حصاد العام: الديون والتمويل في 2021
على غرار الجائحة، امتدت أيضا معدلات الاقتراض الكبيرة في 2021 من العام السابق. وظلت أسعار الفائدة منخفضة محليا وعالميا، إذ أبقى البنك المركزي المصري على أسعار الفائدة دون تغيير منذ نوفمبر 2020، في حين على المستوى العالمي، كان 2021 عام أسعار الفائدة المنخفضة لمستويات تاريخية. وواصلت الحكومة أيضا الاقتراض من الخارج، وذلك لسد الفجوة التمويلية التي أحدثها برنامج التحفيز التاريخي في 2020، كما تواصل اقتراض الشركات خلال العام، وإن كان بوتيرة أبطأ مقارنة بالعام الماضي.
لجأت مصر إلى أسواق الديون الدولية مرتين هذا العام، في محاولة لاستغلال بيئة أسعار الفائدة المنخفضة عالميا لتأمين ديون جديدة بعائد أقل. باعت وزارة المالية سندات دولية مقومة بالدولار بقيمة 6.75 مليار دولار من خلال إصدارين في فبراير وسبتمبر، وكلاهما شهد طلبا قويا من المستثمرين الأجانب بسبب معدل الفائدة في مصر والذي يعد بين الأعلى عالميا.
ارتفعت حيازة المستثمرين الأجانب للديون المحلية بأكثر من أي وقت مضى: ارتفعت حيازات الأجانب من الديون المقومة بالجنيه إلى مستوى قياسي بلغ 34 مليار دولار في سبتمبر، إذ واصلت أسعار الفائدة المصرية جذب المستثمرين الأجانب الباحثين عن العائد. فهذه نعمة ونقمة في نفس الوقت: إذ ساهمت تدفقات المحفظة في سد عجز ميزان مدفوعات البلاد التي خلفها انهيار عائدات السياحة، بينما تسبب ارتفاع سعر الفائدة في مصر في زيادة تكاليف خدمة الديون وجعلها أكثر عرضة لأهواء التدفقات الرأسمالية الدولية.
تلقت مصر أيضا دفعة بالعملة الأجنبية من خلال تخصيص صندوق النقد الدولي ما يعادل 2.8 مليار دولار لصالح مصر من مخصصات حقوق السحب الخاصة الجديدة لديه، والتي دخلت حيز التنفيذ في أغسطس الماضي، من إجمالي 650 مليار دولار أعلن الصندوق تخصيصها كحقوق سحب خاصة. وتعد حقوق السحب الخاصة بمثابة أصل احتياطي دولي استحدثه الصندوق ليكون مكملا للاحتياطيات الرسمية الخاصة في الدول الأعضاء.
كما اتجهت وزارة المالية إلى الخليج لجلب المزيد من التمويلات: قامت مجموعة من المؤسسات المالية – الخليجية بشكل أساسي – بتجديد وتكملة قرض مشترك قيمته ملياري دولار جرى الحصول عليه في عام 2020 لدعم المالية العامة خلال أزمة كوفيد. واتفق التحالف – الذي يقوده بنك أبو ظبي الأول وبنك الإمارات دبي الوطني – هذا العام على إقراض الحكومة 3 مليارات دولار أخرى، بعد شهر أو شهرين فقط من انتهاء سداد قرض العام الماضي البالغة مدته 12 شهرا.
كيف تأثر الدين الخارجي بذلك؟ كان للجائحة آثارا سلبية على وضع الديون لدينا، مما أجبر الحكومة على إضافة 16 مليار دولار أخرى إلى التزاماتها الخارجية في عام 2020، إذ سعت إلى دعم الاقتصاد وسد العجز في الإيرادات، بالإضافة إلى تغطية تكاليف مشاريع البنية التحتية المخطط لها. لم يختلف عام 2021 كثيرا عن العام السابق عليه، فقد اقترضت الحكومة 8.7 مليار دولار خلال النصف الأول من العام، مما رفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 34.2% في نهاية الربع الثاني من عام 2021، من 32.1% في نهاية الربع الأول من العام، وفق بيانات البنك المركزي المصري (بي دي إف). ووفقا لبيانات المركزي، شكلت الديون طويلة الأجل 90% من إجمالي الدين الخارجي بنهاية الربع الثاني من العام. وتوزع الدين الخارجي البالغ 137.9 مليار دولار، بواقع 124.1 مليار دولار ديون طويلة الأجل، و13.7 مليار دولار ديون قصيرة الأجل.
لقد كان عاما آخر من الصدارة على صعيد السندات الخضراء، مع إصدار البنك التجاري الدولي أول سندات خضراء للشركات في تاريخ البلاد. باع أكبر بنك في القطاع الخاص 100 مليون دولار من السندات المرتبطة بالمناخ إلى مؤسسة التمويل الدولية في أغسطس، والتي خصصت عائداتها لتمويل المباني الخضراء. ويشمل ذلك المقر الجديد للبنك في العاصمة الإدارية الجديدة، والذي سيحصل على شهادة المباني الخضراء.
..والثاني على التوالي لصدارة أسواق المنطقة في إصدارات السندات السيادية الخضراء: أصبحت مصر أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تصدر سندات خضراء سيادية العام الماضي، حينما باعت سندات بقيمة 750 مليون دولار للمستثمرين الأجانب.
لكن قد يجانبنا الصواب إذا اعتبرنا 2021 هو العام الذي "انطلقت فيه" السندات الخضراء للشركات، فبعيدا عن البنك التجاري الدولي، لم نسمع شيئا من الشركات الأخرى (من القطاعين العام والخاص على حد سواء) عن خطط لإصدار ديون خضراء خاصة بها.
اتُخذت الخطوات الأولى لإتاحة مجموعة واسعة من الاستثمارات الأخلاقية في أسواق رأس المال بمصر: سيكون لدى المستثمرين الذين يريدون لأموالهم تحقيق نتائج مفيدة اجتماعيا المزيد من الخيارات قريبا بعد أن وافقت الهيئات التنظيمية على تعديلات جديدة تسمح للشركات بإصدار ديون مرتبطة بكل شيء من تمكين المرأة إلى التنمية المستدامة. وستسمح مجموعة واسعة من السندات البيئية والاجتماعية والحوكمة للشركات بالتحول إلى أسواق الديون لتمويل المشاريع التي تحقق نتائج اجتماعية أو بيئية معينة (تخيل: كفاءة أعلى في استخدام الطاقة، وتنوع أكبر في مكان العمل، وإسكان اقتصادي). لا نعلم حتى الآن الموعد الذي ستتمكن فيه الشركات من إصدار تلك السندات، ولم تنشر السلطات معايير محددة لما يعتبر سندات حوكمة بيئية أواجتماعية أومؤسسية، لذلك علينا الترقب بينما نقف على أعتاب عام 2022.
واقتربنا أيضا من بيع أول صكوك سيادية على الإطلاق: أقر مجلس النواب قانون الصكوك السيادية الذي طال انتظاره، مما سمح للحكومة بالبدء في العمل على إصدارها الأول من الصكوك. ويمكننا توقع المضي قدما في عملية البيع في النصف الأول من عام 2022، على حد قول وزير المالية محمد معيط، على الرغم من عدم وجود أي معلومات حاليا حول الحصيلة التي تستهدف الحكومة جمعها من هذا الإصدار.
لكن إصدارات الشركات كانت متدنية: كانت كونتكت المالية هي الشركة الوحيدة التي باعت السندات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية هذا العام، وأغلقت إصدارا بقيمة 2.5 مليار جنيه في يوليو.
تباطأت سوق التوريق خلال 2021 مقارنة بالعام الماضي، ولكن الكثير من الزخم الذي شهده عام 2020 استمر أيضا خلال هذا العام. وبحسب سجلاتنا، شهدت السوق 14 إصدارا للسندات بإجمالي 12.63 مليار جنيه. ويمثل هذا انخفاضا بأكثر من النصف مقارنة بالـ 22 مليار جنيه المسجلة في 2019 و22.1 مليار جنيه العام الماضي. وكانت البداية جيدة في يناير، إذ أتمت سي آي كابيتال إصدارا كبيرا بقيمة 2.7 مليار جنيه، تلاه إصدار سندات توريق بقيمة ملياري جنيه من جانب شركة شركة جي بي ليس للتأجير التمويلي التابعة لجي بي أوتو. وشهدت السوق ثلاثة إصدارات أخرى لسندات التوريق في يناير الماضي، وكان إحداها بقيمة 700 مليون جنيه لأربع شركات تابعة لمجموعة عامر جروب، إلى جانب شركة قسطلي للتمويل العقاري، كما أغلقت مجموعة طلعت مصطفى إصدار سندات بقيمة 870 مليون جنيه، وأتمت شركة رواج لتقسيط وتمويل شراء السيارات الجديدة والمستعملة، التابعة لشركة أرابيا إنفستمنتس هولدنج، إصدارا بقيمة 308 ملايين جنيه. وتراجع نشاط سندات التوريق في الأشهر اللاحقة قبل أن يعاود الارتفاع خلال الصيف، ولكن كان شهر يناير الأكثر نشاطا لتلك الإصدارات. وظل إصدار سندات سي آي كابيتال الأكبر خلال العام.
قد يتبع عام 2022 نمطا مشابها بالبدء بانتعاشة في إصدارات سندات التوريق، بحسب تصريحات هيئة الرقابة المالية في وقت سابق من هذا الأسبوع (بي دي إف) إنها ستوافق قبل نهاية العام على 11 إصدارا جديدا للسندات بقيمة إجمالية 11.5 مليار جنيه. ولم تشر الهيئة إلى الشركات التي ستصدر تلك السندات، أو موعد إصدارها بالسوق. وتعتزم شركة الأهلي للتأجير التمويلي التابعة للبنك الأهلي المصري إصدار سندات توريق بقيمة 700 مليون جنيه، فيما يعد المرة الأولى التي تلجأ فيها الشركة إلى سوق التوريق، بحسب تقارير صحفية في وقت سابق من هذا الأسبوع.
اتُخذت خطوات عدة نحو إتاحة آلية جديدة للتوريق في السوق المصرية بعد موافقة مجلس الوزراء على مقترحات للسماح للشركات بتوريق التدفقات النقدية خارج الميزانية العمومية. ومن المحتمل أن يفتح ذلك الباب للتوريق على نطاق أوسع من قطاعات مثل المرافق والاتصالات والرعاية الصحية. ومع ذلك، ما زلنا نترقب معرفة الوقت الذي تخطط فيه السلطات لشرعنة ما يسمى بـ "تأمين التدفق المستقبلي" في مصر.