ما أهمية تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للأعمال وكيف يمكن بناء التنافسية المطلوبة؟ يتوقع تقرير لمؤسسة برايس ووترهاوس كوبرز، أن يساهم الذكاء الاصطناعي بنحو 16 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030. وستتمكن الشركات المستخدمة لتلك التكنولوجيا من زيادة مبيعاتها ومحاربة الغش وتوفير النفقات إضافة لعمل دراسات سوق يمكن استخدامها وأمور أخرى. وفي الماضي كانت الشركات الكبرى هي الوحيدة القادرة على الاستثمار في ذلك المجال، ولكن الوضع يتغير الآن بوتيرة أسرع، وأصبحت شركات صغيرة تستخدم الذكاء الاصطناعي، مع تراجع تكلفة القدرة الحاسوبية.
وتزداد الحاجة لتدريس تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.. فكيف يتحقق ذلك؟ يتضمن تدريس أنظمة الذكاء الاصطناعي الاستعانة بأشخاص لديهم خلفية تعليمية لتسريع الأبحاث في ذلك المجال وفروعه. واليوم، يعد "تعلم الآلة" أحد أهم فروع الذكاء الاصطناعي. ويعني "تعلم الآلة" استخدام الكمبيوتر لمعالجة كميات ضخمة من البيانات واستخدامها بشكل مماثل للعقل البشري. وهذه المجموعات الضخمة من البيانات هي ما يسمى بـ "البيانات الضخمة"، وهي بمثابة المرجع للأجهزة المستخدمة للذكاء الاصطناعي. لذلك تقترن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي دائما بالبيانات الضخمة.
وتعمل مصر على اللحاق بالركب العالمي، خاصة من خلال جامعاتها الحكومية التي تتفوق في مجال الذكاء الاصطناعي على نظيراتها من الجامعات الخاصة، وتقوم بافتتاح أقسام متخصصة في المجال. ويقول أكاديميون تحدثت إليهم إنتربرايز إن هذه الأقسام ستوفر التخصص في تعليم الذكاء الاصطناعي، ولكن لا يبدو أن الشركات الناشئة والكبيرة على السواء لديهم نفس القدر من الاهتمام. فحتى إذا انتشر تدريس الذكاء الاصطناعي في مصر، لا زالت البلاد تعاني من مشكلة مزمنة تتمثل في نقص مهندسي ومبرمجي الكمبيوتر. كما لن يفيد تدريس الذكاء الاصطناعي في الجامعات إذا يعد تكرارا في ظل إمكانية الاستفادة من التعلم الإلكتروني.
وحازت الحاجة لإدخال الذكاء الاصطناعي ضمن الدراسة الجامعية على دعم الحكومة، وهو ما عبر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي في المنتدى العالمي الأخير للشباب، معلنا أنه سيجري إنشاء جامعات جديدة أو أقسام مختصة بـ "العلوم الحديثة". وسيتم تدشين تلك الأقسام من خلال برامج التوأمة مع الجامعات الأجنبية. وفتحت أولى كليات الذكاء الاصطناعي أبوابها في العام الدراسي الحالي بجامعة كفر الشيخ، ومن المقرر أن تتبعها جامعة المنوفية. ولدى المحافظتين تعداد سكاني كبير، وقامت جامعة كفر الشيخ بتخريج 8.4 ألف طالب في 2018، فيما خرجت جامعة المنوفية 13.6 ألف في نفس العام، طبقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ويجري تدريس الذكاء الاصطناعي كبرنامج في بعض الجامعات الحكومية الأخرى من ضمنها القاهرة وعين شمس والإسكندرية، ولكنها لا تمنح شهادة دراسية مختصة. كما تعد مادة دراسية في جامعات أخرى من بينها حلوان والمنصورة والزقازيق.
وتمنح الحكومة حوافز مادية خاصة للتعلم من خلال الدورات. ويشير الاستشاري التكنولوجي هشام الشيشيني، الذي يرأس لجنة التعاون الأكاديمي في مجال تكنولوجيا المعلومات الخاصة بوزارة الاتصالات، إلى مبادرة قادة التكنولوجيا القادمون التي تدعمها هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، التابعة للوزارة. وتقوم المبادرة بتوفير تعويض مالي للطلاب المشاركين في دورات التعليم المفتوح الكبرى عن بعد. ويدير المبادرة مركز الإبداع التكنولوجي وريادة الأعمال التابع لهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، ويقوم بالمتابعة اللحظية للدارسين (الصورة في الأسفل). ولدى المبادرة حاليا حوالي 1400 دارس نشط و4200 خريج من محافظات مختلفة تمتد من أسوان إلى مرسى مطروح. ويمكن للدارسين الاختيار بين 42 برنامجا أو "شهادة مصغرة" تتراوح ما بين تطوير التطبيقات وتعلم الآلات. وتمنح تلك الدورات أفضل منصات التعلم وهي كورسيرا ويوداسيتي وإدإكس.
ويأتي ذلك ضمن خطة أوسع لتدريس الذكاء الاصطناعي، إذ وضعت وزارتا التعليم العالي والاتصالات الخطوط العريضة للاستراتيجية القومية للذكاء الاصطناعي في سبتمبر الماضي، والتي يشكل التعليم أحد أبرز أعمدتها. وأصدر مجلس الوزراء قرارا في وقت لاحق بتشكيل مجلس لتطبيق الاستراتيجية. وعلى نطاق أوسع، شاركت مصر في محادثات خلال ديسمبر الماضي لوضع استراتيجية عربية للذكاء الاصطناعي.
ومع تولي القطاع العام زمام المبادرة، ما هو موقف الجامعات الخاصة؟ بدأت الجامعة الأمريكية في القاهرة مؤخرا في تدريس علوم البيانات كشهادة متخصصة، وانفردت إنتربرايز بنشر الخبر في أبريل الماضي. وإلى جانب علوم البيانات، التي تتناول أيضا تعلم الآلة، تدرس كلية تكنولوجيا المعلومات بالجامعة الأمريكية في القاهرة مبادئ الذكاء الاصطناعي، ولكنها لم تنشئ بعد وحدة متخصصة بتلك التكنولوجيا.
وحققت الجامعة البريطانية في مصر والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا وجامعة زويل أيضا خطوات في المجال. وتمنح الجامعة البريطانية الطلبة بكلية علوم الحاسبات ونظم المعلومات فرصة التخصص في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول العام الدراسي الثالث. ويقول عميد الكلية، عمر كرم، لإنتربرايز إن حوالي 140 طالبا في السنة الثالثة سيكون لديهم فرصة التخصص في الذكاء الاصطناعي قبل التخرج عام 2021. وفي الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا شارك الأستاذ المساعد في قسم الإلكترونيات والاتصالات، حسن الديب، في تأسيس مركز إنتليجنت سيستمز لابز عام 2018. ويقول الديب إن المركز يهتم بالأبحاث في فرع لتعلم الآلة يسمى "التعلم العميق"، ولكنه أيضا ينظم ورش عمل عادية وندوات لتقديم الذكاء الاصطناعي للمهتمين. وتمنح جامعة زويل للعلوم والتكنولوجيا، التي تركز على البحث العلمي، مادة دراسية ضمن شهادة الماجستير تتناول عناصر من كليات نظم المعلومات والرياضيات.
ويطرح هذا سؤالا حول مدى احتياجنا الفعلي لأقسام متخصصة في الذكاء الاصطناعي، في الوقت الذي ألغت فيه شركات عالمية كبرى مثل أبل وجوجل ونتفليكس شرط الحصول على شهادة جامعية للتعيين. ويقول موقع بيزنس إنسايدر إن هذه الشركات تبحث عن موظفين لأداء العمل "سواء من الحاصلين على شهادة جامعية أم لا".
وفي مصر أيضا تمنح الشركات الكبرى تدريبات مدفوعة للطلبة من خلفيات متعددة. ويقول الشيشيني، الذي عمل كبيرا للعلماء في شركة أي بي إم حتى عام 2016، إن الشركات تقوم باختيار موظفيها بناء على أدائهم خلال التدريبات فقط. ويوضح ذلك تحول الاهتمام من الشهادات الجامعية إلى القدرة على أداء الأعمال اليومية، بحسب الشيشيني.
وفي عالم الشركات الناشئة، أصبحت الشهادات الدراسية أيضا غير مهمة. ويقول مسؤولون في شركة إلفز الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، إنهم مؤمنون بنهج رائد الأعمال الشهير، بيتر ثييل، في توظيف الأنسب بغض النظر عن شهادته الدراسية. ويوضح المدير التنفيذي لـ "إلفز"، كريم الصاحي لإنتربرايز، أن التوظيف "يتعلق بالمهارات والذكاء في إجادة تلك المهارات".
ولكن يسعى مهندسونا لفرص في الخارج، إذ يبقى التحدي الكبير أمام هذا المجال هو إيجاد والإبقاء على متخصصين في الذكاء الاصطناعي ممن لا ينوون حزم حقائبهم والسفر بمجرد التخرج، وهو ما يتفق عليه الصاحي والمؤسس المشارك لـ "إلفز"، أحمد قاسم، وشريكهم عبد الرحمن الزهيري. ويسهل على المتخصصين في الذكاء الاصطناعي أن يجدوا وظيفة في أفضل الأسواق العالمية مثل ألمانيا وهولندا بسبب ارتفاع الطلب على مهاراتهم. ويقول الصاحي "إذا قمنا بزيادة المعروض دون حل مشكلة نزيف العقول، فسوف يكون كل ما نفعله هو تمويل ألمانيا".
وما الذي يمكن فعله؟ هذه مهمة يمكن الاشتراك فيها بين الحكومة والقطاع الخاص. وفي ردهم عن سؤال حول ما الذي يمكن فعله للإبقاء على موظفيهم؟ قال مسؤولو "إلفز" إنه يجب فعل "كل شيء ممكن". وأكدوا على ضرورة دفع مرتبات مجزية، حتى بالمقاييس الأوروبية، وتوفير حزمة من المحفزات الأخرى مثل إمكانية العمل عن بعد وإمكانية شراء أسهم في الشركة إضافة لخلق بيئة عمل محببة. وبالنسبة للحكومة، يمكن لمبادرات مثل "قادة التكنولوجيا القادمون" أن تقطع شوطا كبيرا، إذ لا تقوم بتعليم المهارات اللازمة فقط، ولكنها تخلق أيضا قاعدة بيانات لخبراء الذكاء الاصطناعي، التي يمكن للشركات الخاصة الاستعانة بها للبحث عن موظفين وتحديد رواتبهم بحسب إمكانياتهم.