حرب جديدة والأسواق الناشئة ما زالت تحسب تكاليف الجائحة
لا تزال الأسواق الناشئة تكافح لمعالجة التداعيات الاقتصادية للجائحة (ناهيك عن آثار الحرب الروسية في أوكرانيا): مع دخول الجائحة عامها الثالث، كان انتعاش ما بعد كوفيد هو المحور الأساسي للاقتصاد العالمي، لكن البلدان النامية والأسواق الناشئة تواجه العديد من العقبات التي تحول دون الوصول إلى هذه المرحلة. لا يزال من المبكر تحديد الآثار الكاملة للحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا بدقة، ولكن يمكننا القول إنها لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع الاقتصادي للأسر والشركات والبنوك في الأسواق الناشئة، التي تواجه بالفعل أرقام تضخم قياسية وتشديد نقدي قوي. تخلق هذه الظروف "مخاطر متزايدة" بالنسبة للأسواق الناشئة، والتي تحتاج الآن إلى "التركيز على إنشاء قطاعات مالية أكثر صحة، وفقا لتقرير التمويل من أجل تحقيق تعاف منصف، الصادر عن البنك الدولي (بي دي إف).
أولا: كيف تبدو المخاطر؟ يرتفع التضخم العالمي، وقد ارتفعت الأسعار في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ عددها 38 إلى أعلى مستوى منذ 25 عاما بنحو 6.6% في ديسمبر، وفقا للبيانات الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وارتفعت أسعار المواد الغذائية العالمية بالقرب من مستويات قياسية في فبراير، إذ دفعت اضطرابات سلسلة التوريد وارتفاع أسعار الطاقة وسوء الأحوال الجوية ونقص العمالة بالعالم إلى الاقتراب من أزمة الغذاء.
مصر ليست في معزل عن ذلك: تسببت الآثار غير المباشرة للاقتصاد العالمي في دفع التضخم السنوي في المدن المصرية إلى أعلى مستوياته منذ عامين ونصف تقريبا في يناير، ليصل إلى 7.3% على خلفية ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتأثير عام الأساس غير المواتي. أثرت الضغوط التضخمية على ثقة الأعمال في حجم الطلب، إذ يشير مؤشر مديري المشتريات لشهر فبراير إلى أن الثقة عند أدنى مستوياتها على الإطلاق بسبب الظروف الاقتصادية الحالية.
ويبدو الآن أن التضخم العالمي في طريقه للارتفاع إلى مستوى أعلى، بعدما أدى الصراع في أوكرانيا إلى واحدة من أكبر صدمات السلع منذ عقود. تمثل روسيا وأوكرانيا الجزء الأكبر من إنتاج السلع في العالم، إذ تصنف روسيا وحدها كثاني أكبر منتج للسلع في العالم والعقوبات المفروضة على موسكو تؤثر على أسعار خام برنت والغاز الطبيعي والمعادن والفحم. تعد أوكرانيا وروسيا أيضا مصدرين رئيسيين للقمح، وتعتمد مصر على الدولتين بشدة في واردات القمح.
مع ارتفاع معدلات التضخم، تتجه البنوك المركزية العالمية إلى دورات التشديد النقدي للسيطرة على ارتفاع الأسعار. الإجماع السائد هو أننا ننتظر ارتفاعات في أسعار الفائدة أسرع من المتوقع من البنوك المركزية العالمية، مما يؤدي إلى ارتفاع عائدات السندات الحكومية، وبالتالي يفضي إلى عمليات بيع مكثفة في جميع أنحاء العالم. وقد يقوم مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بتسع زيادات متتالية في أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة ابتداء من مارس في محاولة للحد من التضخم المرتفع، حسبما يتوقع بنك جيه بي مورجان.
هذه ليست أخبارا جيدة لديون الأسواق الناشئة: من المتوقع أن تؤدي الزيادات المتوقعة في أسعار الفائدة في البلدان المتقدمة إلى تعريض ديون الأسواق الناشئة لخطر التدفقات الخارجة، لتصبح أقل جاذبية للمستثمرين الأجانب، وتزيد من تكاليف الاقتراض للحكومات التي تراكمت لديها ديون مقومة بالدولار. ويمكن أن يؤدي رفع أسعار الفائدة الأمريكية إلى جعل الأسواق الناشئة عرضة لانخفاض التدفقات الأجنبية الوافدة، إذ قد يسعى مديرو الأصول الذين يتجنبون المخاطرة إلى البحث عن عوائد جيدة بمخاطرة أقل في الولايات المتحدة.
ارتفاع أسعار الفائدة = مخاطرة أعلى لأنشطة الأعمال: شهدت فترة انخفاض أسعار الفائدة قبل الجائحة "تراكما كبيرا للمخاطر المالية في قطاعات الشركات"، حيث استحوذت الشركات على المزيد من الديون، وكانت تكافح بالفعل لسدادها قبل الجائحة. ومما زاد الأمر سوءا، أن الكثير من هذه الديون كانت مقومة بالدولار، والذي كان في البداية خيارا جذابا بسبب أسعار الفائدة المنخفضة. والآن، فإن الشركات التي لديها مبالغ كبيرة من الديون المقومة بالعملات الأجنبية تجد التزاماتها "أكثر صعوبة"، كما يقول تقرير البنك الدولي.
وعلى صعيد الأخبار الجيدة، لم يُترجم هذا إلى قفزة في القروض المتعثرة في 2021، لكن البنك الدولي يشير إلى أن هذا لن يكون الحال بالضرورة على المدى الطويل. يوضح التقرير أنه مع بدء الحكومات في إنهاء السياسات المرتبطة بالجائحة، بما في ذلك تجميد إعداد التقارير الائتمانية، مما يعني "أن البنوك غير قادرة إلى حد كبير على التمييز بين المقترضين المفتقدين للسيولة والمتعثرين"، ومن المتوقع أن تحدث زيادة في القروض المتعثرة بين البلدان والأفراد.
وكذلك ارتفعت الديون السيادية، إذ تواجه الاقتصادات الناشئة الآن تراكم ديون ضخمة نتيجة لبرامج التحفيز الاقتصادي. ونتيجة لذلك، كانت البلدان إما غير قادرة على إدخال سياسات شاملة بما يكفي لمنع حدوث قفزة في حالات التعثر والتخلف عن سداد القروض وانتقال ذلك من الأفراد والشركات إلى القطاع المالي"، أو أن البلدان اضطرت إلى الاقتراض أكثر لتمويل برامج الدعم. وعادة ما تؤدي زيادة الدين المحلي إلى ارتفاع معدلات التضخم، مما يؤدي إلى تفاقم الدورة.
تتحمل الأسر أيضا العبء الأكبر من التداعيات المالية للجائحة: خلال السنة الأولى للجائحة، كانت أكثر من 50% من الأسر حول العالم غير مستعدة ماليا لتحمل الاحتياجات الأساسية لأكثر من ثلاثة أشهر في حالة فقدان مصدر دخلهم. كما أن الأسر ذات الدخل المنخفض غير قادرة إلى حد كبير على الحصول على قروض لسد فجوات التمويل، إذ تتطلع البنوك إلى التخفيف من مخاطر الإقراض الخاصة بها. ومع تشديد الائتمان، يكون المقترضون الأكثر ضعفا – الأسر ذات الدخل المنخفض – هم أول من ينقطع عن مصادر التمويل. والأسر التي تعاني من ديون غير مستدامة مرتبطة بالجائحة ستؤدي إلى انخفاض الاستهلاك وخلق فرص العمل والاستثمار المنتج.
ما الحل؟ يشير التقرير إلى عدد من الإصلاحات في السياسات لمساعدة البلدان على التخفيف من مخاطر موجة الأسر والشركات المتعثرة، والتي تشمل تعزيز آليات الإفلاس الرسمية، وتوفير أنظمة بديلة لتسوية المنازعات، وتعزيز الإعفاء من الديون وإبراء ذمة المدينين من الأشخاص الطبيعيين.