أسعار الأسمنت ترتفع أخيرا .. لكن المنتجين ما زالوا في أزمة
ارتفعت أسعار الأسمنت أخيرا في مصر – لكن المنتجين يواصلون مواجهة التحديات: مع تكثيف الدول استثماراتها في مشاريع البنية التحتية التي تضررت في ذروة جائحة “كوفيد-19″، ارتفعت أسعار مواد البناء، من ضمنها الأسمنت. في المملكة المتحدة، ارتفعت أسعار الأسمنت بنسبة تصل إلى 30% في مايو مقارنة بالعام الماضي، بينما ارتفعت الأسعار في تركيا بنسبة 56% في يوليو. ونشهد الآن ارتفاع أسعار الأسمنت هنا في مصر، وهو تطور يمكن أن يساعد في دعم ميزانيات الشركات التي أصيبت بالشلل بسبب سنوات من زيادة المعروض.
ومع ذلك، الأمر ليس بهذه البساطة: على الرغم من أن الطلب بدأ أخيرا في الانتعاش بعد سنوات من انخفاض الاستهلاك، إلا أن أسعار السوق ترتفع أيضا نتيجة ارتفاع تكاليف المواد الخام والشحن، وهو ما يضغط على هوامش ربح المنتجين، كما يقول العاملون في القطاع.
لا يزال قطاع الأسمنت يكافح ليشق طريقه للخروج من أزمة زيادة المعروض المزمنة: لسنوات، كانت الشركات تغرق السوق بالأسمنت في حرب سعرية نحو انخفاض الأسعار، ما أجبر العديد من المنتجين في السوق على تعليق عملياتهم والبعض الآخر على وشك الخروج من السوق، ووفقا لبعض التقديرات تسببت هذه الحرب السعرية في خسائر على مستوى القطاع تجاوزت مليار جنيه. وما فاقم الأزمة دخول مصنع بني سويف التابع للدولة، الذي أضاف 13 مليون طن أخرى من الطاقة السنوية إلى السوق عند بدء تشغيله في عام 2018.
أظهرت الأرقام الرسمية ارتفاع أسعار الأسمنت بشكل مطرد هذا العام، إذ ارتفعت بنسبة 20% بين يناير وأغسطس لتصل إلى 900 جنيه للطن، وفقا للبيانات الرسمية (بي دي إف). وقال فاروق مصطفى، الرئيس التنفيذي لشركة بني سويف للأسمنت، في تصريح لإنتربرايز، إنه منذ ذلك الحين، يجري تداول الأسمنت بسعر يتراوح بين 900 جنيه وألف جنيه للطن.
مصر لا تزال لديها واحد من أقل أسعار الأسمنت في العالم، وفقا لما أخبرنا به بعض المتعاملين في السوق. بلغ سعر طن الأسمنت في عام 2016، 730 جنيها أو 92 دولارا قبل تعويم الجنيه المصري. ويبلغ سعر طن الأسمنت حاليا 60 دولارا، وهو في أغلب الأحيان سعر أقل من تكاليف الإنتاج، ونحو 33% أقل مما كان عليه قبل فائض المعروض. وبالمقارنة، بلغت أسعار الأسمنت 272.9 دولار للطن في الولايات المتحدة الشهر الماضي.
لماذا تواصل الأسعار الارتفاع؟ يتعلق الكثير منها بالتضخم الذي يضغط على هوامش الربح. أسعار الأسمنت المحلية ترتفع بسبب ارتفاع تكاليف الوقود والكهرباء والمواد الخام، حسبما أخبرنا خوسيه ماريا ماجرينا الرئيس التنفيذي لشركة السويس للأسمنت. رفعت الحكومة أسعار الكهرباء في بداية العام مع استمرارها في التخلص التدريجي من الدعم، في حين أن تكلفة الفحم البترولي وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من عقد وتظل تكاليف الشحن “مرتفعة للغاية”، وفقا لعرض استثماري حديث (بي دي إف) من الشركة العربية للأسمنت. “نتيجة لذلك، من الطبيعي أن تصعد أسعار الأسمنت، إذ لم يعد هناك هامش إضافي متوفر للمنتجين لمواصلة امتصاص التكاليف الإضافية”، وفقا للشركة.
يمثل الفحم مشكلة أخرى، فعلى الرغم من قيام وزارة البترول بحماية المصانع من ارتفاع أسعار الوقود، فإن ارتفاع أسعار الفحم له تأثير على الهوامش. تستخدم 16 شركة من أصل 18 شركة في مصر الفحم في بعض عملياتها على الأقل، وقام عدد منها بتحويل منشآتها للعمل على الفحم استجابة لرفع دعم الوقود منذ عام 2016. وتشعر الشركات الآن بالضيق بعد الانتعاش الاقتصادي العالمي دفعت الأسعار العالمية للفحم للارتفاع إلى أعلى مستوى لها في 13 عاما عند 170 دولارا للطن في أغسطس، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في عام 2020.
هذه ليست النهاية، فالطلب قد بدأ في الارتفاع أخيرا: من المتوقع أن يرتفع الاستهلاك للمرة الأولى منذ خمس سنوات في عام 2021، وفقا لتوقعات وزارة التجارة والصناعة التي ترى أن الطلب سيرتفع بنسبة 6% إلى ما يقل قليلا عن 49 مليون طن.
ومع وضع هذا في الاعتبار، فإن الارتفاع بنسبة 6% لن يعيدنا إلى مستويات استهلاك ما قبل الجائحة، والتي بلغت 48.8 مليون طن في عام 2019. وهذا بحد ذاته يمثل انخفاضا كبيرا عن مستويات ما قبل أزمة زيادة المعروض في عام 2016، حين باعت الشركات 56.6 مليون طن خلال العام.
ولا يزال هذا أكثر بقليل من نصف الطاقة الإنتاجية الحالية للقطاع، والتي قفزت إلى 85-87 مليون طن خلال السنوات الثلاث الماضية، مما جعل الإنتاج يفوق بكثير استهلاك السوق.
انعكاس هذا الوضع خلال هذا العام سيكون أمرا مرحبا به، ولكن توقعات الطلب الحالية ليست كافية، بحسب سيرجيو ألكانتريا، الرئيس التنفيذي لشركة العربية للأسمنت. وقال ألكانتريا أيضا إنه بافتراض عدم إضافة أية طاقة إنتاجية أخرى إلى السوق، فإن تحقيق مستوى جيد للاستهلاك في مصر سيعني أن القطاع سينتج نحو 72 مليون طن سنويا.
من المفترض أن تكون حصص الإنتاج للسوق المحلية التي حددتها الحكومة في يوليو الماضي قد أزالت جزءا كبيرا من الفائض في المعروض من إنتاج الأسمنت. ووافقت شركات الأسمنت على خفض الإنتاج بأكثر من 10% حتى يوليو 2022 في محاولة للحد من مشكلة تخمة المعروض ودعم الأسعار.
إلا أن البعض لا يرى أن هذه التخفيضات لها تأثير كاف على الأسعار، ومن بينهم الرئيس التنفيذي لشركة لافارج مصر سولمون بومجارتنر، والذي ذكر لموقع ذا أفريكا ريبورت مؤخرا أن الأسعار ما زالت “منخفضة للغاية”. وقال بومجارتنر إنه ينبغي أن ترتفع الأسعار بنسبة 30-35% بحلول منتصف أكتوبر، مضيفا أنه قد يفكر في الانسحاب من تلك المنظومة في حال لم تتغير الأمور.
من السابق لأوانه للغاية تقييم مدى تأثير حصص الإنتاج على السوق، وفقا لما قاله ماجرينا لإنتربرايز، مضيفا أنه ينبغي على الجميع الالتزام باللوائح الجديدة، كما يتعين على جهاز حماية المنافسة التأكد من تطبيقها على نحو عادل وبشفافية على مستوى الصناعة بأكملها.
ولكن لا يزال هناك متفائلون: يرى ألكانتريا أن في حال سمحت الأوضاع الاقتصادية، فإن صناعة الأسمنت في مصر ستعود لتسجيل نمو عند متوسطها التاريخي بأكثر من 5% سنويا. وقال، “آمل أن يكون عام 2022 أول عام يشهد ذلك”.
أبرز أخبار البنية التحتية في أسبوع:
- من المرجح أن توقع شركة سيمنس الألمانية العقود النهائية لتنفيذ المرحلتين الثانية والثالثة من مشروع القطار الكهربائي السريع بقيمة تصل إلى 6 مليارات دولار خلال الشهرين المقبلين على أقصى تقدير، بحسب ما قالته مصادر بوزارة النقل. وسيربط المشروع السادس من أكتوبر بأسوان والأقصر بالغردقة عبر سفاجا. وكان التحالف المكون من شركات سيمنس وأوراسكوم كونستراكشون والمقاولون العرب وقع عقدا بقيمة 4.5 مليار دولار الشهر الماضي مع الهيئة القومية للأنفاق لتنفيذ وتصميم وتوريد وصيانة الخط الأول من شبكة القطار الكهربائي السريع والذي سيربط بين مدن العين السخنة والإسكندرية والعلمين الجديدة ومطروح بطول 660 كيلومتر.
- يمكن أن تساهم مؤسسة التمويل الأفريقية في تمويل مشروعي القطار فائق السرعة ومونوريل القاهرة، وفقا لما أعلنه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي الأسبوع الماضي.
- أعلنت شركة السويدي إليكتريك الفوز بعقدين بقيمة 1.15 مليار جنيه لإنشاء 3 محطات محولات بوسط وشمال سيناء بنظام تسليم المفتاح. ومن المتوقع بدء تشغيل المحطات الثلاث في غضون 16 شهرا.
- أعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية أنها تتطلع لرقمنة عملية نقل المواد الخام والمنتجات البترولية. وبدأت الوزارة بالفعل في تطبيق نظام سكادا (منظومة التحكم الإشرافي وجمع البيانات) للمراقبة والإشراف على النقل والتوزيع.