لماذا يقبل القطاع الخاص على الاستثمار في الرعاية الصحية بمصر؟
لماذا يقبل القطاع الخاص على الاستثمار في الرعاية الصحية بمصر؟ ولماذا لا تزال تلك الاستثمارات غير كافية؟ بلغت استثمارات القطاع الخاص خلال العام المالي 2019/2018 في قطاع الرعاية الصحية 9.3 مليار جنيه، ما يمثل 42% من إجمالي استثمارات القطاع خلال نفس العام، وفقا للبيانات الحكومية. ومن المتوقع أن تزيد تلك الاستثمارات في السنوات العشر المقبلة، كما يتضح في صفقات الدمج والاستحواذ الكبيرة في مجال الرعاية الصحية خلال عام 2020 والربع الأول من العام الجاري. وتعد السوق المصرية جاهزة لاستيعاب خدمات الرعاية الصحية، في ظل عدد السكان الكبير في البلاد وانتشار الأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والالتهاب الكبدي الوبائي (فيروس سي) سابقا. لكن بعيدا عن جائحة "كوفيد -19" والعوامل الأساسية التي كانت موجودة دائما، ما الذي دفع هذا التوسع في خدمات الرعاية الصحية من القطاع الخاص؟
وشجع بدء تنفيذ نظام التأمين الصحي الشامل وبناء مدن جديدة على زيادة الاستثمارات. وقال بعض مزودي الخدمات الرئيسيين في القطاع الذين تحدثت معهم إنتربرايز إن زيادة الأشخاص المؤمن عليهم والمناطق الجديدة التي تحتاج إلى خدمات الرعاية الصحية ترجم إلى زيادة الطلب، الأمر الذي يبشر بالخير بالنسبة لتوقعات المستثمرين للعائد على الاستثمار. لكن تظل هناك مشكلة أساسية، وهي أن المحافظات لا تزال تعاني من نقص الخدمات عندما يتعلق الأمر بخدمات الرعاية الصحية، بسبب نقص الخبرات خارج المدن التي لديها كليات طبية، عدم قدرة المستثمرين من القطاع الخاص على تحقيق مستهدفات العائد على الاستثمار خارج القاهرة والإسكندرية.
وواصلت الاستثمارات في قطاع الرعاية الصحية الارتفاع منذ 2015. وزاد إجمالي الاستثمارات الخاصة المنفذة في القطاع بأكثر من 1.5 مرة بين 2016/2015 و2019/2018 بالقيمة الاسمية، لتصل إلى 9.3 مليار جنيه من الاستثمارات الخاصة، بينما بلغت الاستثمارات العامة 9.8 مليار جنيه في 2019/2018، وفقا لتقرير مشترك صدر في فبراير من دي كود للاستشارات الاقتصادية والمالية والجامعة الأمريكية في القاهرة (بي دي إف).
قصة الدمج والاستحواذ في قطاع الرعاية الصحية خلال 2020 و2021: رصدت إنتربرايز 19 صفقة في مجال الرعاية الصحية خلال 2020، ليأتي القطاع في المركز الثاني في قائمة القطاعات الأكثر نشاطا في صفقات الدمج والاستحواذ، بعد القطاع المصرفي والمالي والذي شهد 32 صفقة. وبين أبرز الصفقات استحواذ الأهلي كابيتال على مستشفى الندى واستحواذ صندوق ازدهار مصر على حصة أقلية في مجموعة التيسير الطبية ورفع مجموعة التيسير الطبية لحصتها في مركز المنصورة الطبي وزيادة ألتا سمبر كابيتال للاستثمار المباشر حصتها في ماكرو القابضة وغيرها. كما تتنافس العديد من الشركات للاستحواذ على حصة 51.4% التي يمتلكها بنك أبو ظبي التجاري في شركة الإسكندرية للخدمات الطبية. وأعلن مؤخرا عن توقف صفقة، كانت لتكون هي الأكبر في القطاع، للاندماج بين مجموعة مستشفيات كليوباترا ومجموعة ألاميدا للرعاية الصحية.
الدور الموسع للقطاع الخاص في مجال الرعاية الصحية يتضح أكثر عندما ننظر إلى حصته في السوق في السنوات العشر الماضية. واعتبارا من عام 2019، استحوذت منشآت الرعاية الصحية التابعة للقطاع الخاص على ما يزيد قليلا عن ربع أسرة المستشفيات في مصر، أي ما يعادل 36 ألف سرير تقريبا، طبقا لتقرير دي كود. وإلى جوار هذا، زادت مستشفيات القطاع الخاص بنسبة 20% من 942 مستشفى إلى أكثر من 1100 مستشفى بين عامي 2009 و2019، مما أدى إلى زيادة حصتها في السوق من 58.8% إلى 63.4%. وارتفع عدد الأسرة الخاصة من 21 ألف سرير في 2009 إلى ما يقرب من 36 ألف سرير في عام 2020، بنمو قدره 70% تقريبا.
لماذا يحدث هذا؟ هناك سببان: التغطية التأمينية، والمدن الجديدة. الانتشار الكبير للتأمين الصحي، بما في ذلك طرح الحكومة منظومة التأمين الصحي الشامل، يعني زيادة مساحة السوق المتاحة للمستثمرين في هذا المجال، كما يوضح حسن فكري، مدير استراتيجية الشركة وعلاقات المستثمرين لمجموعة مستشفيات كليوباترا. بالطبع يؤدي إلى زيادة الطلب وبالتالي زيادة العائد. ويقول الرئيس التنفيذي لمجموعة ألاميدا للرعاية الصحية نيراج ميشرا، إن مشروعات البنية التحتية والمدن الجديدة في مصر تلقت الكثير من الاستثمارات، والتي ستحتاج بدورها إلى خدمات طبية، وهو ما جعل هناك إمكانية للنمو وضخ مزيد من الاستثمارات.
لكن قطاع الرعاية الصحية في مصر أمامه الكثير من العمل: هناك 1.4 سرير لكل ألف شخص و0.8 طبيب لكل ألف شخص في مصر منذ عام 2017، بحسب دي كود، وهو نصف المتوسط العالمي. ويذهب نحو 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي فقط على الرعاية الصحية، ويبلغ متوسط العمر المتوقع 63 عاما. وتحتل مصر مرتبة أقل من السعودية وتونس والأردن في جميع الفئات على مستوى العالم العربي. ويشير التقرير إلى أن متوسط عدد الأسرة لكل ألف شخص في العالم يبلغ 2.9، وعدد الأطباء لكل ألف شخص 1.6.
ما سبب انخفاض مؤشرات الأداء؟ السبب الرئيسي هو التأخر في إضفاء الطابع المؤسسي، فالقطاع الصحي في مصر تسيطر عليه منذ البداية مستشفيات بناها أطباء على أساس تخصصهم، حسبما يقول فكري. ويوضح أن فجوة العرض والطلب تفاقمت بسبب أن القطاع لم يكن مدفوعا بالاستثمار، بل كان يديره طبيب أو عائلة، وهو ما أدى أيضا إلى ظهور المستشفيات المتخصصة وليس العامة، والتي وفرت عددا متزايدا من الأسرة لأنواع معينة من المرضى فقط، وهكذا صار هناك عدد أكبر من الأسرة الخاصة غير المستخدمة.
بلغ هذا ذروته بعدم تكافؤ التوزيع الجغرافي للخدمات: يقع أكثر من 12,700 سرير في مستشفيات القطاع الخاص بالقاهرة والإسكندرية وحدهما، بينما تضم الجيزة 3900 سرير آخر، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. معنى هذا أن ما يقرب من 50% من أسرة مستشفيات القطاع الخاص تتركز في ثلاث محافظات فقط، فيما تنتشر البقية وعددها 19,400 سرير في المحافظات الـ 24 الأخرى. نظريا، يعني هذا أن كل محافظة لديها ما يزيد قليلا عن 800 سرير خاص فقط. أما على أرض الواقع فالوضع مختلف، فمحافظة جنوب سيناء مثلا لديها 18 سريرا متاحا للقطاع الخاص فقط، بحسب التعبئة العامة والإحصاء.
لكن لماذا لا يستثمر القطاع الخاص في مثل هذه المحافظات رغم ارتفاع الطلب بها؟ الإجابة تتلخص في نقص المواهب الطبية وانخفاض الربحية. قد يكون الوصول إلى الأطباء والممرضات في المحافظات صعبا، خاصة إذا لم تكن المدينة تضم كلية طبية، كما يقول فكري. وأضاف أن نقل العاملين من المحافظات التي يوجد لديها كليات طبية إلى أخرى يتطلب دفع رواتب أعلى. وعلاوة على ذلك، فإن متوسط مستويات الدخل في تلك المحافظات أقل من القاهرة والإسكندرية، لذلك لا تستطيع المستشفيات المطالبة بنفس الرسوم التي تفرضها في أماكن أخرى، بل تضطر إلى تحصيل رسوم تناسب المدينة الموجودة فيها.
أبرز أخبار البنية التحتية في أسبوع:
- استخراج المياه من الهواء: ستنشئ شركة ماريوت هيلز محطة متكاملة لاستخراج المياه من الهواء في مدينة العلمين الجديدة بقدرة 50 ألف لتر يوميا وبتكلفة استثمارية 3.4 مليون دولار.
- هل تسعى لشراء قطعة أرض في إحدى المدن الجديدة؟ يجب أن تكون مطورا عقاريا لحدوث ذلك. لم يعد مسموحا لأجهزة المدن الجديدة ببيع قطع الأراضي المخصصة للبناء إلى الأفراد، بعد أن أصدرت وزارة الإسكان تعليمات جديدة لتلك الأجهزة تقتصر بمقتضاها عملية بيع هذه الأراضي على المطورين العقاريين فقط.
- مشاعر متضاربة تجاه مشروعات الطرق الجديدة: لا تجد خطة الحكومة لتطوير شبكة الطرق ترحيبا من قبل المواطنين الذين جرى مصادرة منازلهم لصالح مشروعات توسعة الطرق القائمة أو إنشاء طرق جديدة، وفقا لرويترز.