2021: عام ترميم العلاقات الدبلوماسية
على صعيد الدبلوماسية كان 2021 عام إصلاح العلاقات – وعاما آخر من المماطلة في أزمة سد النهضة: شهدت سياسة الدبلوماسية المصرية بعض التحولات على مدار العام، إذ كنا نتطلع إلى إنهاء الخلافات واستئناف العلاقات مع بعض الخصوم ممن تجمدت علاقاتنا معهم. في غضون ذلك، واصلت القاهرة لعب دور نشط في دفع مسيرة التحول الديمقراطي في ليبيا إلى الأمام، لكن فرصتها الحقيقية للتألق دبلوماسيا تمثلت في التوسط لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وفلسطين أثناء القصف الإسرائيلي لقطاع غزة في وقت سابق من هذا العام. وطوال 2021، ظلت مسألة مفاوضات سد النهضة الإثيوبي دون إجابة إلى حد كبير.
استقبلنا العام باتفاق لإجراء محادثات مصرية سودانية إثيوبية بشأن سد النهضة في محاولة لإيجاد طريقة لحلحلة المحادثات المتعثرة حوله. لكن تلاشى أي أمل في الوصول إلى ذلك بعد رفض السودان حضور المفاوضات. ثم تعاونت القاهرة والخرطوم في مارس لحث أديس أبابا على الموافقة على خطة لإشراك الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المفاوضات، والتي تضمنت ضم الجهات الثلاث إلى جانب الاتحاد الأفريقي للمساعدة في التوصل إلى اتفاق بشأن قواعد ملء وتشغيل السد. وفي ظل عدم وجود أي نية لتغيير نهجها، واصلت إثيوبيا رفض هذه المحاولات لجلب المزيد من الوسطاء الأجانب إلى طاولة المفاوضات، متمسكة بالاتحاد الأفريقي دون غيره.
حتى لو رفضت إثيوبيا الوسطاء، فلدينا بعض الدعم: لقد ساند الخليج الموقف المصري علنا. وبينما لم تدعم الولايات المتحدة رسميا أيا من الجانبين، أعربت واشنطن عن الحاجة "الملحة" لمصر وإثيوبيا للتوصل إلى اتفاق بشأن ملء وتشغيل السد، مما دفع الأخيرة بشكل أساسي إلى الكف عن التباطؤ.
لم تكن مصر مكتوفة الأيدي: في تعليق نادر على القضية مباشرة، حذر الرئيس عبد الفتاح السيسي إثيوبيا قبل خططها للمضي قدما في الملء الثاني للسد من أن المساس بمياه النيل هو "خط أحمر" لمصر. وقال السيسي إنه لن يُسمح لإثيوبيا بأخذ "قطرة واحدة" من حصة مصر في المياه، محذرا مما سيخلفه المزيد من محاولات تعطيل تدفق مياه النيل من "عدم استقرار لا يمكن تصوره" في المنطقة. ومضت أديس أبابا قدما في مرحلتها الثانية لملء سد النهضة، دون أي أثر على إمدادات المياه في السودان.
ما موقف المحادثات حاليا؟ آخر ما ورد في هذا الصدد كان تلميح وزير الخارجية سامح شكري بإمكانية استئناف المحادثات بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن سد النهضة، قائلا في نوفمبر الماضي إن الاتحاد الأفريقي يعمل على "الدفع" تجاه العودة إلى طاولة المفاوضات.
وعلى ساحة أخرى، حققنا المزيد من النجاح في إصلاح العلاقات مع قطر: بدأ العام أيضا بتقارب مع قطر، إذ اتفقت مصر والسعودية والإمارات والبحرين على إنهاء المقاطعة التي استمرت نحو أربع سنوات واستعادة العلاقات الدبلوماسية في يناير من هذا العام. ومنذ ذلك الحين استمرت الأمور في التحسن، إذ التقى الرئيس السيسي أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني لإجراء محادثات في يوليو، ثم عينت مصر سفيرا لها في الدوحة، وعقدت مناقشات حول تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين. ليس هذا وحسب، فمن المحتمل عودة قناة الجزيرة القطرية إلى القاهرة مجددا، مع ظهور لوحات إعلانية في نوفمبر للإعلان عن التطبيق الجديد للمؤسسة الإخبارية.
لقد بعث التقارب الناجح مع قطر الأمل في صفحة جديدة للعلاقات مع تركيا: بدأت أنقرة العمل على إذابة الجليد في علاقاتها مع الإمارات والسعودية، وتحولت إلى مصر في مسعاها لتهدئة التوترات الإقليمية. تلقينا أول إشارة في مارس بأن الخلاف الذي دام عقدا من الزمن يمكن طيه عندما أصدر المسؤولون الأتراك تعليمات إلى وسائل الإعلام بتخفيف حدة الانتقادات الموجهة لمصر، والتي أعقبتها تركيا في مايو بإعلان "حقبة جديدة" من العلاقات بين البلدين. وعقدت القاهرة وأنقرة عدة جولات من المحادثات منذ ذلك الحين – مع ظهور بعض بوادر التقدم – ولكن يبدو أن هذه الجهود توقفت في نهاية المطاف.
على الجانب التجاري، كل شيء يسير أفضل وأفضل: برزت مصر كواحدة من أهم موردي الغاز الطبيعي المسال لتركيا حتى الآن في الربع الرابع من عام 2021، بعدما أمدتها بـ 7 شحنات منذ بداية أكتوبر. تأتي معظم إمدادات تركيا من الجزائر والولايات المتحدة وقطر، لكن على ما يبدو أن انحسار التوترات مع منافستها الإقليمية مصر يفتح الباب لمزيد من التعاون في مجال الطاقة.
في غضون ذلك، عززت مصر دورها الدبلوماسي إقليميا بجهودها في فلسطين وليبيا: لم تنته الحرب التي دامت 11 يوما بين إسرائيل وغزة وأسفرت عن مقتل 232 فلسطينيا ونزوح آلاف آخرين إلا عندما سرت هدنة لوقف إطلاق النار بوساطة مصرية في مايو. كما تعهدت مصر بتقديم 500 مليون دولار للمساعدة في إعادة إعمار غزة بعد أن تكبد القطاع خسائر فادحة في البنية التحتية جراء الضربات الجوية الإسرائيلية. أما في ليبيا، شددت مصر على الحاجة إلى إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من جارتها على الحدود الغربية، وكان السيسي يتابع مصير الانتخابات الرئاسية التي كان من المفترض إجراؤها يوم الجمعة الماضي.
بشكل حاسم، عادت علينا الوساطة الناجحة في فلسطين بمكاسب في العلاقات مع واشنطن: دخل الرئيس الأمريكي جو بايدن البيت الأبيض في وقت سابق من هذا العام مع توقعات باتخاذه موقفا أكثر تشددا مع القاهرة من سلفه، دونالد ترامب. لكن تأكيد مصر على مكانتها كوسيط مؤثر (وضروري) في المنطقة جعل الولايات المتحدة أكثر تقاربا معنا بشأن العلاقات الاستراتيجية، إذ أشاد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بجهود مصر في فلسطين وليبيا، مشيرا إلى أن بلاده ستظل منخرطة في تشجيع محادثات سد النهضة.