إتش إس بي سي يؤكد ثقته في آفاق نمو الاقتصاد المصري رغم التحديات
وصفت مذكرة عن بنك إتش إس بي سي الاقتصاد المصري بأنه "أحد أبرز قصص النجاح في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وشرق أوروبا" رغم ما يواجهه من تحديات رئيسية وعراقيل هيكلية. وأوضح كبير اقتصاديي البنك لمنطقة وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا سيمون وليامز، في مذكرة صادرة الأسبوع الماضي، أن الإصلاحات التي اتخذت على مدار السنوات الأربعة الماضية وضعت الاقتصاد في مكانة قوية، تسهل له التعافي من صدمة "كوفيد-19" والتكيف مع ما قد يشهده المستقبل من تقلبات اقتصادية، إلا أن تراكم الديون وضعف مصادر العملة الصعبة وقلة الاستثمارات تشكل تحديات جدية لصناع القرار في البلاد.
وأبدى البنك تفاؤله بشأن تعافي الاقتصاد المصري، متوقعا استئناف النمو في النصف الثاني من 2021. وأشارت المذكرة إلي أنه من المتوقع أن يحقق الاقتصاد نموا بمعدل 2.5% خلال العام المالي الجاري 2021/2020، وبمعدل يقترب من 5% خلال العام المالي المقبل 2022/2021. وأوضحت أن النشاط الاقتصادي سيستعيد زخمه خلال النصف الثاني من العام الجاري بدافع من ارتفاع الاستهلاك المحلي المدعوم بتحويلات المصريين في الخارج، والتي قفزت إلى مستويات قياسية خلال الربع الثالث من 2020. وأبدى البنك ثقته في جذب السياحة المصرية لمزيد من الزائرين مع نهاية العام الجاري. إضافة إلى ذلك، قال البنك إن التعافي القوي المفاجئ في أوروبا، وهي أكبر الشركاء التجاريين لمصر، سيساعد في دعم حركة الصادرات وانتعاش التعافي.
لكن يجب النظر لما هو أبعد من الاستهلاك: بعيدا عن الاستهلاك، من الصعب رؤية بوادر انتعاش أوسط للنشاط الاقتصادي، حسبما كتب وليامز، مشيرا إلى انكماش نشاط القطاع الخاص غير النفطي خلال شهري يناير وفبراير الماضيين.
وإليكم أبرز المخاطر المحدقة بالتعافي الكامل:
- استمرار انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر المحقق لإنتاج فعلي، والتي تعد في مصر بين الأقل في دول وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا. ويوضح وليامز أن الاستثمارات الحالية يهيمن عليها القطاع العام، وهو تناقض صارخ مع شهية المستثمرين الأجانب المفتوحة تجاه العائدات الكبيرة التي تقدمها سندات الحكومة بالجنيه المصري، إضافة لمعدلات الإنفاق الاستهلاكي القوي والمستمرة في الارتفاع. ويضيف وليامز: "على الرغم من أن الاستهلاك محفز قوي للنمو قصير المدى، فإن الاستثمار هو ما يستغل الإمكانات على المدى الطويل". وأدى خفض أسعار الفائدة بإجمالي 400 نقطة أساس على مدار العام الماضي إلى تحقيق قوة دافعة للإنفاق الرأسمالي، ولكن ذلك أيضا "مهدد بالتلاشي" مع انتهاء أو قرب انتهاء برامج البنك المركزي لدعم الاقتصاد لصالح القطاعات الأكثر تضررا من تداعيات "كوفيد-19"، بحسب وليامز.
- لم تدعم حركة التجارة العالمية النمو بشكل حقيقي أثناء الجائحة، لأن تحسن الميزان التجاري يعود إلى تراجع الواردات وليس ارتفاع الصادرات، بحسب وليامز، الذي يشير إلى الخلل المتأصل في الحساب الجاري المصري، والناتج عن الضعف الدائم للصادرات مقارنة بالواردات، والذي يحقق عجزا كبيرا في الميزان التجاري، ولا يساعد على تحسينه سوى الأداء الجيد لقطاع الخدمات. وعلى المدى المتوسط، تلك الميزة قد لا تكون موجودة بسبب تراجع السياحة وضعف تحويلات المصريين في الخارج، كما يمثل ارتفاع أسعار النفط والواردات من السلع الغذائية تهديدا آخر للحساب الجاري.
- قفزة أسعار السلع عالميا ربما تقوض من قدرة البنك المركزي على تخفيف الإجراءات: إذا استغرق التعافي وقتا أطول، من المحتمل أن تزداد الضغوطات للدفع بمزيد من سياسات التيسير النقدي. لا يزال البنك المركزي قادرا على خفض سعر الفائدة، لكن قد يكون ذلك صعبا في حال استمرار قفزة أسعار السلع الغذائية وأسعار الطاقة. وربما يجعل أي خفض إضافي لأسعار الفائدة أدوات الدين المقومة بالجنيه أقل جاذبية للمستثمرين الأجانب، ولن يساعد إذا اتخذ قبل تعافي مصادر العملة الأجنبية الأساسية الأخرى (السياحة والتحويلات النقدية بالعملة الأجنبية)، وفقا لما أوضحه وليامز.
الأوضاع المالية باتت على أسس أكثر ثباتا: دفعت الإصلاحات الضريبية وخفض الإنفاق بالأوضاع المالية العامة إلى وضع أفضل لاحتواء الصدمة الاقتصادية التي سببتها الجائحة، ومكنت الحكومة من تقديم دعم مالي والعمل على الحد من وطأة "كوفيد-19" على عجز الميزانية. وكانت العائدات قوية على غير المتوقع، مدعومة بجهود وزارة المالية لتوسيع القاعدة الضريبية، والسياسات التي اتخذت في فترة الوباء والتي تهدف لضم الاقتصاد غير الرسمي، مثل دعم الدولة للشركات الصغيرة والمتوسطة عند التسجيل في القطاع الرسمي، حسبما كتب وليامز.
استمرارية القدرة على تحمل الدين الحكومي: نجحت وزارة المالية في إطالة متوسط أجل استحقاق الدين الحكومي إلى ما يزيد قليلا عن ثلاث سنوات في العام المالي 2020/2019، وذلك بعد أن كان أقرب إلى 12 شهرا في العام المالي 2013/2012، ما أدى إلى تخفيف تكاليف خدمة الدين قصير الأجل. ويلعب التمويل الأجنبي دورا أكبر الآن في المزيج التمويلي. ورغم أن نسبة الديون الخارجية لا تزال منخفضة بالمقاييس العالمية عند 20% من إجمالي الدين، فإن ويليامز يشير إلى وجود مساحة للنمو. ومع ذلك، تعافت الحيازات الأجنبية في أدوات الدين الحكومية وتجاوزت مستويات ما قبل الجائحة إلى 29 مليار دولار الشهر الماضي، محققة تعافيا كاملا من الموجة البيعية لديون الأسواق الناشئة التي سببتها الجائحة العام الماضي.
لكن مستويات الديون المرتفعة والعجز المالي الكبير لا يزالان يثيران مشاكل: بينما يتقلص عجز الميزانية، ما زال "عبء الديون المتراكمة" دون حل، كما أنه ليس دوريا فقط. ويقول وليامز إن "تكاليف خدمة الديون الكبيرة، التي تشكل نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي، تمتص ما يعادل 60% من كل العائدات ونحو 90% من الضرائب. ومع تزايد حاجة خزائن الدولة للتمويل الخارجي، يحتاج الاقتصاد إلى الحفاظ على معدل نمو حقيقي بنسبة 5.5% (ومعدل نمو اسمي بنحو 14%) لدفع مخزون الديون إلى الانخفاض بصورة مستدامة، بما لا يدع مجالا للخطأ".
مع ذلك، لا يزال هناك المزيد من السياسات العامة للعمل عليها: لدينا حتى الآن المستويات المنخفضة للمدخرات الوطنية، والمشاركة الكثيفة للدولة في الاقتصاد، وتكوين رأس المال الضعيف، وترتيب بيئة عمل المؤسسات الذي لا يزال منخفضا، فضلا عن المستويات المرتفعة للفقر. ويعاني الناتج المحلي الإجمالي لمصر كذلك من "اختلال هيكلي ملحوظ"، يرجع إلى انخفاض مستوى صادرات السلع وضعف الأجور الفعلية. وهو ما يعني أن عنصر الاستهلاك في تركيبة الناتج المحلي الإجمالي يطغى على الاستثمار، الذي يعد ركيزة نمو طويل الأجل وأكثر استدامة، فضلا عن كونها محركا لنمو أكثر شمولا.
السلطات تدرك أوجه القصور الهيكلية هذه، حسبما يضيف وليامز، وقد قدمت منذ عام 2017 مسودة تضم مجموعة من الإجراءات لإصلاح المناخ الاستثماري ومنح الأولوية لقطاعات التصدير.
يمكنكم قراءة ملخص للتقرير من هنا (بي دي إف).