إلى جانب الإسمنت "الأخضر".. كيف تسعى شركات البناء المصرية لخفض استخدام المواد الملوثة؟
إلى جانب الإسمنت "الأخضر".. كيف تسعى شركات البناء المصرية لخفض استخدام المواد الملوثة؟ يعد قطاع البناء مسؤولا عن 23% على الأقل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في مصر. في الجزء الأول من هذا الموضوع، تناولنا كيفية مساهمة مواد البناء بما في ذلك الأسمنت والخرسانة والصلب والزجاج والطوب الأحمر والطلاء والمذيبات في الانبعاثات. وفي الجزء الثاني، حاورنا كبار اللاعبين في صناعة الأسمنت حول مواجهة تلوث الهواء من خلال توفير الأسمنت "الأخضر" ، والذي يمكن أن يخفض انبعاثات الصناعة بنسبة 20-60%. اليوم، نتناول ما الذي تفعله شركات البناء أيضا لخفض انبعاثات المواد.
بدأ البعض في مواكبة العمليات مع المعايير العالمية. تسعى الشركات التي تهدف إلى تحقيق المزيد من الاستدامة البيئية إلى الحصول على شهادات مستقلة ومعتمدة دوليا للمباني الخضراء، باستخدام برامج مثل شهادة الريادة في تصميمات الطاقة والبيئة (ليد)، أو شهادة المباني الخضراء (إيدج)، وتحديد الأثر البيئي لمنتجاتها.
ولكن ذلك نقطة في بحر: وبينما نما الطلب العالمي على الشهادات المستقلة للالتزام بالمعايير البيئية في السنوات الأخيرة، لا يزال الاهتمام بها محدودا للغاية في مصر، وبالكاد له أي تأثير حقيقي ملموس على الأرض.
مواد البناء الحاصلة على شهادة LEED باتت تستخدم في المشروعات الكبرى خلال السنوات الماضية: من بين المواد المعتمدة من LEED والتي تكتسب زخما في مصر هي الخرسانة الخلوية المعقمة، وهو منتج خرساني خفيف الوزن يستخدم عادة في أعمال البناء الحاصلة على شهادة LEED (بي دي إف). وينتج عن كل كتلة للخرسانة الخلوية المعقمة 1.5 كجم من ثاني أكسيد الكربون لكل قدم مربع من المساحة المبنية، مقارنة بـ 12 كجم تنبعث من الطوب الأحمر. وتشمل المشاريع المبنية بتلك الخرسانة في مصر فندق فور سيزونز نايل بلازا، ومدرسة كايرو أمريكان كولدج، ومصنع "مارس".
وتزداد أهمية ذلك، لأن الطوب الأحمر يستخدم على نطاق واسع ويستهلك الكثير من الطاقة: 87.5% من جدران المباني في مصر من الطوب الأحمر، وفقا لدراسة مشتركة (بي دي إف) أجرتها الجامعة البريطانية في مصر وعدد من الجامعات الاسكندنافية. ويمكن أن يؤدي التحول إلى الطوب الطيني المجفف بالشمس (الأبيض) إلى القضاء على 80% من انبعاثات الهواء الضارة من إنتاج الطوب، مع خفض 5.9 ألف كجم من مكافئ ثاني أكسيد الكربون من الانبعاثات لكل ألف طوبة يجري إنتاجها، حسب الدراسة.
ولكن الاستراتيجية الأفضل لشركات الإنشاءات هي الحصول على شهادة معتمدة من جانب منظمة مستقلة مثل المجلس المصري للأبنية الخضراء: بصفته عضوا ناشئا في المجلس العالمي للأبنية الخضراء، يعد المجلس المصري عضوا في شبكة تضم أكثر من 70 مؤسسة غير ربحية مستقلة في جميع أنحاء العالم، تتكون من منظمات تعمل في مجال البناء، وبدأ المجلس في تطبيق التصنيفات الدولية على مواد البناء في مصر منذ ما يقرب من عامين، حسبما قالت هدى أنور عضوة المجلس لإنتربرايز. وكانت البداية بتطبيق معايير "شهادة الريادة في تصميمات الطاقة والبيئة (ليد)"، إلى جانب إفصاحات المنتج البيئي، وهي مستندات مسجلة وموثقة تحدد الأثر البيئي من خلال تقييم انبعاثات الكربون للمنتج، وكذلك تطبيق شهادة إيدج، وإمكانية استنفاد طبقة الأوزون، وغيرها من التأثيرات البيئية. وبدأت مؤخرا في إجراء اختبارات المركبات العضوية المتطايرة (فوك)، والتنظيم الكيميائي (ريتش) على المنتجات، بما في ذلك الدهانات والمواد اللاصقة. كما أنشأ المجلس نظام التصنيف الخاص به (ترشيد)، لتكييف الأنظمة الدولية مع السياق المصري.
وتعتبر التصنيفات المعترف بها دوليا بمثابة عامل جذب للشركات التي تسعى للاعتراف بالتزامها نحو البيئة: زاد الطلب على تلك التصنيفات بشكل واضح خلال العامين الماضين، حسبما تقول أنور. وبدأت الشركات في مصر – وخاصة الشركات الدولية – التي لديها استراتيجيات استدامة ملزمة بالامتثال لها، ترى قيمة شهادة المباني الخضراء، والتي تريدها الشركات كختم موافقة، بحسب أنور.
هل هذا يعني أن هناك حركة كبيرة من قبل شركات البناء التقليدية لاستخدام مواد صديقة للبيئة؟ ليس بعد، وفقا لأنور التي قالت إن عدد المصانع التي تعمل على تخفيض أثرها الكربوني في مصر حاليا لا يزال منخفض نسبيا. وحاليا، يبلغ عدد شركات الإنشاءات والهندسة التي تستخدم التصنيفات المعترف بها دوليا نحو 15 شركة، وتشمل شركة اتحاد المقاولين العالمية، وأوراسكوم كونستراكشون، وحسن علام، وفقا لأنور. وأضافت أن ماستر بيلدرز وسيكا وكناوف وسان جوبان وجوتن قد بذلوا جهودا كبيرة بالتركيز على إفصاحات المنتجات البيئية والصحية، إلى جانب اختبارات فوك.
تكلفة مواد البناء لا تزال تتجاوز الحاجة إلى مراقبة التأثيرات المناخية: "السوق المصرية، إلى حد كبير، ليست على دراية بعد بالحاجة إلى تلك المنتجات، وفق ما ذكره إبرام نادي مدير المكتب الفني في شركة جرين بيلد إيجبت لكيماويات البناء. وأضاف نادي "لا تزال القوة الدافعة الأساسية لها هي السعر، لذا كلما كان المنتج أرخص، زادت حصته في السوق، بغض النظر عن تأثيره على البيئة". وبحسب تقديرات نادي، فإن المنتجات الصديقة للبيئة قد تكون أغلى بنحو 30% مقارنة بالمنتجات التقليدية.
الزيادة ليست من فراغ: الحصول على شهادة "ليد" الذهبية قد ترفع من ميزانية البناء الأصلية بنحو 1% إلى 4%، حسبما ذكر ممثلون لمجموعة درة للإنشاءات لإنتربرايز. وأما شهادة ليد البلاتينية فترفع التكلفة لأكثر من ذلك. لكنهم يضيفون أن التوفير طويل الأجل في أداء الطاقة وتقليل الأثر الكربوني والتأثير الاجتماعي يفوق بشدة هذه التكلفة الإضافية الطفيفة في البناء.
وزارة البيئة تشارك في العمل: قالت وزيرة البيئة ياسمين فؤاد إن الوزارة تهدف إلى إصدار إفصاح المنتج البيئي لجميع المصانع في مصر في غضون ثلاث سنوات، وذلك في ندوة عبر الإنترنت عقدتها إي بي دي مصر في مارس الماضي، بحسب أنور. وسنراقب عن كثب تطورات هذا الأمر.
الأسبوع المقبل: ننظر إلى الشركات الناشئة والمنظمات غير الحكومية التي تقدم بدائل لمواد البناء التقليدية.
فيما يلي أهم الأخبار المرتبطة بالحفاظ على المناخ لهذا الأسبوع:
- السندات الخضراء: لم يستبعد وزير المالية محمد معيط إحتمالية طرح إصدار ثاني من السندات الخضراء السيادية الحكومية في العام المالي 2022/2021، إذ قال إن الأمر لم يحسم بعد.
- التمويل الأخضر: يعتزم البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية تقديم تمويل بقيمة 50 مليون دولار لبنك قطر الأهلي الوطني لصالح مشروعات الطاقة الخضراء والمتجددة.
- ترشيد استهلاك المياه في زراعة الأرز: نجحت مصر في زراعة 15 فدانا من الأرز الجاف للمرة الأولى في محافظة الوادي الجديد في محاولة لترشيد استهلاك المياه في زراعة الأرز.
- مشروعات الهيدروجين الأخضر: من المتوقع تقديم دراسات لواحدة من محطات إنتاج الهيدروجين الأخضر المخطط لها لصندوق مصر السيادي وجهات حكومية أخرى في وقت مبكر من الأسبوع المقبل.
- طاقة متجددة: تمثل مصادر الطاقة المتجددة 10% من استثمارات الشركات الفرنسية في مصر التي تبلغ قيمتها 5 مليارات يورو، بحسب تصريحات السفير الفرنسي بالقاهرة ستيفان روماتيه لإنتربرايز، آملا أن تزيد النسبة إلى 20% خلال خمسة أعوام.