حصاد العام: أداء الاقتصاد الكلي في 2021
بعد عام 2020 الصعب، كان 2021 عام بداية عودة الاقتصاد إلى مساره الصحيح. عزز تخفيف قيود السفر الدولية، واستقرار أسواق الطاقة، وإطلاق اللقاحات عالميا النمو الاقتصادي هذا العام. السياح يعودون، الصادرات أيضا في طريقها إلى مستويات ما قبل الجائحة، وأرباح الشركات تبدو مبشرة.
رغم أنه لم يخلٌ من التحديات: تسببت اضطرابات سلسلة التوريد، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، والقلق بشأن الارتفاع الوشيك في أسعار الفائدة العالمية، في العديد من المشكلات للشركات هذا العام. ويدعو غياب الانتعاش في نشاط القطاع الخاص إلى القلق.
لنبدأ بالرقم الرئيسي: الناتج المحلي الإجمالي. بعد تجنب الركود في عام 2020 بصعوبة – وكونه أحد اقتصادات البلدان القليلة في العالم التي تمكنت من ذلك – استمر عام 2021 في البناء على الانتعاش الذي شهده أواخر العام الماضي. ارتفع إجمالي الناتج المحلي السنوي بنسبة 2.9% في الربع الأول قبل أن يقفز إلى 7.2% في الربع الثاني و9.8% في الربع الثالث – وهو أسرع معدل نمو منذ عقدين – بدعم جزئي من تحسن الأساسيات الاقتصادية والتأثير الإيجابي لسنة الأساس من المستوى الأدنى لمعدلات النمو في عام 2020. ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة 6.7% في الربع الثاني من العام المالي الحالي 2022/2021، وفق ما قالته وزيرة التخطيط هالة السعيد هذا الشهر. وتوقعت السعيد في وقت سابق أن يصل النمو إلى ما بين 5.5% و5.7% بنهاية العام المالي الجاري في يونيو 2022.
بالأرقام: كان قطاع الضيافة جوهرة التاج في الانتعاش الاقتصادي لمصر هذا العام، مستفيدا من استئناف الرحلات الجوية، وإطلاق حملات التطعيم عالميا، وتراجع المخاوف العامة بشأن الجائحة في مصر. عائدات السياحة الفصلية ليست بعيدة الآن عن مستويات ما قبل الجائحة، مما ساعد قطاع المطاعم والفنادق على النمو بنحو 430% في الربع الثاني و182% في الربع الثالث عن العام السابق. وكان النمو في الصناعات التحويلية – أكبر قطاع في الاقتصاد المصري – أكثر هدوءا لكنه لا يزال يشهد انتعاشا تدريجيا، إذ نما بنسبة 10.5% و15.2% في الربعين الأول والثاني على التوالي.
لكن النمو الاقتصادي القوي ≠ تعافيا قويا للقطاع الخاص: كان نشاط القطاع الخاص غير النفطي في حالة انكماش طوال العام حتى مع تعافي أرباح الشركات مقارنة بعام 2020 . استمرت معاناة الشركات المزدوجة من انخفاض الطلب وارتفاع التكاليف، مما أسفر عن ثلاثة أشهر فقط من النمو خلال 21 شهرا منذ مارس 2020.
تعززت المالية العامة: نجحت مصر في تحقيق العجز المستهدف خلال العام المالي السابق، فقلصت العجز الكلي في الموازنة من 8% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 7.4%، وحققت فائضا أوليا بنسبة 1.5%. كانت وزارة المالية قد استهدفت مبدئيا تحقيق فائض أولي بنسبة 0.9% وعجز إجمالي بنسبة 7.8%. لقد الأمر مختلف حتى الآن في العام المالي الحالي 2022/2021، إذ تشير أحدث البيانات الصادرة (بي دي إف)، إلى أن العجز قد اتسع على أساس سنوي خلال الفترة من يوليو إلى أكتوبر من 2.7% إلى 3.1%، كما تحول الفائض الأولي إلى عجز طفيف.
الضرائب طالت كل شيء تقريبا: عكفت وزارة المالية على البحث عن طرق جديدة لفرض ضرائب على الأفراد والشركات هذا العام، في محاولة لزيادة الحصيلة الضريبية وتعزيز المالية العامة. كانت الضريبة الأكبر فيما يتعلق بالمستثمرين المقيمين هو ضريبة الأرباح الرأسمالية بنسبة 10% على التعاملات في البورصة المصرية، والتي قررت الوزارة المضي قدما نحو تطبيقها وإن كان ذلك بحزمة من الحوافز لتهدئة رد فعل الصناعة ضد المقترح وتخفيف أي انتكاسة قد تشهدها أحجام التداولات.
ركزت السياسة بشكل متكافئ على تعزيز الحصيلة الضريبية، وتوسيع القاعدة الضريبية الحالية: هناك ضريبة بنسبة 10% على جميع الهواتف المحمولة الجديدة التي لم تصنعها شركة سيكو، بينما الخطط جارية لفرض رسوم تنمية بنسبة 2% على السلع المعمرة والمشروبات الغازية، وضريبة بنسبة 5-20% على رسوم الدخول إلى الملاهي والأماكن الترفيهية. ويجري إخضاع آخرين إلى قائمة الممولين بالمنظومة الضريبية، بما في ذلك مراكز الدروس الخصوصية – التي لم يجر تقنينها حتى الآن – والمدونين وصانعي المحتوى عبر الإنترنت – المطالبين أيضا بسداد ضريبة القيمة المضافة على إيرادات الإعلانات التي تقدمها المنصات الإلكترونية مثل جوجل. وتهدف أنظمة الجمارك الجديدة والفاتورة الإلكترونية التي جرى طرحها لمواجهة التهرب الضريبي وعدم سداد مستحقات الدولة.
بالحديث عن ارتفاع الأسعار: لم تكن أسعار المستهلكين بمصر في معزل عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية في الخارج، الأمر الذي قفز بمعدل التضخم الرئيسي، لا سيما في النصف الثاني من العام عندما أدى ارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة بالتضخم إلى أعلى مستوى له في 20 شهرا عند 6.6%. على ما يبدو قد جرى احتواء الضغوط التضخمية حتى الآن، فلم تتجاوز أسعار المستهلك أبدا الحد الأدنى للنطاق المستهدف من قبل البنك المركزي المصري البالغ بنسبة 7% (±2%)، يبلغ متوسط معدل التضخم الرئيسي لهذا العام 5.5% حاليا.
ظلت أسعار الفائدة دون تغيير: أبقى البنك المركزي المصري على أسعار الفائدة دون تغيير منذ نوفمبر 2020، إذ منح الأولوية للحفاظ على التدفقات الأجنبية والتحوط من التضخم على حساب التحفيز الاقتصادي.
.. ما كان إيجابيا لاستثمارات المحافظ المالية: ساعد تثبيت أسعار الفائدة مصر في الحفاظ على معدل الفائدة الحقيقي الأعلى على مستوى العالم خلال العام، مما ضمن ثبات تدفقات المحافظ إلى الديون المحلية من قبل المستثمرين الباحثين عن العوائد المرتفعة في عالم تسوده معدلات فائدة منخفضة تاريخيا. بلغ إجمالي الاستثمار في الديون المصرية مستوى قياسيا بلغ 33 مليار دولار في أغسطس، على الرغم من أننا لم نسمع أي شيء منذ ذلك الحين من وزارة المالية أو البنك المركزي، مما قد يشير قليلا إلى كيفية تأثير بدء بنك الاحتياطي الفيدرالي في تقليص التحفيز النقدي تدريجيا في نوفمبر على التدفقات الوافدة إلى البلاد.
وعلى الجانب الآخر، انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر: بعد ظهور علامات الانتعاش في نهاية العام الماضي، هوت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الوافدة خلال النصف الأول من العام، لتسجل 427 مليون دولار فقط في الربع الثاني، منخفضة بمقدار الثلثين عن الربع الثاني من عام 2020 (المعروف أيضا باسم ربع الإغلاق) وأدنى رقم ربع سنوي منذ الربع الأخير من عام 2011. لم ينشر البنك المركزي بعد أرقام ميزان المدفوعات للربع الثالث.