أسباب أزمة سوق الذهب في مصر
صناعة الذهب في مصر بين نقص الإمدادات وقلة التدريب: قفزت أسعار الذهب في مصر إلى مستويات قياسية خلال الأيام القليلة الماضية، إذ وصل عيار 21 إلى حاجز 1800 جنيه للجرام لأول مرة على الإطلاق. ازداد الطلب على الذهب في أعقاب تخفيض الجنيه نهاية أكتوبر الماضي، والذي شهد خسارة العملة المحلية قرابة 25% من قيمتها أمام الدولار. وفي المقابل، قرر العديد من تجار الذهب في مصر التوقف عن تسعير المعدن النفيس وسط اضطراب بشأن سعر صرف الدولار، مما أدى إلى تدهور السوق. في هذا العدد نتحدث مع متخصصين في الصناعة حول سبب ما حدث، بالإضافة إلى أهم المشكلات التي واجهها قطاع الذهب في السنوات الأخيرة.
أحد أقدم الحرف المستمرة في مصر… : تضم محافظة القاهرة في الوقت الحالي 5 مصانع كبيرة و1500 ورشة ذهب، وعدد مقارب من الورش في بقية المحافظات مجتمعة. وتوظف هذه الورش والمصانع ما يصل إلى 250 ألف شخص، وفق ما ذكره نادي نجيب، سكرتير عام شعبة الذهب باتحاد الغرف التجارية، لإنتربرايز.
وثمة طفرة في تكنولوجيا التصنيع والتصميم: نجحت المصانع التي جهزت نفسها بآلات سويسرية وإيطالية في السنوات الأخيرة نجحت في تعزيز إنتاج المشغولات الذهبية المحلية، والتي تلقى رواجا كبيرا في المعارض الدولية، وفق نجيب، وهو ما أكده رئيس شعبة الذهب بالغرفة التجارية هاني ميلاد أيضا.
أرقام مبشرة للصادرات الذهبية: بلغت صادرات مصر من المجوهرات والحلي الذهبية في التسعة أشهر الأولى من العام الجاري 1.13 مليار دولار، بارتفاع 34% عن نفس الفترة من عام 2021 التي لم تتجاوز 839 مليون دولار، طبقا لبيانات المجلس التصديري لمواد البناء والحراريات والصناعات المعدنية والتشييد والبناء، والتي تشير إلى أن معظم الصادرات المصرية تتجه إلى كندا والإمارات.
نقص الدولار أصاب هذا المسار بالتباطؤ: يرتبط جزء كبير من النقص الحالي في المعروض بشح الدولار، الذي قلص خيارات تمويل اتفاقيات الشراء الجديدة، وفق ميلاد. أضف إلى ذلك حدوث ارتفاع طفيف في الطلب على الذهب من قبل بعض الذين يتطلعون إلى التحوط ضد انخفاض قيمة الجنيه، وهو ما تسبب في قفزة الأسعار في الأشهر الأخيرة.
تخفيف بعض الضرائب والرسوم المفروضة على صناعة الذهب يمكن أن يساعد في تعزيز الصادرات. تنص تعديلات مقترحة على قانون الثروة المعدنية على إلغاء رسوم تثمين الذهب المصدر للخارج البالغة 0.5%، حسبما صرح وزير التموين علي المصيلحي أمس. فالرسوم المرتفعة كانت تمنع المصانع من توسيع عملياتها، وفق نجيب، الذي يؤكد أن رسوم الدمغة والتصدير وضرائب القيمة المضافة وضعت عبئا غير مبرر على الصناعة. يشدد نجيب على ضرورة إزالة بعض الرسوم من خلال تعديل قانون المعادن (رقم 68 لسنة 1976) بشكل عاجل، مشيرا إلى أن المصانع تعاني لمواكبة الضرائب والرسوم، التي تعيق كذلك قدرتها على تصدير المزيد. ويقدر أن إلغاء الرسوم يمكن أن يوفر ملايين الدولارات للقطاع سنويا.
هل التعديلات في الطريق؟ قال نجيب إن شعبة الذهب بالغرفة التجارية تناقش مع مصلحة الضرائب منذ فترة إدخال طرق محاسبية جديدة تأخذ الظروف الاقتصادية الحالية في الاعتبار. ويأمل أن يساعد تصنيف الذهب الخام كرأسمال وتحديد معدلات إهلاك جديدة في تخفيف بعض الأعباء الضريبية وبالتالي المصاعب التي يواجهها القطاع في الوقت الحالي.
هل تتحول مصر إلى مركز إقليمي للذهب؟ خلقت خطط وزارة التموين لتطوير ما يسمى مدينة الذهب في العاصمة الإدارية الجديدة حالة من التفاؤل بعض المطلعين بأن مصر قد تصبح واحدة من أكبر مصنعي الذهب في المنطقة. ويشمل المشروع تأسيس 400 ورشة جديدة لإنتاج الذهب و150 ورشة تعليمية ومدرسة فنية كبيرة، وهو ما يمكن أن يحول مصر إلى قوة ذهبية إقليمية، حسبما يوضح الرئيس السابق لشعبة الذهب باتحاد الصناعات رفيق عباس لإنتربرايز.
اكتشافات الذهب الأخيرة مفيدة: ساعدت مزايدات التنقيب في السنوات الأخيرة على تحفيز الاستثمار الأجنبي في صناعة التعدين، حسبما يذكر عباس ونجيب. جرى اكتشاف منجم إيقات في الصحراء الشرقية عام 2020، وتشير التقديرات إلى أنه يحتوي على نحو 1.3 مليون أوقية من الذهب. المشروع اجتذب استثمارات بقيمة 300 مليون دولار حتى الآن، ويمكنه جذب مليار دولار على مدى 10 سنوات، طبقا لما ذكرته وزارة البترول آنذاك. وكانت شركة شلاتين للثروة المعدنية المملوكة للدولة أعلنت قبل عدة أشهر أنها تخطط لطرح مزايدة عالمية للتنقيب عن الذهب والمعادن في خمس مناطق على الأقل في الصحراء الشرقية، بالإضافة إلى 8 تراخيص منفصلة منحتها الوزارة في وقت سابق.
نحتاج إلى مزيد من الرقابة التنظيمية: رغم أهمية قطاع الذهب ونموه، فإنه يحتاج إلى بعض التدخل الحكومي لتنظيمه، كما يقول مستشار شعبة الذهب بالغرف التجارية وصفي واصف، لإنتربرايز. وزارة التموين سبق وطالبت بإدراج الذهب في بورصة السلع المصرية الجديدة، كي تتمكن الحكومة من تجنب التلاعب بالسوق والمساعدة في جعله خيارا أكثر ربحية للاستثمار الأجنبي.
هناك نوع من التنظيم: الدمغة والموازين التي تساعد في عملية إنتاج الذهب منظمة بالفعل، لكن أسواق الذهب نفسها ليست كذلك، كما يوضح لإنتربرايز مستشار وزير التموين لشؤون صناعة الذهب ناجي فرج، مشيرا إلى أن مشكلة العرض والطلب هي جوهر المسار الحالي في سوق الذهب.
لكن لدينا مشكلة أكبر: أحد الشواغل الرئيسية لمعظم العاملين في مجال الذهب هو عدم وجود قطاع تعليمي متخصص وتدريب حرفي منتظم، كما تؤكد المصادر التي تحدثنا إليها. مدرسة إيجيبت جولد بالعبور هي الوحيدة التي تدرس فنون التصميم والصك والإنتاج في مصر. وسبق أن ذكر المتحدث باسم المدرسة أحمد بهنس أن المدرسة يديرها حرفيون إيطاليون، ويمكنها استقبال ألفي طالب فقط من إجمالي 12 ألف متقدم كل عام. يقول نجيب: "نحتاج إلى يد الدولة في إطلاق عدد من المؤسسات التعليمية في هذه الصناعة المتطورة".
أبرز أخبار الصناعة الأسبوع الماضي:
- شركة بيكو التركية تضع حجر الأساس لمصنعها الجديد للأجهزة المنزلية بمدينة العاشر من رمضان، باستثمارات تتجاوز 100 مليون دولار. ومن المقرر أن ينتج المصنع 1.5 مليون جهاز سنويا.
- شركات أوروبية تتطلع لإنشاء مصنع لإنتاج الكحول من قصب السكر: قدمت شركات إيطالية وهندية وفرنسية عروضا لإقامة مصنع لإنتاج الكحول الإيثيلي من قصب السكر بقيمة 1.5 مليار جنيه بالشراكة مع شركة السكر والصناعات التكاملية التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية المملوكة للدولة.
- تخطط شركة ستيلانتس مصر لصناعة السيارات لإنتاج 50 ألف سيارة محليا كل عام، بما يتماشى مع خطة الدولة لتعزيز صناعة السيارات محليا.