لماذا تراقب الأسواق الناشئة تغييرات السياسية النقدية في الدول المتقدمة؟
هل احتياطيات النقد الأجنبي كافية لحماية الأسواق الناشئة من نزوح رؤوس الأموال؟ ليس حقا، حسبما يرى المحافظ السابق لبنك الاحتياطي الهندي دوفوري سوباراو في مقاله بصحيفة فايننشال تايمز. على مدار سنوات، كانت الهند تراكم مخزونا من الدولار الأمريكي، وبدأ الكثيرون يطمئنون لمستوى الاحتياطي النقدي، ولم يكن يشغل بالهم كثيرا، إذ أن الخزائن الهندية كانت مكدسة بالعملة الصعبة. ولكن مستوى الاحتياطي النقدي في الهند أثبت على نحو متزايد أنه ليس مثاليا، حسبما يقول سوباراو. ويضيف قائلا إن الاحتياطيات النقدية يمكن أن تحمي من التقلبات الناجمة عن نزوح رؤوس الأموال الأجنبية، لكنها غالبا ما تفشل في معالجة المصادر الرئيسية للضغط على العملة.
سواء تعلق الأمر بالاحتياطيات الأجنبية أم لا، الضغط الناتج عن نزوح رؤوس الأموال هو أمر دائم: كان البنك المركزي الهندي حريصا على منع الارتفاع المفاجئ للروبية الهندية والسبيل للقيام بذلك هو تخزين الدولار الأمريكي باستمرار. والنتيجة هي تدفق السيولة بالعملة المحلية التي من شأنها أن تُفقد أو تُبتلع في السوق. سياسة البنوك المركزية لبيع السندات توجه المستثمرين الأجانب إلى سوق الأسهم لأنهم يتوقعون تحقيق عوائد أعلى مع بقاء أسعار الفائدة منخفضة. ومن ناحية أخرى، سياسة شراء السندات تحفز تجارة الفائدة وتوجه المستثمرين نحو سوق السندات، مما يرفع أسعار الفائدة.
ويشدد سوباراو على أن بغض النظر عن حجم الاحتياطيات التي تراكمها الأسواق الناشئة، تكون هناك حاجة دائمة لأن تكون البنوك المركزية يقظة لمنع الاضطرابات الناجمة عن النزوح المفاجئ لرؤوس الأموال الأجنبية من أسواق المال.
مصدر القلق الأكبر في الوقت الحالي هو مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والذي أثار اضطرابات في الأسواق العالمية بمجرد الإشارة إلى إمكانية ارتفاع التضخم واحتمالات رفع الفائدة مرتين في عام 2023، وهو موعد مبكر عما كان متوقعا في السابق، وهو الأمر الذي يشير إلى إمكانية عدم تمديد برامج التحفيز المالي التي صاحبت الجائحة.
ألم نقل هذا من قبل؟ نعم، أثيرت خلال الأشهر الأخيرة الفكرة القائلة بأن تراجع الاحتياطي الفيدرالي سيؤدي إلى ارتفاع كبير في عوائد سندات الخزانة الأمريكية، مما يجعل أصول الأسواق الناشئة أقل جاذبية، وبالتالي احتمال تخارج استثمارات بمليارات الدولارات من الأسواق الناشئة. ووصلت الضجة إلى ذروتها في وقت سابق من هذا العام بسبب توقعات الارتفاع الصاروخي للتضخم بعد تفشي الجائحة، والتي دفعت الكثيرين إلى القلق من أن الاحتياطي الفيدرالي سيرفع دعمه النقدي عاجلا أم آجلا لكبح ارتفاع الأسعار، مما يؤدي إلى ارتفاع مفاجئ في عوائد سندات الخزانة ويعيد إلى الأذهان ما يسمى "نوبة فزع الأسواق" عام 2013.
لسنا في 2013: تشير الدلائل إلى أننا نتجه نحو ما يمكن اعتباره "نوبة هدوء" هذه المرة، إذ يبدو المستثمرون هادئين حتى بعد إعلان الاحتياطي الفيدرالي في وقت سابق من يونيو الجاري ارتياحه لإيقاف حزم التحفيز، وهو ما يشير إليه جون هيلسنراث وسام جولدفارب في مقالهما بصحيفة وول ستريت جورنال. هناك سببان محتملان لهذا: أحدهما جيد، والآخر سيئ. الأول هو احتمال تحسن صناع السياسة في الولايات المتحدة في تجهيزنا للتغييرات القادمة، أما الثاني فأكثر "إشكالية"، وهو أن الاحتياطي الفيدرالي قد يضطر في النهاية إلى التحرك بقوة، مما يعني أننا "في انتظار صحوة عنيفة".
هل يبدو ذلك مألوفا؟ في بداية الجائحة، انخفض مخزون البنك المركزي المصري من الاحتياطيات الأجنبية بنحو 10 مليارات دولار من ذروته البالغة 45.5 مليار دولار، مع نزوح رأس المال الأجنبي من البلاد وتوقف قطاع السياحة الحيوي. كما كثف البنك المركزي عمليات شراء السلع الاستراتيجية وتسديد الديون المستحقة. وعلى الرغم من انتعاش احتياطيات العملات الأجنبية منذ ذلك الحين إلى 40 مليار دولار في مايو، فإن خطر هروب تدفقات المحافظ الأجنبية لا يزال قائما.