التأثيرات المناخية على محاصيل هذا العام: مكاسب قريبة وتهديدات بعيدة
كيف أثر تغير المناخ على المحاصيل هذا العام؟ تبدو الآثار الكلية لتغير المناخ سلبية للغاية على القطاع الزراعي ككل، مع توقع انخفاض الإنتاجية الزراعية العالمية بنحو 15% على مستوى العالم بحلول عام 2050 نتيجة لارتفاع درجات الحرارة والطقس غير المستقر، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو). ومع ذلك، يتباين تأثير التغيرات المناخية بحسب المحصول، ولن يكون تدهور الإنتاجية الزراعية في خط مستقيم. تسبب طول فصل الشتاء هذا العام والربيع المعتدل في صعوبات لمزارعي الزيتون والذرة، لكنها جلبت مكاسب غير متوقعة للقمح والقطن وبشكل خاص للمانجو، والتي شهدت انتعاشا بعد موسم 2021 السيئ، وفقا لما قالته مصادر عديدة في قطاع الزراعة لإنتربرايز.
بدأ الزيتون بداية جيدة في الشتاء الأكثر برودة، لكن لم تتم عملية الإخصاب والتلقيح على الوجه الأكمل: انخفض إنتاج الزيتون بنسبة 60-80% في الموسم الماضي بسبب الشتاء الدافئ بصورة استثنائية في 2021/2020، إذ تحتاج الأشجار إلى تراجع درجة الحرارة إلى 10 درجات مئوية لعدد معين من الساعات لتكون جاهزة لموسم الزراعة التالي. تغيرت الظروف هذا العام مع امتداد فصل الشتاء البارد إلى الربيع، لكن الزيتون لم يكن أفضل من سابقه، حسبما قال رئيس قسم الأرصاد الجوية بالمعمل المركزى للمناخ الزراعى، شاكر أبو المعاطى، لإنتربرايز. وأوضح أبو المعاطي أن "الموسم كان مبشرا في بدايته في نوفمبر الماضي بسبب انخفاض درجة الحرارة وكون بعض محاصيل الفاكهة مثل الزيتون استوفت احتياجاتها من البرودة، لكن طول فترة الشتاء واستمرار بردوة الجو أضرت بعملية الإخصاب والتقليح". ورفض أبو المعاطي تقدير مدى تضرر الإنتاج قبل انتهاء الموسم.
عودة دراماتيكية لمحصول المانجو؟ شهد هذا العام تغيرا جذريا في محصول المانجو، كما أخبرنا عدد من أصحاب مزارع المانجو بالإسماعيلية. تعتمد المانجو على الطقس المعتدل في فترة التلقيح لمدة ثلاثة أشهر من فبراير إلى أبريل، خاصة عندما لا يكون هناك حر شديد أو رياح أو أمطار أو شبورة خلال تلك الفترة، حسبما يقول عبد الحافظ الأحمدي، مالك أحد مزارع المانجو بالإسماعيلية. انخفض الإنتاج بنسبة 40% العام الماضي على خلفية موجة الحر المبكرة ضربت المحصول، كما أخبرنا المزارعون في ذلك الوقت، إذ قال صاحب المزرعة وتاجر الجملة محمد آدم، إن واحدة أو اثنتين فقط من أشجاره أثمرت الموسم الماضي. ويقول إن المحصول هذا العام هو الأعلى منذ عقد. "الجو كان ملائما لجميع أصناف المانجو، وهناك أشجار كنا نعتبرها عجوز لم تطرح منذ عشرة أعوام أثمرت هذا العام". وأضاف الأحمدي: "نعتبره موسما ناجحا لجميع المزارعين بالمحافظة عن السنوات الماضية".
كان أداء القمح أفضل في الأجواء الباردة: يقول أبو المعاطي إن الشتاء الأطول، بما في ذلك غياب موجات الحرارة من مارس إلى مايو، سمح بنضج حبوب القمح الكاملة، مما أدى إلى زيادة المحصول بأكثر من 10%، وزادت الإنتاجية مع متوسط إنتاج الفدان من 18 إلى 20 أردبا. ومع ذلك، يصف أبو المعاطي ما حدث هذا العام بأنه أمر نادر، إذ أن التغيرات المناخية عادة ما تؤثر سلبا على إنتاجية القمح.
أجبر الشتاء البارد بعض مزارعي الذرة على تأخير الزراعة: دفعت برودة الجو هذا العام أيضا رمضان بسيوني، المزارع بمحافظة البحيرة إلى تأخير زراعة الذرة خلال العام الجاري إلى مايو بدلا من مارس في كل عام، موضحا أن تغير المناخ أثر على أغلب المحاصيل الزراعية. وقال نقيب الفلاحين حسين أبو صدام إن تغير المناخ أثر سلبا على الذرة هذا العام بنسبة محدودة تصل إلى 2% في الإنتاجية. "تسببت التغيرات المناخية في انتشار العديد من الحشرات التي لم تكن منتشرة من قبل، ما أدى إلى انتشار الأمراض وانخفاض الإنتاجية".
استفادت بعض المحاصيل من التغيرات المناخية هذا العام، لكن لا ينبغي أن نتجاهل الصورة الأكبر. "عادة ما يكون تأثير تغير المناخ على المحاصيل سلبيا ونادرا ما يكون إيجابيا"، حسبما قال أبو صدام، واصفا التأثيرات الإيجابية للطقس هذا العام على بعض المحاصيل بأنها "ضربة حظ". تسعى جهود المناخ التي تقودها الأمم المتحدة إلى وضع حد للاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، لكن التأثير على القطاع الزراعي سيكون كبيرا حتى في هذا السيناريو الأفضل. يقول أبو المعاطي إن ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 0.5-1 درجة مئوية "سيؤثر سلبا على المحاصيل الزراعية بشكل عام"، وتوقع انخفاض متوسط بنحو 20% في محاصيل القمح والأرز والذرة والبطاطس مع كل زيادة بنصف درجة أو درجة كاملة. قد تشهد المحاصيل المحلية الرئيسية بما في ذلك القمح والأرز والذرة انخفاضا في الإنتاجية بنسبة 11-19% بحلول عام 2050، وفقا لتقرير التنمية البشرية في مصر 2021 (بي دي إف).
يكيف المزارعون أساليب الزراعة الخاصة بهم للتعامل مع الحرارة: يقوم المزارعون بزراعة المحاصيل التي تتضرر من الحرارة مثل الطماطم في الصوبات الزراعية أو يغيرون مواعيد زراعتهم لحمايتها من درجات الحرارة القصوى، وفقا لأبو صدام، مضيفا أن عروة الطماطم التي كانت تزرع في يوليو بات البعض يزرعها الآن في سبتمبر. وتأجلت عروة البطاطس أيضا إلى وقت لاحق من العام، حيث أوصت الوزارة المزارعين في المنيا وبني سويف والفيوم بتأجيل الزراعة المعتادة في شهر أغسطس حتى بداية سبتمبر، بحسب أبو المعاطي.
فرصة للتوسع في زراعة القطن: "القطن هو محصول المستقبل، فهو من النباتات المحايدة التي تزدهر إنتاجيتها في ظل درجات الحرارة المرتفعة لو استطعتنا التحكم في الأمراض والحشرات التي تصيبه ومكافحتها، والدولة تمنحه اهتماما كبيرا للتوسع في زراعته"، بحسب أبو المعاطي. وبلغت المساحات المزروعة بالقطن هذا العام 370 ألف فدان مع زيادة بنحو 100 ألف فدان عن العام الماضي، وفق ما قاله أبو صدام. ويتوقع أن تعزز الظروف المناخية المواتية الجودة والإنتاج للفدان بنسبة 0.5-1 قنطار للفدان لتصل إلى 5-6 قنطار للفدان هذا الموسم. القطن هو المحصول الوحيد من محاصيلنا الرئيسية التي يمكن أن تزدهر في درجات الحرارة المرتفعة، إذ توقع تقرير التنمية البشرية زيادة الإنتاجية بنسبة 17% بحلول عام 2050، ويمكن أن ترتفع إلى 31% بحلول نهاية القرن.
قد نعرف قريبا المزيد حول خطة الدولة للتكيف مع التغيرات المناخية في قطاع الزراعة: أطلقت الحكومة الخطوط العريضة للاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050 في مايو الماضي. وتتضمن الاستراتيجية إعادة هيكلة القطاع الزراعي وتغير مواعيد الزراعة وزراعة أصناف جديدة تقاوم الإجهادات، بحسب أبو المعاطي. ومن المرجح أن نعرف المزيد من التفاصيل حول الاستراتيجية في الأشهر المقبلة.
فيما يلي أهم الأخبار المرتبطة بالحفاظ على المناخ لهذا الأسبوع:
- تعمل إنفينيتي باور – الشركة المشتركة بين إنفينيتي ومصدر الإماراتية – على تطوير وإدارة وتشغيل محطة شمسية بقدرة 6 ميجاوات لإمداد فعاليات قمة المناخ COP27. وتقوم إنفينيتي أيضا بتطوير وإدارة وتشغيل 18 محطة جديدة لشحن السيارات الكهربائية في جميع أنحاء شرم الشيخ. (بيان – بي دي إف)
- وقعت مؤسسة المجموعة المالية هيرميس للتنمية الاجتماعية اتفاقية تعاون مع وزارة التربية والتعليم لتحويل 102 مدرسة بالأقصر وأسوان للعمل بالطاقة الشمسية، ما يساهم في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 250 طن سنويا. (بيان – بي دي إف)
- يعتزم البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية تقديم تمويل بقيمة 300 مليون دولار لمصر لمساعدتها على إيقاف تشغيل محطات كهرباء تعمل بالغاز بقدرات إجمالية تبلغ 5 جيجاوات اعتبارا من عام 2023.