المستهلكون يبحثون عن بدائل أرخص وسط أزمة الاستيراد
المستهلك يبحث عن البديل، فهل تستغل الصناعة المصرية الفرصة؟ أدت القيود المفروضة على الاستيراد منذ مارس، والتضخم، انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار بأكثر من 24% منذ مارس، إلى تغير في سلوك المستهلكين في مصر، دفعهم إلى البحث عن بدائل أرخص لمنتجات اعتمدوا عليها في السابق، وفق ما أظهره استطلاع للرأي أجرته إنتربرايز. وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي الأسبوع الماضي إن الحكومة ستعمل على حل المشكلات التي تواجه المستثمرين، بما في ذلك أزمة مدخلات الإنتاج ونقصها في الأسواق، خلال شهرين.
الدخل يؤثر على القرار، حسبما يظهر الاستطلاع. قال 78.5% من المشاركين إنهم توقفوا عن شراء عدد من المنتجات المستوردة في الآونة الأخيرة. وأرجع 63% من المشاركين السبب إلى ارتفاع أسعار تلك المنتجات، مقارنة بـ 37% توقفوا عن شراء منتجات مستوردة بسبب عدم توفرها.
وبحسب شرائح الدخل:
- توقف 50% من شريحة الدخل من 30 ألف جنيه شهريا أو أكثر عن شراء عدد من المنتجات المستوردة بسبب ارتفاع سعرها، فيما توقف 50% عن شراء بعضها لعدم توفرها فقط.
- توقف 52% من شريحة الدخل بين 15 و30 ألف جنيه شهريا عن شراء عدد من المنتجات المستوردة بسبب ارتفاع سعرها، فيما توقف 48% عن شراء بعضها لعدم توفرها.
- توقف 87% من شريحة الدخل بين 8 و15 ألف جنيه شهريا عن شراء عدد من المنتجات المستوردة بسبب ارتفاع سعرها، فيما توقف 13% عن شراء بعضها لعدم توفرها.
- توقف 67% من شريحة الدخل الأقل من 8 آلاف جنيه شهريا عن شراء عدد من المنتجات المستوردة بسبب ارتفاع سعرها، فيما توقف 33% عن شراء بعضها لعدم توفرها.
هناك بدائل لكن هل هي جيدة؟ وجد 73% بدائل لبعض المنتجات المستوردة، بينما وجد 4% فقط من المشاركين بدائل محلية لكل منتجاتهم المستوردة، ولم يجد 23% أي بدائل. وقال 65% من المشاركين إن جودة البديل المصري مقابل سعره كانت متوسطة، و25% سيئة، و9% جيدة و1% فقط قالوا إنها كانت ممتازة.
ما هي المنتجات المستوردة التي توقف المستهلكون في مصر عن شرائها؟ مستحضرات التجميل (65%)، ملابس (60%)، ومواد غذائية (56%)، قطع غيار سيارات (30%)، أثاث (25%)، طعام حيوانات أليفة (21%)، أدوية (21%)، أدوات مكتبية ومدرسية (13%)، منتجات العناية بالطفل (13%).
ما هي البدائل التي وجدها المستهلكون؟ يبحث المستهلكون المصريون عن بدائل محلية أو مستوردة لكن يسيرة التكلفة في قطاعات مختلفة ومن بين البدائل المتوفرة التي وجدوها كان عددا من المنتجات المصرية للعناية بالبشرة، ومنتجات غذائية صحية، وعدد من العلامات التجارية المصرية في قطاع الملابس.
وبدائل لم يجدوها: على الجانب الآخر، قال مستهلكون في الاستطلاع إنهم لم يجدوا منتجا مصريا بجودة عالية وسعر مناسب خاصة في الملابس ومنتجات العناية بالبشرة والشعر، كما لم يجد أغلبهم بدائل لقطع غيار السيارات. ويقول كريم (مشرف في إدارة الشراء بشركة أغذية) لإنتربرايز إن كل منتجات صيانة سيارته التي اعتاد عليها، مثل زيت السيارة أو قطع الغيار لم يعد يجدها في السوق. “قطع الغيار التي كنت أشتريها قبل أربعة شهور بـ 400 جنيه ارتفعت الآن إلى 1000 جنيه بسبب عدم توافرها، حتى زيوت السيارات لم أعد أجد الأنواع الجيدة منه وبدائلها المستوردة ليست بالجودة نفسها”.
بعض الشركات تعمل على سد الفجوة: تعمل شركة إيفا للمستحضرات الطبية، إحدى شركات القطاع الخاص، على سبيل المثال على حصر المنتجات المستوردة التي تعاني من نقص حاليا في السوق، وبدأت في صنع بدائل محلية لها، وفقا لما قاله أحد ممثلي الشركة لإنتربرايز.
الأسعار قبل أي شيء: بحث مستهلكون تحدثوا إلى إنتربرايز عن بدائل محلية أو مستوردة منخفضة التكلفة للأدوات المكتبية مع ارتفاع أسعارها قبل بدء العام الدراسي. “أركز على السعر قبل أي شيء وأختار المنتج الذي يتوافق مع ميزانيتي، خاصة مع ارتفاع الأسعار”، وفق ما قالته شيماء (صحفية). ولجأت شيماء إلى علامات تجارية محلية أقل تكلفة أيضا للمناديل الورقية ومواد التنظيف المنزلية. وفي منتجات التجميل والعناية بالجسم وجدت شيماء ضالتها في منتجات مصرية تراوحت جودتها بين الجيدة والمتوسطة. ومع ارتفاع أسعار حفاضات الأطفال المستوردة، استخدمت شيماء لطفلتها أنواعا أخرى أرخص محلية ومستوردة، لكن المحلي منها “لا يعادل المستورد في جودته” بحسب ما أضافته في حديثها. وعلى فيسبوك، تبادل المستخدمون مقترحات حول البدائل زهيدة التكلفة للمنتجات المستوردة أو المصرية مرتفعة التكلفة مثل مجموعة “الغالي ليه بديل” وغيرها. وقال مستهلكون لإنتربرايز إنهم تخلوا عن منتجات الشوكولاتة القابلة للدهن المستوردة واتجهوا لمنتج آخر محلي لأن “طعمه ألذ من المستورد”. وعاد آخرون لمنتجات مكرونة محلية بسبب عدم توفر المستورد.
البعض يضحي بالجودة بسبب بالأسعار: تخلت فاطمة (مديرة قطاع الشحن بشركة للخدمات البترولية) عن معظم المنتجات المستوردة، والتي ارتفعت أسعارها بما يقرب من الضعف مؤخرا، حسب قولها. وأضافت “هذه المنتجات المصرية أرخص ثمنا وأفضل في العروض الشرائية. لكنها ليست بالجودة نفسها، لو قارنت بين المنتج المستورد والمحلي فجودة المحلي 5 من عشرة”. وحتى وإن لم تجد ما تبحث عنه في المنتجات المصرية، تحاول فاطمة العثور على منتج مستورد متوفر وأقل تكلفة.
والبعض يصنع البدائل: تقول سارة (مترجمة) إن طعام القطط الجاف الذي كانت تشتريه ارتفع من 180 جنيها إلى 700 جنيه. “بت أعد لهم الطعام منزليا أو أتعامل مع أماكن تعد طعاما منزليا للحيوانات الأليفة وتوقفت تماما عن الطعام الجاف”، موضحة أنها لن تلجأ أبدا إلى البدائل المصرية بسبب مخاوف أثيرت حولها.
المخاوف بشأن الجودة هي أحد العوائق أمام المنتج المصري: تقول فاطمة “لا مشكلة لدي في استبدال المنتجات مثل مستحضرات التجميل أو حتى أدوية الاكتئاب أو المكملات الغذائية بنظيرتها المصرية. لكن الأدوية الأساسية مثل أدوية السكر والضغط أشعر بالقلق لو استبدلتها بأخرى مصرية. وحتى عندما يصف الطبيب دواء مصريا جيدا عادة لا أجده. الأدوية المستوردة مثل أدوية السكر والضغط وهشاشة العظام التي كنت أشتريها أمي لم أعد أجدها في الصيدليات الآن، حتى حزام الظهر ارتفع سعره ولم يعد موجودا”.
النقص موجود في جميع القطاعات نتيجة لأزمة مؤقتة لا نعلم متى يمكن أن تنتهي، وفق ما قاله محمد البهي عضو مجلس اتحاد الصناعات ومستشار غرفة الأدوية ومستحضرات التجميل والمستلزمات الطبية. “الأدوية المصرية تعادل تقريبا أي دواء آخر مستورد، لكن “المستهلك المصري يعتقد أن كلما كانت السلعة مستوردة أو سعرها مرتفع أنها أكثر كفاءة”. وقال البهي إن كل دواء له من 10 إلى 12 مثيلا في المادة الفعالة، ولهذا قد لا يجد المريض أحيانا الدواء الذي يبحث عنه باسمه التجاري. والدواء من بين السلع المستثناة من قواعد الاستيراد التي فرضها المركزي.
المكونات المستوردة تدخل في غالبية الصناعات المصرية: قواعد الاستيراد أثرت على الصناعة أكثر من الاستيراد ولم ينج أحد من الأزمة، إذ أن البنوك لا توفر التمويل اللازم لاستيراد المنتجات تامة الصنع أو مستلزمات الإنتاج التي تعتمد عليها الشركات المصرية في الصناعة. “الكل تأثر، التاجر والصانع الاثنان في بوتقة واحدة”، بحسب ما أضافه البهي. “لا يوجد دولة قادرة على إنتاج كل شيء، العالم بأسره يعتمد على بعضه البعض في مدخلات الإنتاج”، وفق ما قاله البهي. وأضاف البهي “الخامات الدوائية صناعة مكلفة جدا، إذا رغبت في إنتاجها للاستخدام المحلي ستكون تكلفتها أعلى من شرائها من الخارج. جميع الشركات تعتمد على شراء الخامات الفعالة من الخارج لهذا السبب”.
ويتفق عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الأثاث محمود أبو شوشة مع البهي، مؤكدا أن الصناعة تعاني الآن بسبب نقص مستلزمات الإنتاج. “أغلب الأثاث يعتمد على مواد خام ومستلزمات إنتاج مستوردة، ونحن لسنا بلدا منتجا للأخشاب، الطبيعية أو المصنعة، إضافة إلى نقص أكسسورات الأثاث المستوردة أيضا. ونعتقد أنه بحلول منتصف أكتوبر أغلب المصانع العاملة في قطاع الأثاث ستتوقف عن الإنتاج تماما”، وفق ما أضافه أبو شوشة. وأوضح أن سوق الأثاث كانت منتعشة العام الماضي وتوجه مستوردو الأثاث إلى إبرام شراكات لإنشاء مصانع لإنتاج الأثاث محليا، لكن تعطل استيراد المواد الخام اللازمة عطل العملية. “تراجعت القوة الشرائية والطلب على الأثاث بنحو 60% منذ أبريل الماضية ويعود ذلك لشقين، عدم وجود مواد خام للإنتاج، ولا يوجد سيولة نقدية لدى المستهلكين”، وفق أبو شوشة.
“والبدائل المصرية مرتفعة التكلفة أيضا”، وفق ما يقوله متى بشاي، رئيس لجنة التجارة الداخلية بالشعبة العامة للمستوردين لإنتربرايز، مضيفا أن النقص طال جميع المنتجات تامة الصنع التي يجري استيرادها من الخارج مثل الملابس والأدوات الصحية والأدوات المكتبية. حتى المنتجات المصرية تعتمد بصورة ما على مواد خام أو مستلزمات مستوردة، ولا غنى عن الاستيراد، وفق بشاي. “البدائل المصرية مرتفعة التكلفة أيضا، ولو ازداد الطلب على البديل المصري ولم يكن هناك غيره ستقفز أسعاره”، وفق بشاي، مضيفا أن المنتجات
المستوردة تحافظ على المنافسة في السوق.
“لا يمكن أن ننتقل من مستوردين إلى مصنعين بين ليلة وضحاها، هذه مهمة صعبة جدا وتستلزم وقتا”، بحسب بشاي، والذي يرى أن “المستهلك يفضل المنتج المستورد بسبب الثقافة”.