تحديات التجارة الإلكترونية بين الشركات وسط تغيرات السوق
كيف تتعامل سوق التجارة الإلكترونية بين الشركات مع ضغوط التكاليف وتراجع التمويلات؟ بالنسبة لعدد كبير من الشركات الناشئة التي تعتمد في الغالب على جولات التمويل لتحقيق النمو، كان تراجع تمويل رأس المال المغامر عالميا (الذي تأثرت به أيضا السوق المصرية) بمثابة جرس إنذار. وأدت أيضا الظروف الاقتصادية الصعبة إلى زيادة الضغوط على رأس المال العامل للشركات الناشئة، واضطرت بعض الشركات الناشئة في مجال التجارة الإلكترونية بين الشركات (B2B) – خاصة تلك التي ضخت استثمارات كبيرة في بنيتها التحتية – إعادة النظر في نماذج أعمالها والتخطيط لنمو أكثر استدامة وسط اضطرابات السوق.
في هذا السياق – أدت الأخبار التي انتشرت خلال الأسابيع الماضية عن الشركات الناشئة التي تكافح من أجل سداد مستحقاتها وتقوم بإجراءات لخفض التكاليف وسط رياح معاكسة بالسوق، إلى تسليط الضوء على قطاع التجارة بين الشركات، وعلى قطاع الشركات الناشئة بشكل عام. بعد أزمة شركة كابتير، أصدرت شركة التجارة المجتمعية الناشئة بريمور بيانا (بي دي اف) قالت فيه إنها ستعيد هيكلة عملياتها في محاولة لخفض التكاليف والوصول إلى الربحية. وقالت بريمور حينها إنها ستعدل نموذج أعمالها، دون تقديم المزيد من التفاصيل عما يعنيه ذلك.
تقوم بعض الشركات بإعادة تنظيم استثماراتها فقط: في سياق مختلف، توسع شركة مكسب تواجدها الدولي سعيا للاستفادة من الأسواق الأكثر مرونة مثل المغرب، حيث تعمل بالفعل، والسعودية، التي تخطط للتوسع فيها أوائل العام المقبل، حسبما قال الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة بلال المغربل لانتربرايز. تركز الشركة الناشئة توسعاتها في مصر أيضا خارج منطقة القاهرة الكبرى، إذ ترى أن المناطق المحرومة تعد أكثر جاذبية وأقل تنافسية من المدن المركزية، وتتجه معظم استثماراتها نحو منتجات التكنولوجيا المالية والتكنولوجيا. وبالمثل، تتطلع شركة فاتورة إلى توسيع خدمة الشراء الآن والدفع لاحقا، لكنها ستركز على توسيع نطاق القطاعات الحالية بدلا من الدخول إلى قطاعات جديدة، وفق تصريحات الرئيس التنفيذي للشركة حسام علي لإنتربرايز.
ما السبب وراء هذا التحول؟ سيطر على السوق نموذجان مختلفان: النموذج الأول مثقل بالأصول تمتلك فيه الشركة الناشئة أسطولها الخاص، ومستودعات وبنية تحتية أخرى، والنموذج الآخر خفيف الأصول، وفيه تكون إدارة سوق وخدمات التجارة الإلكترونية هي النشاط الأساسي للشركة. يقع في الفئة الأولى شركات مثل كابتير ومكسب وبريمور، في حين أن فاتورة وكرتونة وطلبية التابعة لإم إن تي حالا هم من الأسماء الكبيرة في الفئة الأخيرة.
المشكلة: تحتاج الشركات الناشئة ذات الأصول الثقيلة إلى (الكثير) من رأس المال للتوسع. يتعين على هذه الشركات الناشئة "أن تدفع الكثير من النفقات الرأسمالية في تطوير البنية التحتية، كما تحتاج أيضا إلى الكثير من رأس المال العامل لشراء المخزون"، وفق ما قاله الرئيس التنفيذي لشبكة الاستثمار الملائكي كايرو إنجلز علي الشلقاني لإنتربرايز. حقيقة وجود الكثير من اللاعبين في السوق تدفعهم أيضا إلى التوسع بمعدل أسرع، مما يؤدي إلى حرق سيولة كبيرة لتحقيق ذلك. "إنهم يحتاجون إلى مبلغ ضخم من المال كي يكونوا مسيطرين في السوق، ومن ثم يحققون أرباح"، حسبما يقول الشلقاني.
.. وهو ما يفسر سبب اختلاف حجم جولات التمويل في القطاع بشكل كبير. قامت الشركات الناشئة ذات الأصول الثقيلة مثل كابيتر التي جمعت 33 مليون دولار من مستثمرين إقليميين وعالميين، وبريمور التي جمعت 25 مليون دولار في جولة تمويلية أولية، بإتمام جولات ضخمة في السنوات الأخيرة. جمعت شركة مكسب 40 مليون دولار في جولتها الأولى، بعد جولة قياسية بلغت 6.2 مليون دولار في عام 2019. من ناحية أخرى، قامت الشركات الناشئة ذات التكاليف الرأسمالية الأخف بجمع جزء بسيط من هذه المبالغ، إذ حصلت فاتورة على إجمالي 4 ملايين دولار قبل أن يجري الاستحواذ عليها من قبل شركة تنمية التابعة للمجموعة المالية هيرميس، وجمعت كرتونة مبلغا أكبر قدره 12 مليون دولار في جولتها الأولى.
كان هناك اتجاه في السوق "للنمو بأي ثمن": كافحت "طلبية" التي تأسست في عام 2020، وهي منصة متخصصة في تزويد صغار التجار بالسلع الاستهلاكية في اليوم التالي للطلب، من أجل جمع الأموال في مراحلها الأولية. "كنا مدفوعين بأن يكون لدينا اقتصاديات إيجابية ومسار واضح نحو تحقيق التعادل، لكن المستثمرين كانوا يقولون إننا لم نتحرك بسرعة مثل المنافسين"، حسبما قال الرئيس التنفيذي للشركة كريم ناصف لإنتربرايز. أما بالنسبة لمكسب، يقول المغربل: "ركزنا بشدة منذ البداية على تحقيق المقاييس الصحيحة والتي لا تمثل بالنسبة لنا الإيرادات والمبيعات بل الربحية والكفاءة التشغيلية وبناء تقنيات قابلة للتطوير وأسس قوية مع الموردين"، مضيفا أن المستثمرين "كانوا يدفعون لمزيد من النمو".
لكن بعض المستثمرين كانوا يبحثون عن النمو المستدام: استحوذت شركة إم إن تي حالا على شركة طلبية في يونيو، وكان جزء من القوة الدافعة وراء الاستحواذ هو النمو الثابت والمستدام لشركة طلبية. "كان نموذج أعمال شركة طلبية قويا بشكل أساسي"، حسبما قال نائب رئيس قطاع الاستثمار في إم إن تي حالا أندريه فالافانيس، موضحا أن سبب استحواذهم عليها هو أن "المؤسسين لديهم عقلية نمو مع التركيز على اقتصاديات الوحدة الإيجابية".
وبعض المستثمرين أيضا فضلوا نماذج الأصول الخفيفة، والتي وجدوا أنها تحمل مخاطر أقل: استحوذت شركة تنمية التابعة للمجموعة المالية هيرميس على فاتورة في يونيو. وقال الشلقاني، الذي كان من أوائل المستثمرين في فاتورة، "بالنسبة لنا، تفوق فوائد كوننا أصولا خفيفة على المخاطر والهوامش الإضافية لنموذج الأصول الثقيلة".
هذه التحديات ليست خاصة بقطاع معين، ويمكن أن تؤثر على الشركات الناشئة في المجالات الأخرى: يرى فالافانيس أن "عقلية الخصومات الكبيرة وحرق الأموال معيبة، والتصحيح العالمي [بنشاط رأس المال المغامر] كشف ذلك". وأضاف الشلقاني: "إذا واصلت دعم العميل بشكل كبير إلى أقل من التكلفة الحدية، فإن هدفك هو السيطرة في النهاية على السوق قبل تقديم ما تريده للعميل"، مضيفا أن هناك الكثير من "المنافسة غير الصحية" في أسواق مثل السلع سريعة الدوران وتوصيل الطعام. "الحقيقة هي أن هذا لن يحدث، خاصة في هذه القطاعات، حيث يكمن ولاء العميل للسعر، وليس بالضرورة للشركة".
الأسبوع المقبل: نلقي نظرة على الجانب المالي. سننظر في كيفية قيام الشركات الناشئة في مجال التجارة الإلكترونية بين الشركات بتعديل نماذجها المالية لتعويض تراجع شهية المستثمرين المغامرين، وخيارات التمويل المحتملة التي يمكن أن تلجأ إليها في الوقت الراهن.
أبرز أخبار الشركات الناشئة في أسبوع:
- هل تكون "سند كاش" السعودية منقذا آخر لـ "كابيتر"؟ تعتزم شركة التكنولوجيا المالية الناشئة السعودية "سند كاش" الاستحواذ على 60% من شركة كابيتر الناشئة في مجال التجارة الإلكترونية المتعثرة.
- جمعت شركة التكنولوجيا العقارية الناشئة "بارتمنت" 1.5 مليون دولار في جولة تمويلية ما قبل تأسيسية، بقيادة صندوق إنكلود للتكنولوجيا المالية وشركة بلس فينتشر كابيتال، إلى جانب مجموعة من المستثمرين الملائكيين.
- أتمت شركة مزايا الناشئة في مجال التجارة الإلكترونية بين الشركات جولة تمويلية ما قبل تأسيسية بقيمة 5 ملايين دولار، بقيادة شركة راية للتجارة والتوزيع.
- أعلنت شركة "كاشات" – أول مزود لخدمات التمويل الأصغر في المنطقة – أنها حصلت على تمويل من كل من شركة بلج آند بلاي وصندوق لانش أفريكا، كجزء من حملتها المستمرة لجمع الأموال.