تغير المناخ يضع الأرض عند مفترق طرق
كوكب الأرض عند مفترق طرق، لو لم نتصرف الآن فنحن على مشارف كارثة مناخية: هذه هي فحوى رسالة (بي دي إف) الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة في أحدث سلسلة تقارير مهمة أصدرتها هذا الشهر.
أبرز ما جاء في هذه التقارير: ما يزال من الممكن الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية لكن فقط في حالة الحد من الانبعاثات بنسبة 43% بحلول عام 2030. يتطلب تحقيق ذلك خفض "فوري وعميق" للانبعاثات والذي من دونه يستحيل تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ. "إن لم يحدث ذلك الآن، فلن يحدث أبدا"، حسبما قال جيم سكيا، الأستاذ في إمبيريال كوليدج في لندن والرئيس المشارك لمجموعة العمل التي عملت على التقرير.
بنشر التقرير، تنتهي دورة التقييم السادسة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، والتي انطلقت العام الماضي بتحليل الأساس العلمي المادي لتغير المناخ في تقرير وصفه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بـ "الإنذار الأحمر للبشرية". وفي عدد جديد من نشرتنا "الاقتصاد الأخضر" مكون من جزئين، نلقي نظرة على آخر تقريرين عن الدورة صدرا على مدار الستة أسابيع الماضية والذين يتعمقان في تأثير ارتفاع درجات الحرارة ويقيمان ما يمكن فعله لتجنب كارثة مناخية.
سنركز على مصر وأفريقيا، اللتين ستكونان من بين أكثر المناطق تضررا من تغير المناخ، ومع ذلك لا تحصل سوى على قدر ضئيل من التمويل المتعلق بالمناخ العالمي.
أطلس للمعاناة الإنسانية ودليل دامغ على فشل "القيادة العالمية في مجال المناخ": هكذا وصف جوتيريش التقرير الثاني عند صدوره، قائلا إن ما جاء فيه لا يشبه أي شيء شهده من قبل. فيما وصفه بعض العلماء بأنه "أسوأ إنذار حتى الآن". حذر التقرير الثاني الذي صدر في فبراير الماضي من وقوع "ضرر بيئي لا رجعة فيه" في حالة تخطت درجات الحرارة 1.5 درجة مئوية. أضاف التقرير أن الظواهر المناخية الشديدة تتسبب في "تأثيرات واسعة النطاق" على النظام البيئي في جميع أنحاء العالم لا يمكن تدارك بعضها.
يشير التقرير إلى أن 3.3 مليار شخص "معرضون بشدة" للمعاناة من تغير المناخ، ما يثير القلق أكثر أن تأثير تغير المناخ "أكبر من التقديرات والتقييمات السابقة".
تأثير الاحترار العالمي ليس متكافئا: على مدار العقد الماضي، كان معدل الوفيات الناجم عن الظواهر الجوية الشديدة أعلى بـ 15 مرة في المناطق الأكثر عرضة مثل أفريقيا وآسيا وأمريكا الوسطى والجنوبية، مقارنة بالمناطق الأخرى الأقل عرضة في العالم.
ونترقب زيادة في معدل الفيضانات في مصر إن لم يتغير شيء: من المتوقع أن تزيد الفيضانات عالية التردد بمعدل أربع مرات في شمال أفريقيا بنهاية العقد الحالي. لن تتأثر دولة مثلما ستتأثر مصر التي أدرجتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بين 20 دولة ستواجه معظم الأضرار الناجمة عن الفيضانات. من المتوقع أن تتحمل مدينة الإسكندرية النصيب الأكبر من الأضرار، إذ يشير التقرير إلى أن الفيضانات ستسبب أضرارا تتراوح قيمتها بين 36 إلى 50 مليار دولار في عروس البحر المتوسط بحلول 2050، اعتمادا على الوقت الذي ستبدأ فيه الانبعاثات العالمية في الانخفاض.
أفريقيا واحدة من أكثر المناطق تضررا من ارتفاع منسوب مياه البحر: بحلول نهاية العقد الحالي، سيتأثر ما بين 108 إلى 116 مليون شخص في القارة السمراء بارتفاع منسوب مياه البحار، ومن المتوقع أن يزيد عدد المتأثرين ليتراوح بين 190 إلى 245 مليون شخص بحلول عام 2060، وفقا لتقديرات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. وبمقارنة ذلك بالعقدين الماضيين، نجد أن عدد المتأثرين كان 54 مليون شخص فقط. من المرجح أن تشهد مصر وموزمبيق ونيجيريا أضخم عدد من الأشخاص الذين سيتأثرون بارتفاع مستويات سطح البحر في حالة ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية.
موجات الحر ستصبح مشكلة أكبر مع ارتفاع درجات الحرارة والانفجار السكاني: سيرتفع عدد الأشخاص، ممن هم تحت سن الخامسة وفوق 65 عاما، المعرضين لموجات الحر في أفريقيا من 27 مليون في عام 2010 إلى 360 مليون (في حالة وصول الاحترار العالمي إلى 1.8 درجة مئوية) أو 440 مليون شخص (في حالة وصول الاحترار العالمي إلى 4.2 درجة مئوية) بحلول نهاية القرن.
التأثير على النظم البيئية الأفريقية سيكون كارثيا: مع كل زيادة بمقدار 0.5 درجة مئوية عن المستويات الحالية للاحترار (الذي يصل الآن إلى 1.1 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية) سيكون هناك خسارة واسعة النطاق على التنوع البيولوجي، بحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. بمجرد أن نتخطى حاجز 1.5 درجة مئوية، من المتوقع أن تفقد نصف فصائل الحيوانات التي ترصدها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في القارة السمراء أكثر من 30% من كائناتها. عند وصول الاحترار العالمي إلى درجتين مئويتين، نترقب أن يواجه ما بين 7% إلى 18% من الأنواع الحيوانية تهديدا بالانقراض، وأكثر من 90% من الشعاب المرجانية في شرق أفريقيا، التي تعد بالغة الأهمية للتنوع البيولوجي والسياحة في مصر، ستشهد تدهورا شديدا نتيجة تبيض الشعاب المرجانية.
استمرار الاحترار سيضع المزيد من الضغوط على إمدادات الغذاء التي تعاني بالفعل من تدهور منذ فترة طويلة في أفريقيا. أدى تغير المناخ إلى هبوط الإنتاجية الزراعية بنسبة 34% منذ بداية ستينيات القرن الماضي، وهو وضع أسوأ من أي منطقة أخرى حول العالم. من المتوقع أن يشهد المزارعون المصريون استمرار انخفاض الإنتاجية في بساتين الزيتون في حالة ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية، وسيكون للاحترار فوق درجتين مئويتين تأثيرا أكثر خطورة على أنظمة الغذاء في القارة. في حالة حدوث هذا السيناريو، تتوقع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ انخفاضا في محاصيل الأغذية الأساسية "في معظم أنحاء أفريقيا"، وانخفاض إمكانية صيد الأسماك – المصدر الرئيسي للبروتين لما يقرب من ثلث سكان القارة – بنسبة تصل إلى 69% بحلول نهاية القرن.
المستقبل الاقتصادي لأفريقيا يعتمد على مدى ارتفاع درجات الحرارة: من المرجح أن يرتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 5% على الأقل بحلول 2050 وبنسبة تتراوح بين 10 إلى 20% بحلول 2100 في حالة ظل الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية، مقارنة بسيناريو وصول الاحترار إلى درجتين مئويتين.
استراتيجيات التكيف ضرورية للمضي قدما، لكنها مكلفة: تشير التقديرات إلى أن تنفيذ استراتيجيات تكيف في أفريقيا قد يكلف 50 مليار دولار سنويا للمساعدة في مواجهة الاحترار عند 1.5 درجة مئوية في 2050. قد ترتفع هذه التكلفة إلى 100-350 مليار دولار سنويا في حالة احترار قدره 4 درجات مئوية قرب نهاية القرن، وفقا للتقرير.
وحتى الآن، هذه الأموال ليست متاحة لأفريقيا: هناك عجز يصل إلى مليارات الدولارات في التمويلات الضرورية لمساعدة الدول الأفريقية في تعزيز قدرتها على الصمود في مواجهة تغير المناخ. ذهب أقل من 4% من التمويل المخصص للأبحاث المتعلقة بالمناخ حول العالم إلى دراسات تتعلق بأفريقيا. "التمويل لا يستهدف الدول والمجتمعات الأكثر عرضة "لتغير المناخ"، حسبما ذكر التقرير دون تقديم أية أسباب.
لكن، لا يزال هناك فرصة لتصحيح الأمور: رغم أنه من المتوقع أن يتسبب الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية في "ارتفاعات لا مفر منها في مخاطر مناخية متعددة، كما سيشكل مخاطر متعددة على الأنظمة البيئية والبشر"، إلا أن الإجراءات المتبعة لخفض الاحترار أقل من هذا الحاجز يمكن أن "تقلل الخسائر والأضرار المتوقعة بصورة كبيرة"، بحسب التقرير. نعتقد أن خفض عميق للانبعاثات قد يبدو حلما بعيد المنال، لكن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تؤكد أنه هدف قابل للتحقيق.
في الجزء الثاني: نلقي نظرة الأسبوع المقبل على التقرير الأخير من هذه السلسلة، حيث تقدم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ وصفا وافيا لما ينبغي فعله إذا أردنا الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية.
فيما يلي أهم الأخبار المرتبطة بالحفاظ على المناخ لهذا الأسبوع:
- حاورت إنتربرايز ماري بانجيستو المديرة المنتدبة لشؤون سياسات التنمية والشراكات في البنك الدولي، والتي زارت البلاد في وقت سابق من هذا الشهر. خلال حديثنا، ناقشنا ما يفعله البنك لدعم مصر خلال استعدادها لقمة المناخ، وأهمية تبني سياسات المناخ في دول مثل مصر وغيرها من القضايا المناخ الرئيسية.
- تخطط شركة سولار سول للطاقة لإنشاء مدينة صناعية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، باستثمارات تبلغ 5 ملايين يورو. ومن المقرر أن يشمل المشروع ثلاثة مصانع لمنتجات تعمل بالطاقة الشمسية، على أن يفتتح في الربع الأول من عام 2023.
- قد تلتزم مصانع الأسمنت قريبا باستخدام الوقود البديل بنسبة لا تقل عن 15% من إجمالي استهلاكها للطاقة، بموجب مقترح تدرسه وزارة البيئة حاليا، وفقا ما قاله ياسر محجوب نائب رئيس جهاز تنظيم إدارة المخلفات لإنتربرايز.
- تحالف إي دي إف رينيوابلز الفرنسية وزيرو ويست المصرية يبحث مع وزارة الكهرباء التعاون في مجالي الأمونيا الخضراء والهيدروجين الأخضر.