استطلاع إنتربرايز يتوقع إبقاء المركزي على أسعار الفائدة دون تغيير
استطلاع إنتربرايز – تتجه لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي المصري لتثبيت أسعار الفائدة حينما تجتمع الخميس المقبل، فيما يواصل البنك مراقبة التضخم الذي يواصل الارتفاع. وأجمع 12 محللا وخبيرا اقتصاديا ومصرفيا شملهم الاستطلاع على أن البنك المركزي سيبقي على نهجه الحذر للاجتماع الثامن على التوالي، إذ يتوقع صناع السياسات النقدية تنامي الضغوط التضخمية على الصعيدين المحلي والعالمي، كما يترقبون أيضا تقليص الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لحزم التحفيز المالي في الولايات المتحدة، وهو ما سيؤثر على جاذبية أدوات الدين المصرية للمستثمرين الأجانب.
معدلات الفائدة الحالية: يبلغ سعر العائد على كل من الإيداع والإقراض لليلة واحدة حاليا 8.25% و9.25% على الترتيب، فيما يبلغ سعر العملية الرئيسية وسعر الخصم والائتمان 8.75% لكل منها. خفض المركزي أسعار الفائدة بإجمالي 400 نقطة أساس خلال 2020، من بينها الخفض التاريخي في مارس بواقع 300 نقطة أساس لاحتواء أزمة "كوفيد-19". ومنذ ذلك الحين، أبقى البنك المركزي على أسعار الفائدة دون تغيير خلال سبعة اجتماعات متتالية، بما في ذلك آخر اجتماعاته في سبتمبر الماضي، وسط مخاوف من ارتفاع التضخم.
التضخم لا يزال في منتصف رحلة الصعود: قفز التضخم السنوي العام في المدن المصرية في سبتمبر الماضي إلى أعلى مستوى له في 20 شهرا، مسجلا 6.6%، ارتفاعا من 5.7% في أغسطس، و5.4% في يوليو. جاءت الزيادة على خلفية ارتفاع أسعار الغذاء وتكاليف الرعاية الصحية والتعليم. وسجل التضخم في الريف والحضر 8% الشهر الماضي، مقارنة بـ 6.4% في أغسطس. وقالت مونيت دوس، محللة أولى الاقتصاد الكلي وقطاع الخدمات المالية بشركة إتش سي للأوراق المالية والاستثمار، إن ارتفاع أسعار النفط وغيره من السلع العالمية يتسبب في ضغوط تضخمية كبيرة محليا، لا سيما في ضوء الإعلانات الرسمية الأخيرة عن نية الحكومة تقليص الدعم".
ستظل الضغوط التضخمية شديدة من الآن فصاعدا: لم تكن قراءة التضخم لشهر سبتمبر مفاجئة، طبقا لما ذكره جيمس سوانستون، محلل الاقتصاد الكلي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى مؤسسة كابيتال إيكونوميكس البريطانية. وتوقع سوانستون أن يواصل التضخم الصعود خلال الأشهر القليلة المقبلة، لا سيما بعد ارتفاع تكلفة المواصلات عقب قرار رفع أسعار الوقود الأخير. ومع ذلك، يرجح سوانستون انخفاض التضخم مجددا إلى الحد الأدنى من نطاق مستهدف المركزي البالغ 7% (±2%) بحلول منتصف 2022، وهو ما يفسح المجال أمام صناع السياسة النقدية لاستئناف دورة التيسير النقدي. وتابع: "نعتقد أن الفائدة على الإيداع لليلة واحدة ستُخفض بما مجموعه 150 نقطة أساس، لتصل إلى 6.75% بحلول نهاية 2023".
حماية التدفقات الأجنبية: فيما يبدو أن أسعار الفائدة العالمية ستتخذ مسارا صعوديا، يحتاج القائمون على السياسة النقدية للحفاظ على جاذبية أدوات الدين ذات الدخل الثابت للمستثمرين الأجانب، وهو ما يدعم سيناريو تثبيت أسعار الفائدة، وفق ما ذكرته عالية ممدوح، كبيرة الاقتصاديين لدى بنك الاستثمار بلتون. ومن جانب آخر، ترى منى بدير، محللة أولى الاقتصاد الكلي في برايم القابضة، أن احتياجات مصر التمويلية الكبيرة التي تتزامن مع تشديد السياسات النقدية عالميا ستدفع المسؤولين عن السياسة النقدية لمواصلة النهج الحذر.
سعر الفائدة الحقيقي على أدوات الدين المحلية يعد من الأعلى على مستوى العالم، وهو ما ساهم في الحفاظ على زخم التدفقات الأجنبية واستقرار سعر صرف الجنيه أمام الدولار. وسجلت حيازات المستثمرين الأجانب في الديون المحلية مستوى قياسيا بلغ 33 مليار دولار مطلع أغسطس الماضي، وذلك بفضل ارتفاع شهية المستثمرين على أدوات الدين المحلية بسبب معدل الفائدة الحقيقي في السوق. وقفزت التدفقات الداخلة بنحو 23 مليار دولار منذ عمليات البيع المكثف التي شهدتها الأسواق الناشئة في بداية تفشي الجائحة العام الماضي.
سياسة الفيدرالي قد جرى تسعيرها بالفعل: ترى سارة سعادة، محللة أولى الاقتصاد الكلي لدى بنك الاستثمار سي آي كابيتال، أن المخاطر النزولية المرتبطة باتجاه الفيدرالي لتقليص برنامج شراء السندات والذي يتوقع الإعلان عنه قبل نهاية العام الجاري، قد جرى تسعيره بالفعل، بمعنى أن الأسواق والمتعاملين في السوق قد وضعوا تلك الخطوة في عين الاعتبار وبالتالي من المستبعد أن يكون رد فعل السوق عنيفا، ومن المرجح أن يجعل ذلك تركيز المركزي منصبا هذه المرة على التضخم فقط. أما رئيسة قطاع البحوث في بنك الاستثمار فاروس رضوى السويفي، فترى أن خروج الأجانب من السوق المحلية مرتبط باستراتيجيتهم تجاه الأسواق الناشئة عامة، وبالتالي فإن خروج الأجانب من السوق المحلية مرهون بسحب أموالهم من الأسواق الناشئة بصفة عامة لضخها في الأسواق المتقدمة. وقد ساهمت تطمينات الاحتياطي الفيدرالي المتكررة بأن رفع الفائدة الأمريكية لن يكون في القريب العاجل في تخفيف الضغط على سندات الخزانة في الأسواق الناشئة، كما حافظت على جاذبية تجارة الفائدة في مصر- في الوقت الراهن.
هل يرفع المركزي الفائدة إذا ما استمر التضخم في مستويات مرتفعة؟ تستبعد السويفي ذلك حاليا، مؤكدة أن تلك الخطوة ستكون "الملاذ الأخير"، خاصة أن هذا القرار يعني تغيير مسار السياسة النقدية. وأضافت أن رفع الفائدة في الوقت الراهن سيكون له آثار سلبية تتخطى إيجابياته، وفي مقدمتها رفع فاتورة خدمة الدين بالموازنة العامة للدولة، كما أنه يؤثر على الاستثمار الخاص والنمو الاقتصادي، لكن المركزي قد يضطر لذلك إذا رصد ضغوطا على العملة المحلية أو تراجعا ضخما في استثمارات المحافظ المالية.
وأيضا، فإن عجز الحساب الجاري يزيد الأمور سوءا، إذ من غير المرجح أن يخفف البنك المركزي من موقفه بشأن السياسة النقدية على المدى القريب، بسبب كل من الضغوط التضخمية والعجز "الكبير" في الحساب الجاري، وفقا لما قاله رينيسانس كابيتال في مذكرة بحثية له الأربعاء الماضي. ومع ذلك، يتوقع بنك الاستثمار تقلص عجز الحساب الجاري لمصر ليصل إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام المالي الجاري، مقابل 4.8% في العام المالي 2021/2020.
ومن جانبه، يرى نعمان خالد، محلل الاقتصاد الكلي لدى أرقام كابيتال، أن رفع الفائدة لن يكون الأداة المثلى للتصدي للتضخم الحالي، الذي يقول خالد إنه مدفوع بمشاكل في العرض وليس الطلب. وأضاف أن الاجتماعين المقبلين للجنة السياسة النقدية سيكونا الأكثر صعوبة أمام صناع السياسات، إذ أن تشديد السياسة النقدية قد يؤدي إلى رفع تكلفة الاقتراض على الشركات والتي تمرر تلك الزيادة إلى المستهلكين في نهاية المطاف.
ربما لا تشهد أسعار الفائدة أي تغيير حتى نهاية العام الجاري على الأقل: رجح محمد أبو باشا، رئيس وحدة بحوث الاقتصاد الكلي لدى المجموعة المالية هيرميس، تثبيت سعر الفائدة في الاجتماع المقبل، موضحا أن الارتفاع في قراءة التضخم لشهر سبتمبر كان مدفوعا فقط ببند الخضروات، وهو عامل لن يكون مؤثرا في قرار المركزي. وتابع: "التضخم الأساسي لا يزال في مستويات منخفضة.. اعتقادي أن التثبيت مستمر إلى آخر العام علي الأقل". أما محمد مجدي، المحلل الاقتصادي لدى مباشر، فيتوقع تثبيت أسعار الفائدة حتى نهاية العام المالي الحالي في 30 يونيو المقبل، مستبعدا خفض الفائدة أو رفعها في ظل رغبة المركزي في الحفاظ على وتيرة التعافي الاقتصادي، كما توقع استمرار ارتفاع التضخم خلال الفترة المقبلة.
قامت العديد من البنوك المركزية في الأسواق الناشئة بالفعل بتشديد السياسة النقدية خلال الشهور القليلة الماضية، ومن بينها روسيا التي رفعت الفائدة للمرة السادسة على التوالي أول أمس الجمعة، بواقع 75 نقطة أساس لتصل إلى 7.5% في محاولة لكبح جماح التضخم. يجعل هذا الرفع روسيا واحدة من بين أعنف الأسواق الناشئة في تشديد السياسات بعد البرازيل التي تواجه ضغوطا لرفع الفائدة وحتى بعد رفع قياسي بواقع 425 نقطة أساس هذا العام.