كيف يؤثر ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية على الجنيه والأسهم والسندات المصرية؟
كيف يؤثر ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية على مصر؟ مع تحقيق السندات والأسهم والعملات في الأسواق الناشئة خسائر بسبب ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية في الأسابيع الأخيرة من أدنى مستوياتها خلال جائحة "كوفيد-19"، ربما تتعرض تجارة الفائدة في مصر لضغوط. ويقول المحللون الذين تحدث إنتربرايز إليهم إن احتياطات النقد الأجنبي واستقرار الجنيه، بالإضافة إلى السعر الحقيقي المرتفع الذي تقدمه الديون المصرية تجعلنا أكثر أمانا على المدى المتوسط.
لكن لو استمرت الزيادة في عوائد سندات الخزانة الأمريكية على المدى الطويل، وعمّ التضخم دول العالم مع التعافي من الوباء، فربما يخلق هذا مشاكل لاستثمارات المحافظ الأجنبية ويضغط على الجنيه، ويؤدي كذلك لتقليل اهتمام المستثمرين الأجانب بالبورصة المصرية.
لهذا سألنا الخبراء: توجهنا إلى رئيسة قطاع البحوث في بنك الاستثمار فاروس رضوى السويفي، والمحللة الأولى للاقتصاد الكلي وقطاع الخدمات المالية بشركة إتش سي للأوراق المالية والاستثمار مونيت دوس، ورئيس وحدة بحوث الاقتصاد الكلي بالمجموعة المالية هيرميس محمد أبو باشا، وكلهم شرفونا بتخصيص وقت لمساعدتنا على استيعاب الآثار الأوسع لما يحدث.
إلى أي حد زادت العوائد الأمريكية؟ ارتفعت عائدات سندات الخزانة لأجل 10 سنوات فوق 1.6% في أواخر فبراير، بعد أن أغلقت عام 2020 عند مستوى أقل بكثير من 1%. وتراجعت العوائد في بداية مارس، لكن تمرير حزمة التحفيز المالي التي اقترحها الرئيس جو بايدن والبالغة 1.9 تريليون دولار يوم السبت أعادها إلى أعلى مستوى خلال عام، ومنذ ذلك الحين تتأرجح في نطاق 1.5-1.6%.
باختصار، تقدم سندات الخزانة الآن أرباحا للمستثمرين أعلى مرة ونصف مما كانت عليه خلال الوباء. وتسببت الزيادة في تراجع مؤشر إم سي إس آي لأسهم الأسواق الناشئة إلى أدنى مستوى له في شهرين خلال بداية الأسبوع الثاني من مارس، وهو ما يعيد إلى الأذهان ما يسمى بـ "نوبة فزع الأسواق" في عام 2013، حين بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في التراجع عن برنامجه الضخم لشراء السندات، مما هبط بسعرها وفتح الباب أمام هجرة رأس المال من الأسواق الناشئة. ولا يزال القلق مرتفعا بشكل خاص لأننا على وشك رؤية موجة أخرى من التدفقات الخارجة، خاصة بعد عدم إشارة بيان رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول الأسبوع الماضي إلى أن البنك ينوي التصرف لوقف ارتفاع عائدات الخزانة.
مصر في الطرف الآمن.. على الأقل على المدى المتوسط: تقول رضوى السويفي لإنتربرايز إن مصر "محمية نسبيا" من ارتفاع عوائد سندات الخزانة، فالديون المقومة بالجنيه تدر عوائد عالية ومخاطر أقل مقارنة بالأسواق الناشئة الأخرى. ولا تزال المعدلات الحقيقية لسندات الجنيه (أو معدل عائد التضخم) تحتل مكانها ضمن أعلى المعدلات في العالم، إلى جانب أن مصر كانت واحدة من دول قليلة نما اقتصادها رغم الوباء، بحسب السويفي.
تعافت حيازات الأجانب من أدوات الدين المصرية وتجاوزت مستواها قبل انتشار الجائحة، إذ وصلت لـ 29 مليار دولار بنهاية الشهر الماضي. وجاء ذلك عطفا على عمليات البيع واسعة النطاق التي شهدتها الأسواق الناشئة بين مارس ومايو بسبب "كوفيد-19"، عندما تخلص المستثمرون من 60% من حيازاتهم. لكن لو حدث ارتداد للتدفقات الوافدة مع استمرار عوائد سندات الخزانة الأمريكية في الارتفاع، فمن المرجح أن يضع هذا ضغطا على الانتعاش.
مؤخرا، استبعد بنك إتش إس بي سي مصر من قائمة الأسواق الناشئة الأكثر عرضة للاضطرابات، وهي القائمة التي تضم دولا لها تاريخ في صعوبة إدارة عجز الحساب الجاري أو لديها ديون كبيرة حاليا، بالإضافة إلى ديون يحتفظ بها الأجانب في الغالب، مثل البرازيل وإندونيسيا والمكسيك وجنوب أفريقيا. في المكسيك مثلا، يمتلك الأجانب 46% من الديون الحكومية بالعملة المحلية، بينما لم يتجاوز الرقم في مصر 12% بنهاية السنة المالية 2020/2019، بحسب بيانات البنك المركزي المصري (بي دي إف). ورغم أننا ما زلنا أقل عرضة للخطر نسبيا، فإن ارتفاع الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي (يبلغ 87% حاليا)، بالإضافة إلى المشاكل الهيكلية، يمكن أن يؤثر في قدرتنا على التعامل مع الصدمات طويلة الأجل.
مخزون الاحتياطي الأجنبي القوي في مصر ساعد على استقرار الجنيه: تؤكد السويفي أن البنك المركزي والنظام المصرفي يعملان على بناء مخزون جيد من احتياطي العملات الأجنبية وصافي الأصول الأجنبية، مما يتيح استمرار استقرار سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، والقضاء على المخاطر التي قد يواجهها المستثمرون نتيجة الانخفاض المفاجئ في قيمة العملة. وتلفت إلى أن مخزون الاحتياطات ساعد الجنيه في البقاء على حاله، حتى عندما أدت عمليات البيع الناتجة عن الوباء في الأسواق الناشئة خلال 2020 إلى سحب ما يقرب من 10 مليارات دولار من محافظ السندات بالجنيه. وارتفع احتياطي النقد الأجنبي بنحو 100 مليون دولار في فبراير لينهي الشهر عند 40.2 مليار دولار، لكن رغم هذا لا تزال الأرصدة دون المستوى القياسي البالغ 45.5 مليار دولار، والذي وصلت إليه بنهاية فبراير 2020.
توقعات انخفاض الجنيه هذا العام كلها هامشية: ربما تنخفض قيمة العملة أمام الدولار بنسبة 3% بحلول نهاية العام، مع توقع ارتفاع التضخم لدينا خلال العام الجاري بسبب ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة وأوروبا الشركاء التجاريين الرئيسيين لمصر، حسبما تخبرنا مونيت دوس. ومن شأن هذا أن يصل بسعر الجنيه مقابل الدولار إلى ما يزيد قليلا عن 16 جنيها، من متوسطه الحالي البالغ 15.66 جنيه. وتوصلت شركة فاروس القابضة إلى توقعات قريبة أيضا في أواخر العام الماضي، ببلوغ سعر الصرف نحو 16 جنيها مقابل الدولار خلال 2021/2020، واستمراره على ذلك المتوسط لثلاث سنوات مقبلة.
لكننا قد نواجه مزيدا من التقلبات: رغم كوننا في حالة جيدة نسبيا، لا يزال الاقتصاد المصري أكثر هشاشة مما كان عليه قبل انتشار الوباء، حسبما يوضح محمد أبو باشا لإنتربرايز، مشيرا إلى أن الاحتياطيات الأجنبية لا تزال أقل من ذروتها في فبراير 2020. ويخبرنا أبو باشا أن هذا يعني أن البنك المركزي لديه الآن مساحة أقل "نسبيا" لمواجهة التدفقات الحادة للمحافظ أو فقدان مصدر رئيسي للعملة الأجنبية، خصوصا مع استمرار الجائحة في التأثير على عائدات السياحة.
… وقد تتراجع التدفقات قليلا: زاد الأجانب حيازاتهم بمتوسط شهري قدره 1.25 مليار دولار منذ بداية العام وحتى الآن، بانخفاض عن متوسط قدره 2.2 مليار دولار عندما كنا في مرحلة التعافي من ركود الوباء في النصف الثاني من عام 2020، كما تقول دوس. وتضيف أن "أدوات الخزانة المصرية تواجه حاليا منافسة أعلى بسبب ارتفاع العائدات في الولايات المتحدة وتركيا … وينعكس هذا بوضوح … على زيادة عوائد أذون الخزانة لأجل 12 شهرا وارتفاعها بمقدار 30 نقطة أساس منذ بداية عام 2021". وبالإضافة إلى هذا فإن التضخم العالمي آخذ في الارتفاع، مما يزيد من مخاطر التضييق النقدي وارتفاع أسعار الفائدة.
يلوح في الأفق مزيد من إجراءات التشديد النقدي: لا يتوقع أبو باشا أن تتغير نسب الفائدة المنخفضة عالميا في وقت قريب، لكنه يشير إلى أن البنوك المركزية ربما تبدأ في تشديد سياساتها تدريجيا، كما يمكن أن يتخذ البنك المركزي المصري إجراءات مماثلة لحماية التدفقات الأجنبية. لكن هذا قد يكون تراجعا عن سياسة التيسير النقدي للبنك، مما يفتح الباب أمام المزيد من الإنفاق الرأسمالي.
ماذا عن تأثير العائدات الأمريكية المرتفعة على البورصة المصرية؟ تشير السويفي إلى أن المستثمرين الأجانب ليسوا اللاعبين الرئيسيين، لذلك لن تكون العائدات الأمريكية عاملا مؤثرا في جذب المزيد منهم. وتوضح أن العامل المؤثر هو انعدام الطروحات الجديدة في البورصة، فالأجانب عادوا إلى سوق الأسهم المصرية بقوة لمرة واحدة مع طرح شركة فوري للمدفوعات الإلكترونية عام 2019. وتضيف السويفي أن قطاعي التكنولوجيا المالية والبنوك هما أبرز ما يجذب الأجانب، بسبب ضعف اختراق سوقهما.
البورصة المصرية تعاني من قلة الطروحات الجديد خلال السنوات الماضية، ففي بداية عام 2020 طُرحت شركة واحدة هي إميرالد للاستثمار العقاري، وهي شركة ذات رأسمال متوسط، وكان ذلك قبل بداية جائحة "كوفيد-19". هناك قائمة بعدد من الطروحات المتوقعة في العام الحالي، بينها حصة 49% من شركة "تعليم لخدمات الإدارة" التابعة لسي آي كابيتال، وشركة ابتكار للخدمات المالية غير المصرفية خلال النصف الثاني من العام، إضافة لطرح مزدوج لشركة التشخيص المتكاملة القابضة المدرجة في بورصة لندن.
أداء السوق:
أغلق مؤشر EGX30 جلسة الأربعاء متراجعا بنسبة 0.9%، بإجمالي قيم تداول بلغت 1.5 مليار جنيه (1.6% فوق المتوسط اليومي على مدار الـ 90 يوما الماضية)، ليبقى المؤشر الرئيسي في المنطقة الحمراء لليوم الثاني على التوالي. وكان المستثمرون الأجانب وحدهم صافي بائعين بختام الجلسة. وبذلك يكون المؤشر قد صعد بنسبة 3.6% منذ بداية العام الجاري.
في المنطقة الخضراء: أوراسكوم للاستثمار (+4.9%)، سي آي كابيتال (+1.3%)، وسيدي كرير للبتروكيماويات (+1.3%).
في المنطقة الحمراء: حديد عز (-2.5%)، وفوري (-2.5%) ومصر الجديدة للإسكان (-2.1%).