الناس الذين يؤمنون بنظريات المؤامرة يجب أن يكونوا مختلين، أليس كذلك؟ يبدو أنه من المستحيل أن يعترف إنسان عاقل بصحة بعض هذه الافتراضات الغريبة، لكننا جميعا على الأرجح نتأثر بها أكثر مما نعتقد. تكمن جاذبية هذه الفرضيات في تقديمها تفسيرا مجمعا بدقة لأسئلة محزنة أو بدون إجابة أو ملحة بشكل آخر ربما تتجاهلها إلى حد كبير وسائل الإعلام الرئيسية. هناك عدد من الأسباب الأخرى التي تجعل أدمغتنا تتشبث بالحكايات غير المنطقية عن المؤامرة.
فهم الفوضى: نحن نعيش في عالم نتعرض فيه باستمرار لحجم هائل من المعلومات: هواتفنا وأجهزة التليفزيون والراديو لدينا تعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ونهتم بكل جديد على وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بنا. يمكن أن يؤدي هذا الحمل الحسي والمعلوماتي الزائد إلى الشعور بالقلق، لأن دماغنا غير قادر على معالجة جميع المعلومات التي نقدمه له. لذلك يتطلب الأمر أحيانا "اختصارا"، مما يعني أنه بدلا من التفكير في الأشياء بطريقة عقلانية، فإنه يؤمن فقط بما يقال، مما يساعدنا على إشباع رغبتنا في النهاية الواضحة (أي الحاجة إلى إيجاد إجابة بسيطة لسؤال معقد).
"كوفيد-19" زاد من صعوبة الأمر: فكلما زاد الشعور بعدم اليقين، زادت رغبتنا في الشعور بالنظام، مع وجود لحظات من الاضطرابات التاريخية أو التغيير الاجتماعي مما جعل الناس عرضة بشكل خاص لتأثيرات المؤامرة. قالت منظمة الصحة العالمية إننا نعيش حاليا ما تسميه "الوباء المعلوماتي"، وهو طوفان من المعلومات، بعضها خاطئ أو مضلل، مما يعيق اتخاذ الناس للقرارات السليمة.
غرورنا خارج عن السيطرة: عندما نشعر بالخسارة نميل إلى إيجاد عدو مشترك يمكننا إلقاء اللوم عليه في فشلنا، كطريقة لحماية غرورنا. بعبارة أخرى، نحن على استعداد لتصديق الأكاذيب بدلا من الاعتراف بالهزيمة. إنه جزء من حاجتنا إلى الحفاظ على الذات واحترامها، نحاول تضخيم غرورنا مع تجنب الخسارة بأي ثمن. كان هذا واضحا بشكل خاص عندما خسر دونالد ترامب الانتخابات الأمريكية العام الماضي، ما أدى إلى اقتحام بعض الجمهوريين مبنى الكابيتول وإلقاء اللوم على الديمقراطيين لتزوير الانتخابات. ومع ذلك، لم يجد تحقيق أجرته السلطات الفيدرالية أي دليل على تزوير الانتخابات.
غنم في قطيع: عندما نشعر بالارتباك، نفعل ما يفعله الآخرون حتى لو اعتقدنا أنه خطأ. رغم كل شيء، البشر مخلوقات اجتماعية: نريد دائما أن نكون جزءا من شيء أكبر. الدوافع الوجودية للناس، والحاجة إلى الشعور بالأمان في العالم الذي يعيشون فيه، وكذلك دوافعهم الاجتماعية – الحاجة إلى أن يكونوا جزءا من مجموعة – يمكن أن تحفز عقلية القطيع عندما يتعلق الأمر بنظريات المؤامرة.
العناد: عندما نصدق أن شيئا ما صحيح، فمن المستحيل أن نغير آراءنا. تسمي إميلي ثورسون، الأستاذة في جامعة سيراكيوز، هذه الظاهرة: "أصداء الإيمان". لذلك يجب منع المعلومات المضللة وليس معالجتها؛ ما يعني أن إيقاف الأكاذيب من مصدرها أكثر فعالية بكثير من محاولة تغيير آراء أشخاص مقتنعين بالفعل. يدعم العلم ذلك: وجدت دراسة أن تحذير الناس من الأساليب التي يمكن استخدامها لنشر الأكاذيب مكن المشاركين من التعرف عليها بشكل أفضل.
قد يكون التخلص من هذه العادات الحسية أصعب مما نتوقع: حتى عند تقديم أدلة دامغة، يميل الناس إلى التمسك بأفكارهم الأصلية، لأن لا أحد يحب أن يكون مخطئا. الترويج لفكرة أنه من الجيد والعقلاني والطبيعي تغيير أفكارك بمجرد ظهور معلومات جديدة يمكن أن يساعد في إثناء بعض أصحاب نظريات المؤامرة عن معتقداتهم الخاطئة.
تعتمد نظرية المؤامرة التي تصدقها على اهتماماتك: وفقا لاستطلاع YouGov 2021 لـ 22 ألف شخص في 21 دولة، يعتقد واحد من كل خمسة أمريكيين أن أحداث 11 سبتمبر كانت عملية داخلية، بينما يعتقد 57% من سكان جنوب أفريقيا أن اللقاحات لديها آثار جانبية سلبية سرية، ويعتقد 78% من النيجيريين أن مجموعة سرية من الحكام الأقوياء يديرون العالم.
ما رأي المصريين؟ في مصر، سجلنا درجات عالية في استيعاب نظرية المؤامرة في فئات متعددة: يعتقد 42% من المصريين أن الحكومة الأمريكية كانت متورطة في أحداث 11 سبتمبر، بينما يعتقد 43% أن ترامب عمل مع الحكومة الروسية خلال انتخابات عام 2016، ويعتقد 45% أن للقاحات آثار جانبية ضارة سرية، ويعتقد 55% أن العالم يدار من قبل نخب سرية قوية. الخبر السار: يبدو أننا نؤمن بتغير المناخ، إذ قال 23% فقط من المصريين الذين شملهم الاستطلاع إنهم يعتقدون أن تغير المناخ كان خدعة. لا يبدو أيضا أننا مهتمون بالحياة خارج كوكب الأرض، إذ قال 25% فقط ممن شملهم الاستطلاع إنهم يعتقدون أن البشرية أجرت اتصالات سرية مع كائنات فضائية.