هل حان الوقت للبحث عن بدائل لأجهزة التكييف؟
مع ارتفاع درجة حرارة الأرض .. المعماريون يصممون منازل أكثر برودة: أصبحت تأثيرات تغير المناخ منتشرة على نطاق واسع، فقد كان شهر يوليو الماضي أكثر الشهور سخونة على كوكب الأرض منذ بدء التسجيلات. وسجلت أوروبا أعلى درجة حرارة في التاريخ بلغت 48.8 درجة مئوية في صقلية، وتضاعف عدد الأيام السنوية التي تصل فيها درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية حول الكوكب تقريبا منذ الثمانينيات. لذلك، فمن المنطقي أن الطلب على أجهزة تكييف الهواء تضاعف أربع مرات تقريبا بين عامي 1990 و2016، وأصبحت تستهلك الآن طاقة أكثر من كل الكهرباء المستخدمة في أفريقيا، وبالتالي يعمق ذلك من أزمة تغير المناخ. ويحاول المعماريون في جميع أنحاء العالم التغلب على تلك المعضلة عبر تقنيات بناء جديدة تعمل على خفض درجات الحرارة في الداخل دون استخدام أجهزة التكييف.
الحلول الجديدة لابد أن تحدث سريعا: إذ أن زيادة استخدام أجهزة التكييف في المنازل والمكاتب في جميع أنحاء العالم ستكون أحد المحركات الرئيسية للطلب العالمي على الكهرباء خلال الثلاثين عاما المقبلة، حسبما قالت وكالة الطاقة الدولية في تقرير عام 2018. ومن المتوقع أن يتضاعف الطلب على الطاقة من أجهزة التكييف ثلاث مرات بحلول عام 2050 مع نمو المخزون إلى 5.6 مليار، ارتفاعا من 1.6 مليار في عام 2018. وهذا يعني أن الشركات ستبيع 10 أجهزة تكييف جديدة كل ثانية على مدار الثلاثين عاما المقبلة.
أدى ظهور التكييفات إلى جعل المعماريين يتجاهلون التأثيرات المناخية في تصاميمهم في العقود الماضية، كما تقول إيليني ميرفيلي، كبيرة مسؤولي التدفئة والمرونة في مدينة أثينا، لصحيفة فايننشال تايمز. وتجادل بأننا فقدنا قرونا من تراكم خبرة التصميمات.
العودة إلى التصميمات القديمة قد يكون الحل: في الصحاري الإيرانية، استخدموا مصدات الرياح وقنوات تبريد مياه الجبال لتقليل الحرارة. وفي الهند، تتباهى القصور متعددة الطوابق بساحات فناء مظللة و"كتل حرارية" من الطوب والرخام التي تمتص الحرارة ببطء. وكان بناء المنازل في ذلك الوقت يعتمد على نوع البيئة والمواد المتاحة لخلق تجانس بين المعمار والعالم من حوله. وكان هذا النوع من التفكير هو الذي ألهم المهندسة المعمارية سو رواف في تصميم منزلها، الأستاذة الفخرية للهندسة المعمارية في جامعة هيريوت وات في إدنبرة، التي تبنت نهج "التصميم من أجل البقاء"، بحيث عندما تنقطع الطاقة، فإن تصميم المنزل يجعله مناسبا للعيش أو حتى مريحا.
كيف تبني منزلا يظل باردا بدون مكيف: يبدأ كل شيء بمعرفة الطريقة التي يهب بها نسيم الصيف لتخطيط كيفية توجيه المنزل وأين سيتم وضع المداخل والنوافذ، وفقا لموقع بوبيولار ساينس. وانطلاقا من هنا، من المهم توجيه تدفق الهواء داخل المنزل باستخدام ما يسميه المصممون "تأثير المدخنة"، من خلال وجود أسقف ونوافذ عالية أو إنشاء مساحات مثل الردهات، بحيث يرتفع الهواء الساخن في الأعلى ويظل الهواء البارد منخفضا نتيجة لكثافته الأقل. وتشمل الأساليب الأخرى من خارج المنزل زراعة الأشجار الكبيرة التي توفر الظل، وعزل ودهان السقف بلون عاكس، ووجود جدران سميكة تحتوي على مواد ذات كتلة حرارية كبيرة، مما يسمح لها بتخزين الحرارة الزائدة أثناء النهار.
التقنيات الحديثة للبناء المستدام ليست غريبة على مصر: تأسست شركة الهندسة المعمارية ECOnsult على يد سارة البطوطي في عام 2013 بهدف تصميم العمارة الخضراء التي تقلل من الطاقة والمياه والمخلفات في المباني القائمة وكذلك إنشاء مبان جديدة تستخدم التظليل والتهوية الطبيعية والكتلة الحرارية الداخلية ومراوح السقف التي تعمل بالطاقة الشمسية لجعلها أكثر استدامة. عملت ECOnsult على تصميم سكن لـ 120 موظفا في مزرعة الواحات البحرية بالصحراء الغربية لإنشاء منازل تحافظ على درجات حرارة تتراوح بين 19-26 درجة مئوية في الداخل بينما كانت درجة الحرارة في الخارج 50 درجة مئوية. وفي وقت سابق من هذا العام، وقعت الشركة بروتوكول تعاون مع وزارة التخطيط لإنشاء سكن مستدام في المناطق الريفية يراعي أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.
التصميمات المستدامة لا يمكن تطبيقها في كل مكان: في المناطق الحضرية، هناك مخاوف مثل الضوضاء والتلوث والأمن تعني أن الناس لا يتقبلون فتح نوافذهم طوال اليوم، كما يوضح مايكل سوينسون لصحيفة فايننشال تايمز. يرأس سوينسون مجموعة عمل عينتها الحكومة الانجليزية تستعرض لائحة بناء جديدة مقترحة بشأن ارتفاع درجة حرارة المساكن في إنجلترا، حيث تعاني المباني الجديدة من مشكلة في تخزين الحرارة تتسبب بقتل الآلاف كل عام وسط موجات الحر. ويعتبر الحرص على جعل المنازل مطلة على منظر المدينة، والذي تفتخر به العديد من منازل إنجلترا، من العوامل الكبيرة التي تزيد من ارتفاع درجة الحرارة بداخلها.