المفوضية الأوروبية: نمو ما بعد الجائحة في مصر يحتاج إلى مشاركة أكبر من القطاع الخاص
مصر بحاجة إلى إشراك القطاع الخاص غير النفطي في خطة التعافي المستدام من تداعيات جائحة "كوفيد-19"، وفقا لتقرير اقتصادي أصدرته المفوضية الأوروبية. وأشار التقرير إلى أن إزالة الحواجز غير الجمركية ومنح الفرص المتكافئة بين الشركات العامة والخاصة من شأنه أن يزيد إمكانات القطاع الخاص لخلق فرص العمل وتحقيق المزيد من النمو. ويرى التقرير أن "زيادة النمو السكاني وسط معدلات مشاركة منخفضة يتطلب مضاعفة الجهود لجعل مسار النمو في مصر بعد جائحة كوفيد-19 أكثر شمولا واستدامة، مع وجود القطاع الخاص غير النفطي في القلب من ذلك".
جائحة "كوفيد-19" تعرقل خطط الإصلاح الهيكلي: وبينما وضع برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أطلقته مصر عام 2016 بدعم من صندوق النقد الدولي البلاد في وضع مالي قوي في الوقت الذي تسببت فيه الجائحة في تأثيرات كبيرة على الاقتصاد العالمي، كان على الحكومة تحويل تركيزها إلى تحقيق الاستقرار، بدلا من بناء اقتصاد أكثر استدامة وشمولية، حسبما يقول التقرير. وأضاف أن مع استمرار اعتماد مصر بشكل كبير على قطاعي السياحة والنفط والغاز، أدى حظر السفر الدولي وتراجع أسعار النفط إلى ضغط على الحساب الجاري لمصر. ونظرا لأن تركيز الحكومة موجه نحو تحقيق الاستقرار الكلي، تزداد الحاجة إلى مضاعفة الجهود لتوسيع وتعميق أجندة الإصلاح الهيكلي لبرنامج صندوق النقد الدولي المتجدد لتحقيق نمو أكثر استدامة وشمولية.
كان أداء مصر خلال فترة تفشي الجائحة أفضل مقارنة بنظيراتها: سمح التضخم المعتدل بخفض أسعار الفائدة، كما وصل احتياطي النقد الأجنبي للبلاد إلى 40.3 مليار دولار بنهاية أبريل الماضي، وهو ما جاء في جزء كبير منه بدعم من إصدار الحكومة للسندات الدولية وللسندات الخضراء العام الماضي، كما ظلت أسعار الصرف مستقرة إلى حد ما منذ مطلع عام 2020. وأشار التقرير إلى أن العجز المالي شهد أيضا استقرارا وسط حالة عدم يقين متزايدة. وفي حين أن حزمة التحفيز الأولية التي جرى إطلاقها لم تمثل سوى 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي – أي أقل نسبيا مقارنة بالبلدان الأخرى – إلا أن الاستجابة الفورية فيما يتعلق بالسياسة النقدية ساعدت الاقتصاد على تحمل أسوأ التداعيات والحفاظ على نمو إيجابي.
الأمر المقلق هو أن القطاع الخاص غير النفطي كان الأكثر معاناة، بحسب التقرير. وحتى قبل أزمة "كوفيد-19"، ظل مؤشر مديري المشتريات الخاص بمصر دون الحد الأدنى المحايد عند 50 نقطة، على عكس الأداء العام للاقتصاد. وجاءت قراءة شهر أبريل عند 47.7 نقطة، ليسجل القطاع الخاص غير النفطي انكماشا للشهر الخامس على التوالي. وقد انخفضت حصة الشركات الخاصة في إجمالي القروض المحلية إلى النصف تقريبا بين عامي 2010 و2020، وكان قطاعا الصناعة والخدمات الأكثر معاناة. ويرجع هذا إلى أنه في أوقات عدم اليقين، تجد البنوك أنه من الأكثر أمانا أن تقرض شركات القطاع العام. وأشار التقرير إلى أنه "في حين أن المشاركة القوية للقطاع العام يمكن أن تحد من التقلبات خلال أوقات الأزمات، إلا أنها يمكن أيضا أن تحد من المساحة المتاحة لنشاط القطاع الخاص".
لكن إمكانات التشغيل بالقطاع الخاص ضرورية لمواجهة تحديات النمو السكاني المزمنة في مصر. سجل معدل البطالة في مصر 7.2%، بحسب أحدث البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، لكنها لا توضح توزيع المساهمة في قوة العمل من حيث القطاع الخاص بالمقارنة بالقطاع العام. ويمكن الاستنتاج من التقرير أن معدل فقدان الوظائف خلال أزمة "كوفيد-19" كانت أكبر، وما قد يؤدي إلى تشوه ديناميكيات القوى العاملة بشكل أكبر، ويخلق تفاوت حاد في سوق العمل في المستقبل. علاوة على ذلك، ارتفعت معدلات التوظيف في القطاعات ذات القيمة المضافة والإنتاجية المنخفضة. وأضاف التقرير أن المزيد من الديناميكية في التوظيف بالقطاع الخاص والمواءمة الأفضل بين نظام التعليم واحتياجات سوق العمل، ستكون أمرا لا غنى عنه لمواجهة التحدي المتمثل في استيعاب الأعداد الضخمة من الوافدين الجدد إلى سوق العمل كل عام".
إذا، ما الذي نحتاجه لضمان الاستدامة والشمول في الفترة المقبلة؟ أولا، الاستفادة من اضطرابات سلاسل التوريد العالمية التي حدثت خلال الجائحة. وبالنظر إلى الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي تحظى به، يمكن لمصر أن تضع نفسها كشريك جاذب للشركات العالمية الساعية إلى تقوية شبكاتها في المنطقة، خاصة في قطاعات الصناعة والكيماويات والمنسوجات. وثانيا، إزالة الحواجز التجارية مثل حظر الاستيراد، ومتطلبات التسجيل، من أجل تحسين قدرات مصر التنافسية. ويشمل ذلك أيضا أتمتة الإجراءات الجمركية التي بدأتها الحكومة بالفعل من خلال منظومة النافذة الواحدة (نافذة) التابعة لمصلحة الجمارك، ونظام التسجيل المسبق لمعلومات الشحن، وتبسيط الخدمات الجمركية. وثالثا، تمهيد الأرض لتعزيز المنافسة، وهو ما يحدث بالفعل من خلال إصلاح قانونية لتشريعات حماية المنافسة.
وأخيرا: التحول الرقمي للاقتصاد المصري، وبسرعة. سيزيد ذلك من الشفافية، والكفاءة، والسلامة الاجتماعية، وخدمات الرعاية الصحية. وقد اتخذت الحكومة عددا من الإجراءات مؤخرا لتحقيق هذا الهدف، بما في ذلك إعفاء البنوك الرقمية والمتخصصة في تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة من شرط الحد الأدنى لرأس المال البالغ 5 مليارات جنيه، وتطوير البنية التحتية لشبكة الاتصالات.