كيف تتهيأ عقولنا للمخاطرة؟
تقديرنا الشخصي للمجازفات أمر معقد ومتناقض، بالضبط مثل الإدراك البشري. معظمنا يقيّم المجازفة بطريقة بعيدة كل البعد عن العقلانية، بغض النظر عن مدى تخيلنا أننا نتعامل بطريقة موضوعية. الفطرة وأسلوب التنشئة معا يشكلان تصوراتنا وكيفية تعاملنا مع المخاطر في كل جوانب حياتنا. ودائما هناك ثمن سواء للمخاطرة العقلانية أو المتهورة، كما أن هناك ثمن للتخلي عنها.
كيف نقدر حجم المخاطرة؟ غالبا ما يتجه الناس إلى تقييم المجازفات من خلال من الدوافع الشخصية والخارجية، التي تجعلنا نتصرف بشكل خطير أو غير مرغوب فيه. دوافع مثل حب المخاطرة مثلا، أو المعتقدات المزروعة داخلنا سلفا، إضافة إلى السياق الاجتماعي والثقافي الذي نولد فيه، وكل هذا يعد مسؤولا عن كيفية إدراكنا للمجازفات. هذه الدوافع الخارجية مؤثرة للغاية، لدرجة أنه حتى مع تزايد وعينا بالمجازفات، نادرا ما يؤدي هذا إلى تغييرات في سلوكنا، وفق دراسة نشرتها المكتبة الوطنية للطب في الولايات المتحدة. تشدد الدراسة على أن "فهم المجازفة بشكل أفضل لا يؤدي بالتبعية إلى تحسين الاستجابة لها".
البعض منا يتمسك دائما بالأمل: الطريقة التي يتعامل بها كثير منا مع المجازفات يمكن أحيانا أن تكون ما يسميه الباحثون انحياز التفاؤل، وذلك حين نميل إلى التقليل من شأن المخاطر التي نتعرض لها، رغم إدراكنا لكل العواقب المحتملة. بمعنى آخر، يميل الشخص المتفائل إلى الاعتقاد أنه أقل عرضة للأمور السلبية مقارنة بالآخرين.
عواقب طرق التفكير هذه يمكن أن تتحول بسهولة لممارسات ضارة: انحياز التفاؤل يمكن أن ينطبق على كل شيء، من العادات اليومية كالتدخين إلى بعض احتياطات السلامة المتعلقة بـ "كوفيد-19"، والتي يعرف الجميع مخاطرها الصحية جيدا. توصلت دراسة عام 2020 إلى أن معظم الأمريكيين يرون أنفسهم أقل عرضة للإصابة بفيروس "كوفيد-19" من بقية الأشخاص الذين يماثلونهم في العمر والجنس، رغم إدراكهم للخطر الذي تمثله الجائحة على المجتمع.
… والعكس صحيح: تقييم المجازفة قد يؤدي أحيانا إلى الإفراط في التشاؤم، خاصة عندما نكون شديدي الوعي بالخطر. يسمي الباحثون الميل إلى المبالغة في تقدير المخاطر بالإرشاد المتوفر، في إشارة إلى أن الناس يحكمون على بعض المخاطر بناء على أشياء مثل وجودها في محيطهم المباشر، أو التغطية الإعلامية التي تسلط الضوء على موضوعات بعينها.
هناك عشرات الانحيازات المعرفية الأخرى التي تحكم رؤيتنا للعالم والمخاطر الموجودة فيه: استخدم علماء النفس العلاج بالتعرض مثلا منذ فترة طويلة لمساعدة الناس على مواجهة مخاوفهم من خلال التعرض لها بجرعات صغيرة. لكن الباحثون وجدوا أن التعرض للخطر غالبا ما يقلل من تعامل الناس مع المجازفات، سواء بشكل جيد أو سيئ. الآثار المترتبة على هذا النوع من التعرض يمكن في بعض الأحيان أن تجعل الناس يقلقون بشأن أنشطة خطيرة مثل عبور الطريق السريع، وذلك لأن سلوكياتهم ببساطة صارت طبيعية. يرتبط هذا أيضا بانحيازات معرفية أخرى مثل الانحياز التأكيدي، وهو عندما يقلل الناس من إدراكهم للمجازفات بناء على عدد قليل من الحوادث التي يؤكدها اعتقاد مزروع داخلهم سلفا.
الأسلوب الأكثر علمية لا بد أن يكون مبنيا على البيانات: يعتقد العلماء أن النهج الأكثر دقة لتقليل الضرر الناجم عن المجازفات يكون من خلال التقييم الدقيق لجميع البيانات المتاحة حول موضوع معين، مع إدراك كل التكاليف والفوائد المحتملة لاتخاذ القرار. لكن الحقيقة أن معظم الناس، ربما باستثناء قليل من الخبراء في مجالات معينة، لا يتخذون قراراتهم بهذه الطريقة على الإطلاق، فنحن رغم كل شيء كائنات شديدة العاطفية.