كيف أنشأت مصر أولى محطاتها المركزية للنقل؟
كيف أنشأت مصر أولى محطاتها المركزية للنقل؟ افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرا المرحلة الرابعة من الخط الثالث لمترو أنفاق القاهرة بتكلفة 32 مليار جنيه، والتي تضم ست محطات آخرها محطة عدلي منصور، وهي أول محطة تبادلية لوسائل النقل المختلفة في مصر. وتعتبر من المحطات المركزية الرئيسية التي تربط بين العاصمة الإدارية الجديدة وأجزاء مختلفة من الدولة. وإلى جانب احتوائها على منطقة تجارية، ستعمل المحطة كمجمع نقل متكامل الخدمات يربط بين خمس وسائل نقل مختلفة، هي خط المترو، والقطار الكهربائي، والسكة الحديد، والسوبر جيت، وأتوبيس النقل السريع.
محطة النقل المركزية تربط كل هذا معا: لو سبق وسافرت خارج مصر فربما تتذكر واحدا على الأقل من هذه المحطات، مثل محطة روتردام المركزية، أو كينجز كروس في لندن، أو محطة جامعة هونج كونج، وكلها أمثلة شهيرة. ولم تعد المحطات المركزية مجرد مكان يصل إليه المسافرون أو يغادرون منه، بل مكان يستوعب أيضا المرافق الموجودة داخل وحول المحطة، ما يحول المنطقة كلها إلى قبلة للناس، وهو ما توضحه مؤسسة أركاديس الهولندية للتصميم والهندسة (بي دي إف). ومع استمرار التوسع في المدن الجديدة، صار التنقل قضية أكثر إلحاحا للسكان. ففي مصر مثلا، تتزايد الأوقات التي يقضيها الفرد في المواصلات، وتتعرض البنية التحتية للنقل لضغط أكبر من أي وقت مضى. وفي ظل وجود أكثر من ربع السكان في القاهرة الكبرى، بالإضافة إلى ملايين الركاب من المحافظات الأخرى، أصبح تمديد خط المترو للربط بين شرق القاهرة وغربها عبر الخط الثالث حاجة ملحة. ومن المؤكد أن مثل هذا المشروع يخلق مزيدا من السيولة المرورية المطلوبة للفترة المقبلة، خاصة مع بناء العاصمة الإدارية الجديدة، بحسب ما أخبرنا به مسؤولون في شركة أوراسكوم كونستراكشون.
عانت مصر من خلل في الخريطة العمرانية حتى عام 2014، لعدم قدرتها على استيعاب الزيادة السكانية وتسهيل الوصول إلى وسائل النقل في السنوات الماضية، لذلك كان تحسين البنية التحتية للنقل عنصرا رئيسيا في خطة التنمية الاقتصادية، وفق ما ذكره رئيس الوزراء مصطفى مدبولي. ودفع هذا الحكومة إلى مد أكثر من 7 آلاف كيلومتر من الطرق الجديدة بتكلفة 175 مليار جنيه، بحسب وزير النقل كامل الوزير.
وأدت تلك الجهود إلى رفع مؤشر جودة الطرق في مصر 90 مركزا في خمس سنوات ليصل إلى المركز 28 في تقرير التنافسية العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2019 (بي دي إف)، من المركز 118 في تقرير عام 2014 (بي دي إف).
وبجوار بناء طرق جديدة وتطوير الطرق القديمة، تعمل الحكومة أيضا على تنفيذ مشروعات في قطاع النقل بتكلفة 6.6 تريليون جنيه، ومنها على سبيل المثال مطارات جديدة و174 محطة سكة حديد قيد التطوير حاليا، وفق الوزير.
المترو هو أحد المكونات الرئيسية للمحطة: يمتد الجزء الثاني من المرحلة الرابعة للخط الثالث مع امتداد شارع جسر السويس، ويبدأ من محطة النزهة تليها محطات هشام بركات، قباء، عمر بن الخطاب، الهايكستب، ثم محطة عدلى منصور، ثم ورشة العمرات الجسيمة المجاورة لها. وستكون المرحلة الرابعة جزءا رئيسيا من الخط الثالث، ومن المتوقع أن يخدم نحو مليون ونصف راكب يوميا. كما أنها سيخفف من الازدحام المروري في شرق القاهرة، ويوفر للركاب بديلا أسرع للتنقل، وفقا لموقع ريلواي تكنولوجيز. وتولت شركتا المقاولون العرب وأوراسكوم كونستراكشون أعمال المقاولات الرئيسية في هذه المرحلة.
لم يكن بناء هذه المرحلة سهلا، إذ تقع المحطات الست في مناطق ذات حركة مرور كثيفة، ما أجبر الشركات على بناء محطات مرتفعة عن سطح الأرض، إلى جانب كوبري بطول 7.5 كيلومتر. وفي بداية المشروع، درست شركة أوراسكوم الوضع في شارع جسر السويس والمرافق الموجودة تحت الأرض، ووجدت أنها لن تستطيع اتباع أساليب الإنشاء المعتادة، لذا كان عليها أن تبتكر حلولا جديدة.
هذه المشاكل، والحاجة إلى سيولة وحلول سريعة، دفعت الحكومة إلى دراسة فصل الهيئة القومية للأنفاق لتصبح هيئة استثمارية مستقلة، لقطع الاعتماد على التمويل الحكومي والحفاظ على عملياتها لتغطية نفقات التشغيل، التي قال وزير النقل إنها تبلغ نحو 8 مليارات جنيه، نصفها فقط تغطيها الإيرادات.
وفي غضون ذلك، بدأ العمل بالفعل في مشروع المونوريل. ووضعت أوراسكوم كونستراكشون، بالتعاون مع بومباردييه والمقاولون العرب، حجر الأساس لمشروع مونوريل العاصمة الإدارية الجديد بتكلفة 4.5 مليار دولار، والذي يربط شرق القاهرة من محطة عدلي منصور، بالعاصمة الجديدة. وتعاقد التحالف الثلاثي على تصميم وبناء وتوريد وتشغيل خطين، أحدهما يربط مدينة السادس من أكتوبر بالجيزة، والآخر مدينة نصر بالعاصمة الإدارية الجديدة، مع تشغيل وصيانة الخطين لمدة 30 عاما. ومن المتوقع أن تبدأ بومباردييه تصنيع عربات القطارات للخطين خلال الشهر الجاري.
ولخفض تكاليف كل مشروعات السكك الحديدية هذه، قررت وزارة النقل التعاون مع شركات عالمية لإنشاء مصنع للقطارات وعربات المونوريل وقطع غيار السكة الحديد والمترو. وتجري المنطقة الاقتصادية لقناة السويس والصندوق السيادي محادثات مع وزارة النقل لإنشاء المصنع.
هذا المصنع لن يخدم القاهرة فحسب، بل سيساعد مصر في سعيها لإصلاح نظام السكك الحديدية بأكمله. وخصصت الحكومة 141 مليار جنيه للإنفاق على تأهيل نظام السكك الحديدية في البلاد حتى عام 2022، وهو ما تحتاج إليه بشدة. وتعتمد الخطة، التي تأمل الحكومة أن تخدم مليوني راكب يوميا بحلول 2022، على تحديث البنية التحتية الحالية للسكك الحديدية، وتطوير خطوط جديدة، وشراء قاطرات وعربات احتياطية. وقد ألقينا نظرة فاحصة على هذا الموضوع في عدد سابق من هاردهات، وتوصلنا إلى أن الخطة قد تكون طموحة للغاية، لكنها أفضل من عدم وجود خطة على الإطلاق.
رحلة طويلة منذ أول خط مترو: كان افتتاح أول خط للمترو في عام 1989. وشاركت المقاولون العرب حينها في الإنشاء بصفتها الشركة المصرية الوحيدة، إلى جانب سبع شركات فرنسية برئاسة إنترينفيرا.
لكن مع التفكير في إنشاء خط ثان، أرادت شركات مصرية أخرى المشاركة. وانضمت أوراسكوم كونستراكشون إلى الشركات العاملة في بناء شبكة مترو القاهرة الكبرى منذ عام 1989، وبدأت أعمال مد المسارات للجزئين الأول والثاني من المرحلة الأولى للخط الثاني. وعلى مدار الثلاثين عاما الماضية، دخلت الشركة في شراكة مع مؤسسات دولية رئيسية مثل فينسي وبويج وإلستوم وتاليس، حسبما أكد مسؤولون بالشركة لإنتربرايز.
والآن، صارت الشركات المصرية جاهزة لأخذ زمام المبادرة: من خلال هذه الشراكات الاستراتيجية، تمكنت أوراسكوم كونستراكشون والمقاولون العرب من الإلمام بالمعرفة اللازمة لتنفيذ المشروع بالكامل مع شريك محلي، كما أخبرنا مسؤولو أوراسكوم. وتمكنت الشركة من تسليم مشروع الجزء الثاني من المرحلة الرابعة للخط الثالث بالكامل في الوقت المحدد، بعد أن وفرت أكثر من 560 مهندسا و4600 فني وعامل لتشغيل 390 معدة على مدار 38 مليون ساعة عمل خلال أربع سنوات، وفقا لليوم السابع. وتشارك أوراسكوم الآن في جميع مراحل المترو تحت الإنشاء، بما فيها الأعمال المدنية والكهروميكانيكية للمرحلة الثالثة من الخط الثالث، والتي تشمل 15 محطة (8 محطات تحت الأرض، و5 محطات مرتفعة عن الأرض، ومحطتان على الأرض)، والهياكل الملحقة، ومنطقة المخازن، وورشة إصلاح الإنارة، بإجمالي طول 17.7 كيلومتر من العتبة إلى محطة الكيت كات، ثم تتفرع إلى فرعين يخدمان إمبابة والمهندسين حتى جامعة القاهرة.