كيف يطمح وزير المالية الفرنسي لتوطيد العلاقات الاقتصادية مع مصر؟
فنجان قهوة مع وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير: العلاقات الاقتصادية بين مصر وفرنسا في تحسن منذ تولي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مقاليد الحكم في مايو 2017. وظهر ذلك جليا في وقت سابق من هذا الأسبوع عندما وقع وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير اتفاقيات ثنائية بقيمة 3.8 مليار يورو مع الرئيس عبد الفتاح السيسي. وتتضمن هذه الاتفاقيات، حزمة تمويل بقيمة ملياري يورو على هيئة تسهيلات ائتمانية، إلى جانب قروض ميسرة بقيمة 800 مليون يورو من الحكومة الفرنسية لتمويل تطوير وتحديث الخطين الأول والسادس لمترو أنفاق القاهرة. وستقدم الوكالة الفرنسية للتنمية أيضا قروضا قيمتها مليار يورو لتمويل عدد من مشروعات النقل والطاقة والمياه على مدار أربعة أعوام ابتداء من 2021 وحتى 2025، إلى جانب 150 مليون يورو لدعم منظومة التأمين الصحي الشامل في مصر.
ومع ذلك.. يعتقد لومير أنه يمكن القيام بأفضل من هذا. وكشف في حواره مع إنتربرايز عن طموحات بلاده لتعزيز الشراكة التجارية والاقتصادية والاستراتيجية مع مصر. وتحدثنا خلال المقابلة عن سبب جاذبية الشراكة مع مصر، والدور الذي من الممكن أن تلعبه الأخيرة في تعافي مع بعد الجائحة، ومقترح الضرائب على الشركات متعددة الجنسيات "التاريخي" الذي توافقت عليه مجموعة السبع، وماذا يعني لنا هنا في مصر.
وإليكم مقتطفات محررة من مقابلتنا:
فرنسا ينبغي أن تكون بين أكبر 3 شركاء تجاريين لمصر، وفق ما أكده لومير. وتعد فرنسا حاليا ثامن أكبر شريك تجاري لمصر، لكن لومير غير راض عن هذا الترتيب. "يجب أن نكون في المراكز الثلاثة الأولى. لا أعرف كم من الوقت سنستغرق للوصول إلى هذا الهدف، الذي من شأنه أن يعكس مستوى الصداقة بين بلدينا"، حسبما قال لومير.
التعاون الاقتصادي بين مصر وفرنسا ازدهر خلال السنوات الأخيرة بفضل هذه الصداقة واستقرار مصر الإقليمي: توسعت علاقات التعاون الاقتصادي بين البلدين على مدار السنوات الأربع الماضية، وهو ما يرجع جزئيا إلى العلاقة الشخصية القوية بين الرئيس السيسي والرئيس ماكرون، بحسب لومير، مضيفا أن مكانة مصر كواحدة من أكثر الدول استقرارا في المنطقة يعطيها أهمية استراتيجية كبيرة. وقال "هناك أيضا الصداقة بين شعبينا. الشعب الفرنسي لديه الكثير من الاحترام لمصر، الأمر الذي يلعب أيضا دورا في تطور علاقاتنا الاقتصادية".
مصر تتبع الإجراءات الصحيحة لتحفيز الاستثمار الفرنسي: يقول لومير إن فرنسا معجبة جدا بالتنمية الاقتصادية الناجحة في مصر منذ عام 2016. نفذت البلاد إصلاحات اقتصادية مهمة بنجاح، كما جعلت قوانين الاستثمار والجمارك الجديدة من مناخ الاستثمار أكثر جاذبية، بحسب لومير. ونما الاقتصاد المصري بأكثر من 2% العام الماضي، خلال إحدى أكبر الأزمات العالمية على الإطلاق.
ويوصي لومير بالاستمرار على المسار ذاته: "مصر على المسار الصحيح، بفضل القرارات الشجاعة التي اتخذها الرئيس السيسي وشجاعة الشعب المصري، الذي اضطر أحيانا لدفع ثمن الإصلاح"، حسبما قال لومير. ويضيف أن مصر أصبحت نموذجا للتنمية الاقتصادية للعديد من البلدان موضحا، "لا أعتقد أن على مصر أن تفعل الكثير لجذب اهتمام الشركات الفرنسية".
مصر يمكنها الاستفادة من موقعها الجغرافي لتصبح مركزا إقليميا للسلع والخدمات الفرنسية: فرنسا مستعدة لدعم هدف الرئيس السيسي لمصر لتصبح مركزا لتصدير السلع والخدمات الفرنسية إلى أفريقيا والشرق الأوسط، وفق ما قاله لومير، والذي أكد استعداد بلاده أيضا لدراسة تطوير منشآت صناعية في مصر. ويتضمن ذلك التخطيط الاستراتيجي للوظائف والمؤهلات والمهارات التي يمكن للمصريين تطويرها. ويقول لومير: "أدرك أيضا أن الرئيس السيسي مهتم جدا بتطوير صناعة السيارات في مصر. لا يمكنك بدء ذلك من الصفر، لكن يمكننا التفكير في كيفية تطوير هذه الصناعة خطوة بخطوة، بهدف توسيع القدرات الصناعية للبلاد".
كما يمكن مساعدة فرنسا على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها: أظهرت الجائحة أن التنويع ضروري، كما يقول لومير. ويمكن أن تكون المحادثات بين فرنسا ومصر حول كيفية التعاون لتنويع سلاسل التوريد الخاصة بهما مثمرة، على الرغم من أنها لم تبدأ بعد. وأضاف "لكنني على استعداد للتفكير في تنويع سلسلة التوريد والاعتماد أكثر على مصر".
لكن لا يمكننا الاعتماد فقط على التجارة، فالتعاون الاستراتيجي في الصناعة والتكنولوجيا والعلوم والثقافة لا يقل أهمية. ويقول لومير "نريد تعزيز التعاون بين فرنسا ومصر في القطاعات الاستراتيجية، مع تعميق علاقاتنا التجارية".
مصر يمكنها أيضا أن تلعب دورا مهما كجسر بين البلدان الأكثر والأقل نموا. سيوفر التعافي بعد الوباء فرصا للدول المتقدمة في أوروبا والولايات المتحدة والصين لتطوير تقنيات جديدة في مجالات رئيسية مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية واستكشاف الفضاء. "لا نريد أن تتخلف البلدان النامية عن الركب. يمكن لمصر، التي حققت نجاحا كبيرا، أن تشكل جسرا بين الدول المتقدمة والنامية. هذا أمر حيوي بالنسبة للرئيس ماكرون ولي. وهذا سبب آخر لأننا نريد تطوير هذه الشراكة الاستراتيجية مع مصر".
تجسدت هذه الشراكة بشكل واضح عندما دعمت مصر مساعي فرنسا الأخيرة لإعادة تخصيص 100 مليار دولار من الاحتياطيات النقدية الخاصة بحقوق سحب صندوق النقد الدولي لأفريقيا. وشهدت القمة التي عقدت في باريس في 18 مايو بشأن تمويل أفريقيا، دعم الرئيس ماكرون لزيادة مبلغ 34 مليار دولار المخصص للدول الأفريقية. يقول لومير: "لعبت مصر دورا سياسيا رئيسيا، إذ دعمت مساعي الرئيس ماكرون لمساندة الدول النامية، ووضحت أهمية قيام صندوق النقد الدولي بتوفير تمويل جديد لأفريقيا".
يجب أن تمتد هذه الشراكة بين الدول المتقدمة والنامية لتشمل قضايا أخرى مثل تغير المناخ. يقول لومير إنه من مصلحة الجميع التركيز على التنمية المستدامة ومكافحة تغير المناخ. يجب أن نساعد جميع البلدان على القيام بذلك، مع الأخذ في الاعتبار أن البلدان الأكثر تأثرا بتغير المناخ هي البلدان النامية.
لا سيما في مجال التمويل: التمويل هو مفتاح التنمية المستدامة، كما يقول لومير. تتطلب المياه والطاقة المتجددة استثمارات بالمليارات. "أنت بحاجة إلى المال للنجاح في مكافحة تغير المناخ، لذا فإن التمويل الأخضر له أهمية قصوى بالنسبة لنا. ونريد أن تكون مصر جزءا من هذا التحدي الضخم".
نأمل أن ينعكس هذا بشكل تلقائي على علاقاتنا التجارية: "يسعدني جدا أن أرى تعزيز العلاقات التجارية بين فرنسا ومصر في مجالات الطاقة المتجددة والتقنيات الجديدة المرتبطة بالتنمية المستدامة".
لماذا سيفيد مقترح ضرائب مجموعة السبع الجميع، حتى نحن؟ يعتبر مقترح فرض الضرائب العالمية على الشركات متعددة الجنسيات مكسبا تاريخيا، يقوم على الإنصاف والكفاءة، كما يقول لومير. "لأول مرة، نحن على استعداد لبناء نظام ضريبي عالمي يتسم بالعدالة والفاعلية. عادل لأن جميع الشركات الرقمية العملاقة التي حققت أرباحا ضخمة من الوباء سيتعين عليها دفع نصيبها العادل من الضرائب، وفعال لأنه سيكون هناك الآن حد أدنى لضريبة الشركات، مما يعني أن أي شركة كبيرة لن تتمكن من تحقيق أرباح كبيرة في بلد ما ودفع ضرائب أقل في بلد آخر".
ماذا عن الشركات التي تخشى أن تؤثر الضريبة الجديدة على استثماراتها في بلدان مثل مصر؟ يقول لومير، إنها ليست حجة قوية ضد الضريبة. "تخسر المال عندما لا تدفع الشركات الرقمية العملاقة الضرائب العادلة للشعب المصري". ويضيف أن الشركات الصغيرة والمتوسطة في مصر والشركات الخاصة والأفراد لا يمكنها قبول أن تستفيد الشركات الرقمية العملاقة من الشعب المصري دون دفع نصيبها العادل من الضرائب.
هل معدل 15% كاف؟ هذا المعدل هو نقطة انطلاق، كما يقول. "آمل أن تكون أكثر من 15%، لكن تلك النسبة عند تطبيقها ستكون نجاحا مهما لنا جميعا". اقترح الرئيس الأمريكي جو بايدن سابقا أن تكون 21%، وقال لومير إنه ووزير المالية الألماني أولاف شولز مستعدان لقبول هذا المعدل.