل جراء خفض الدعم وتقلص فرص العمل في القطاع العام. وبينما لا تزال الخدمات مثل الصحة والتعليم مجانية، إلا أن هناك انخفاضا كبيرا في جودتها.
- "الفقراء الجدد": الهبوط الطبقي في المجتمع المصري يفوق الصعود الطبقي.
- تناول الحراك الاجتماعي: أظهرت الأبحاث أن أول 1000 يوم في حياة الطفل هامة للغاية، لذلك فإن عوامل مثل الحصول على الرعاية الصحية والاهتمام بنوعية الغذاء تعد أمورا ضرورية. ويأتي بعد ذلك الحصول على التعليم عالي الجودة والذي يمكنهم من التعرض للأفكار الجديدة.
- عقول مغمورة: أظهرت الأبحاث أيضا أن عدد براءات الاختراع المسجلة من قبل المخترعين في المجتمعات الأكثر فقرا أقل من تلك المسجلة في المجتمعات الأكثر ثراء. يعني هذا أن هناك الملايين من المخترعين مثل آينشتاين ولكن لم يتم استغلالهم لأن مجتمعاتهم الفقيرة لم تمنحهم الفرصة.
- لابد من إتاحة التعليم الجيد من أجل التكيف مع التطورات التكنولوجية كالأتمتة. وينبغي أن تركز الجامعات على مهارات مثل التحليلات والنضج العاطفي.
- حجم للاقتصاد المصري يمكن أن ينمو بنسبة 60% إذا ما أعطيت المرأة قدرها. فعلى الرغم من أن عدد السيدات اللاتي يتخرجن أكبر من عدد الرجال، فإنهن لا يمثلن سوى 16% من القوى العاملة.
- العمل 40 ساعة في الأسبوع ليس أمرا مميزا في حد ذاته. لذا يجب نشر فكرة العمل بدوام جزئي.
- كيف يمكن للقادة الجيدين التعامل مع حالات عدم التيقن؟ الإعداد وفق أجزاء متساوية والتحلي بالمرونة عندما لا تسير الأمور وفقا للخطة.
- العملات المشفرة هي الأكثر جذبا للانتباه هذه الأيام.
والآن نأتي إلى المقابلة الحصرية التي أجرتها إنتربرايز مع السيدة مينوش.
إنتربرايز: إذا ما تكلمنا عن مستقبل التنمية الاقتصادية، ما مدى التقدم الذي أحرزته الأسواق الناشئة في معالجة قضايا مثل تغير المناخ، والتفاوت في الدخل، وعدم المساواة بين الجنسين؟ هل تبذل الأسواق الناشئة ما يكفي من الجهد في هذا الصدد؟
نعمت شفيق: أعتقد أن الأسواق الناشئة قطعت شوطا كبيرا على مدار العقود الماضية وهذا أمر واضح. هناك مجموعة من التحديات الجديدة حول التطور التكنولوجي والتي سوف تنشئ مجموعة جديدة من التحديات. وأعتقد أن التحول التقليدي من خلال التصنيع يعد الطريقة الأمثل لتحقيق النمو والتحول من بلد عند الحد الأدنى للدخل المتوسط إلى بلد متوسط الدخل، ثم إلى اقتصاد متقدم سيتغير بسبب الأتمتة والتكنولوجيا. وسيتعين على الدول التفكير في طرق تحقيق قفزات في مسيرتها أو القيام بالأشياء بطريقة مختلفة. وأيضا، من المحتمل أن تشهد الاقتصادات المتقدمة عودة للكثير من التصنيع، لأن الأمر الآن يتعلق برأس المال وليس تكاليف العمالة. وأعتقد أنه سيكون على الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية أن تجد مناطق تميزها في هذه المنظومة الجديدة.
هناك بعض الفرص الكبيرة وأعتقد أن تصدير الخدمات أصبح الآن أمرا ممكنا بطريقة لم نتخيلها من قبل. لذلك قامت دول مثل الهند بتطوير قدرة سوقية استنادا إلى تصدير تكنولوجيا الكمبيوتر. وحتى أن هذا الأمر ينطبق على أشياء مثل الخدمات المعمارية الآن، فيمكنك جعل مهندس معماري يتواجد على بعد مئات الأميال يضع تصميم منزلك. ولذلك أعتقد أنه يمكنك خلق الفرص، ولكن ذلك يعد استراتيجية تنموية مختلفة عما كانت عليه في السابق.
إنتربرايز: هل تتوقع هذه البلدان تلك التغييرات، مثل الأتمتة والتوسع في الاستعانة بالروبوتات، وهل هي مستعدة لمثل هذه الأمور؟ أم أنها تتحرك في الاتجاه الخاطئ؟
نعمت شفيق: أعتقد أن هذا يختلف بشكل كبير حسب الدولة نفسها. فبعض تلك الدول بدأت في التفكير في الطريق إلى المستقبل، في حين لا يزال البعض الآخر يعمل وفق النموذج القديم ويعتقد أن التصنيع التقليدي هو الطريق الصحيح.
التكنولوجيا تحل محل الوظائف ولكنها في نفس الوقت تخلق وظائف أخرى. لست متشائمة تجاه التكنولوجيا، ولا أظن أننا جميعا سنفقد وظائفنا بسببها. واعتقد أن ثمة وظائف جديدة ستظهر وسيكون السؤال هو ما هي الدول التي ستخلق بيئة تزدهر فيها هذه الوظائف الجديدة.
أعتقد أن المنافسة أمر مهم للغاية. فإذا كان لديك الكثير من الشركات المملوكة للدولة أو الشركات الاحتكارية، فإنها تعوق الابتكار وتحول دون ظهور تلك الوظائف الجديدة. لذلك أشعر بالقلق كثيرا حيال هذا الأمر. وأعتقد أن إيجاد ساحة متكافئة لتلك التكنولوجيات الموجودة حاليا بحيث تواجه المنافسة (تماما مثل الجدل الدائر عالميا حول مكافحة الاحتكار وفيسبوك وجوجل). فإذا لم نقم بإيجاد منافسة حقيقية، فإن تأثير الأتمتة سيقلل من فرص العمل، بينما إذا سمحنا للمنافسة، فسنحصل على الكثير من فرص العمل من خلال التكنولوجيا.
إنتربرايز: ما هي الاتجاهات في التكنولوجيا التي ترين أن لها التأثير الأكبر على الاقتصاد العالمي؟
نعمت شفيق: أعتقد أن البيانات الضخمة تغير كل شيء، بدءا من الخدمات، وحتى التسويق والطب. وأعتقد أنها تشتمل على فرص كبيرة. هناك أيضا تعلم الآلة.
إنتربرايز: من بين هذه القضايا الكثيرة التي تواجه الاقتصاد العالمي في وقتنا الحالي، مثل البريكست، والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وعدم المساواة في الدخل، وازدياد الحواجز التجارية، وما إلى ذلك، ما هي القضية التي ترين أنها الأكثر إلحاحا بالنسبة للأسواق الناشئة وعلى مستوى العالم؟
نعمت شفيق: من منظور الازدهار العالمي على المدى القريب، أعتقد أن القضية الأكبر تتمثل في إيجاد مجموعة جديدة متفق عليها من قواعد التجارة العالمية التي من شأنها أن تخلق ساحة متكافئة للجميع، بما في ذلك الصين. الحرب التجارية ستكون مدمرة بشكل كبير للاقتصاد العالمي، وأعتقد أن ثمة حل تقوم بموجبه الصين بفتح بعض أسواقها المحلية، وأن تتوقف عن الاعتماد على حقيقة أنها مصنفة على أنها اقتصاد نامي وفق قواعد منظمة التجارة العالمية. وأعتقد أن الأمر يتطلب أيضا أن تتراجع الدول عن التعريفات الأخيرة التي فرضت على الصين. وأرى أنه ينبغي التوصل إلى اتفاق، لكن السؤال هو ما إذا كان المفاوضون لديهم الحكمة بما يكفي لإيجاد هذا المسار. أعتقد أن هذه هي القضية الكبرى على المدى القريب.
يجب أيضا أن أقول إن تغير المناخ سيكون له عواقب اقتصادية فادحة على المدى الطويل، ونحن بالفعل نشهد هذا. أعتقد أنها أول مرة يرى الناس في حياتهم اليومية الثمن الذي ندفعه جراء التغيرات المناخية الخطيرة (مثل الترشيد في المياه، والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية بسبب الصدمات الناجمة عن الطقس). تغير المناخ يعد أحد تلك القضايا التي يحدث فيها تحول في المزاج العام ورغبة في معالجتها. وأعتقد أنه على الرغم من أن الأمر يبدو وكأنه ينتمي إلى المستقبل البعيد، فإننا نشعر بالعواقب الآن، وآمل أن يحفز هذا قادة العالم على التحرك.
إنتربرايز: ما هي الاتجاهات الأكثر إثارة للاهتمام التي ترينها الآن في الاستثمار العالمي؟
نعمت شفيق: المحركان الرئيسيان الجديدان هما التكنولوجيا والمناخ. وهناك الكثير من الاستجابات الجديدة المبتكرة للمناخ، سواء كانت طاقة ابتكارية أو مواد بناء أكثر ملائمة للمناخ. هناك أيضا نظم مبتكرة لإنتاج الأغذية أقل ضررا بالبيئة وتقلل من الأثر الكربوني. لذلك أعتقد أن هذه الظواهر الرقمية والخضراء تتداخل في كل شيء من الغذاء وحتى الطب والتعليم.
إنتربرايز: هناك جدل دائر في مصر الآن حول إدراج الاقتصاد غير الرسمي في الناتج المحلي الإجمالي. هل تعتقدين أن تلك فكرة صائبة؟
نعمت شفيق: كانت هناك محاولات في الماضي من قبل العديد من الدول لمحاولة تقدير حجم الاقتصاد غير الرسمي، ولكن المشكلة هي أنه، وكما يطلق عليه، فهو اقتصاد غير رسمي، أي أنه من الصعب قياسه. لذا فإن موثوقية البيانات متدنية للغاية. وأعتقد أنه ما أود أن أركز انتباهي عليه هو تقليل الطابع غير الرسمي نفسه. فلماذا كل هذه الشركات غير رسمية؟ لماذا لا يدخلون في المنظومة الرسمية؟ ما هي العقبات التي تواجهها وكيف يمكن زيادة الطابع الرسمي؟ الطابع غير الرسمي يضر بالإنتاجية، ولا يمكن لهذه الشركات الحصول على التمويل، ولا يمكنها المشاركة في شبكة التأمين الاجتماعي، وقد تكون هناك بعض الأسباب الواضحة والمتعلقة بالسياسات والتي تجعل هذه الشركات تبقى غير رسمية ومعالجة هذه الأسباب سيكون أكثر نفعا.
إنتربرايز: كيف ترين دور المؤسسات متعددة الأطراف مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في هذا المناخ الاقتصادي المضطرب؟ وهل يجب على مثل هذه المؤسسات إعادة تقييم طريقة تناولها للقضايا الاقتصادية؟
نعمت شفيق: أعتقد أنها بحاجة إلى التجديد المستمر لإطار عملها الفكري. وبالنظر إلى التغيرات التي يشهدها الاقتصاد، وبما أن لدينا هذه الاتجاهات الجديدة الكبيرة للغاية مثل الاتجاه الرقمي، فنحن بحاجة إلى تعديل طريقة تفكيرنا في الأمور وأرى أنها ستكون عملية مستمرة.
القضية الأخرى التي تمثل إشكالية لا سيما في الوقت الحالي هي حوكمة تلك المؤسسات وكيف يمكنها تحديث حوكمتها للحفاظ على توافق عالمي حولها. وفي الوقت الذي يشتعل فيه النزاع بين الولايات المتحدة والصين، أجد أنه من الصعب للغاية أن يكون لديك نظام دولي فعال. أنا أؤمن بشدة بأهمية تلك المؤسسات في الحفاظ على استقرار وازدهار الاقتصاد العالمي، لذا أعتقد أننا بحاجة إلى معالجة مسألة الحوكمة بشكل مباشر.
إنتربرايز: ما هي التحديات التي واجهتك كامرأة وكمصرية وصلت إلى مثل هذه المكانة المرموقة في عالم الاقتصاد؟
نعمت شفيق: من المؤكد أنني واجهت نفس التحديات التي واجهتها العديد من السيدات العاملات، فجميعهن (وخاصة عندما يكن أصغر سنا) يواجهن مشاكل في أن يجدن من يستمع إليهن ويأخذ آرائهن في الاعتبار، في حين يحصل زملائهن من الرجال على فرص أكبر في أن يجدوا من يستمع إليهم. لقد واجهت كل هذه الأشياء، ولكنني أرى أن الأمور آخذة في التغير، وأعتقد أن هذا بسبب وجود الكثير من الشابات القادرات في وقتنا الحالي، وهن أكثر وعيا بحقوقهن وما يمكنهن القيام به وما هي قدراتهن، كما أن توقعاتهن باتت مختلفة. ولكني أرى أن السياسات الخاصة بمكان العمل لم تتواكب حتى الآن مع توقعاتهن وأنظمة الدعم التي يحتجن إليها مثل الحصول على رعاية جيدة لأطفالهن والتمكن من الحصول على إجازة وضع حتى يتمكن من تكوين أسر وفي نفس الوقت يحافظن على وظائفهن، لذا يجب مواكبة طموحاتهن وتوقعاتهن. وأرى أن هذا الجيل من السيدات الأصغر سنا سيطلبن ذلك التغيير وإنني أعتقد حقا أننا على أعتاب تحول كبير فيما يتعلق بالأدوار الاقتصادية والسياسية للمرأة، ولهذا فإن لدي حماسة شديدة لرؤية ما يمكن أن يفعلن.