الاقتصاد الأخضر يكتسب زخما.. لكن له تكلفة
التحول نحو الاقتصاد الأخضر يكتسب زخما، إذ يستمر السياسيون اليساريون في الدول المتقدمة في الدعوة إلى الحد من آثار تغير المناخ، وتجنب مصادر الطاقة غير المتجددة. ورغم أن "الصفقة الخضراء الجديدة"، التي اكتسبت اسمها من سلسلة مشروعات وسياسات تقدمية أصدرها فرانكلين روزفلت بين 1933 و1939، تبدو مبشرة، فإن الإصلاحات واسعة النطاق لا بد أن تأخذ في الاعتبار شيئا واحدا دائما، وهو الناس، بحسب ما كتبه ليكي أوسو ألابي في صحيفة فايننشال تايمز.
عادة ما يؤدي الابتعاد عن الوقود الأحفوري إلى زعزعة صناعات بأكملها توظف لديها ملايين أو مليارات الناس، لذا الطريق للمستقبل الأخضر ليس ممهدا. لدينا مثالين هنا، إذ أنه خلال فترة ثمانينات القرن الماضي في إنجلترا، أغلقت رئيسة الوزراء آنذاك مارجريت ثاتشر صناعة تعدين الفحم، تاركة مجتمعا كاملا في حالة من الفوضى. أما الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فقد تعهد بإحياء صناعة الفحم التي ظلت تعاني لسنوات، كواحدة من أبرز النقاط المحورية في برنامجه الرئاسي، مستفيدا من قاعدة كبيرة من الناخبين. لكنه لم يف بتعهداته، ما أثار حالة من السخط لدى عمال مناجم الفحم.
ماذا عن مصر؟ على عكس بقية العالم، تعتمد مصر بصورة كبيرة على الوقود الأحفوري القائم على الهيدروكربون، إذ مثلت الطاقة المتجددة 3.4% فقط من مصادر الطاقة للبلاد في عام 2019. وتعمل الحكومة على التخلص التدريجي من مساهمة الوقود الأحفوري في مزيج الطاقة، ووضعت الحكومة خطة طموحة لرفع نسبة الطاقة المتجددة من إجمالي الطاقة المولدة في البلاد إلى 42% بحلول عام 2035. وتخطط أيضا لإضافة 2.4 جيجاوات من مشروعات الطاقة المتجددة بحلول عام 2022 بتكلفة 1.5 مليار دولار، كما سيجري تمويل العديد من المشروعات الجديدة من خلال إصدار سندات خضراء سيادية بقيمة 750 مليون دولار الذي نفذته مصر في سبتمبر 2020 لتصبح أول دولة في المنطقة تبيع سندات دين تتعلق بالمناخ.
هل يمكننا التحول للاقتصاد الأخضر دون اضطرابات؟ المزيد من الطاقة الخضراء من شأنه أن يعزز من آمال العالم للحد من الانبعاثات، لكنه قد يعني أيضا أن يكون هناك عمالة زائدة عن الحاجة، وأن يحتاج آلاف العمال إلى إعادة تدريبهم، بحسب ألابي. فيما قال وزير المالية اليوناني السابق يانيس فاروفاكيس، السياسي الداعم للتحول للاقتصاد الأخضر، إنه لا يوجد سبيل للحد من جميع الخسائر والتكاليف الاقتصادية والاجتماعية للتحول للطاقة الخضراء.
الدخل الأساسي الشامل كحل: الصفقة الخضراء الجديدة في أوروبا هي برنامج واسع النطاق يتضمن إنفاقا هائلا يمكن أن يكلف الاقتصاد نحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي سنويا، بحسب فاروفاكيس. ويمكن تمويل البرنامج من خلال سندات خضراء يصدرها بنك استثماري حكومي وقد يشتمل البرنامج على دخل أساسي شامل للعمال الذين فقدوا وظائفهم.
البنوك المركزية يمكن أن تلعب دورا حيويا أيضا، فهي تمثل خط الدفاع الأول ضد المخاطر التي يشكلها التدهور البيئي على استقرار الوضع المالي العالمي. لكن حتى الآن، يخشى صناع السياسات النقدية المجازفة. ومن خلال شبكة تخضير النظام المالي، حددت أبرز البنوك المركزية العالمية تسعة طرق محددة يستطيع من خلالها صناع القرار تخضير السياسات النقدية، لكنها ليست إلا مجموعة أدوات من الإجراءات المقترحة، من بينها برامج شراء الأصول الخضراء، وخطط الإقراض الأكثر مراعاة للبيئة، ومجموعة من الممارسات الأساسية لإدارة المخاطر التي ينبغي إتباعها في كل الأحوال. لكن صناع التغيير الحقيقي، البنوك المركزية التي تعمل بصورة مباشرة في المساهمة في إزالة الكربون، يحتاجون إلى دعم سياسي أوسع، والذي لا يزال في مرحلة الإعداد، بحسب فايننشال تايمز.
النرويج تقدم نموذجا جيدا على ذلك، إذ يُتاح للمؤسسات المالية المحلية إمكانية الوصول إلى أداة باكتا لقياس مخاطر المناخ في المحافظ الاستثمارية بناء على اتفاقية باريس، مجانا وبدعم من الحكومة، بحسب بلومبرج.