كيف أحدثت "كورونا" طفرة في مشتريات أسهم الخزينة في مصر؟
مشتريات أسهم الخزينة تزدهر في مصر: منذ مارس الماضي رفعت الشركات المدرجة في البورصة من عمليات شراء أسهم الخزينة، كردة فعل على الاضطرابات المالية العالمية التي سببها انتشار فيروس "كوفيد-19". ومع هبوط المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية EGX30 في مارس الماضي لأدنى مستوى منذ ثلاث سنوات ونصف السنة، وتسجيله خسائر يومية غير مسبوقة منذ عام 2012، سارعت الشركات المدرجة بالبورصة إلى شراء أسهم الخزينة، فيما يعد بالنسبة للسوق المصرية إجراء تصحيحي جديد نسبيا لمواجهة الأزمات المالية.
أولا، ما هي أسهم الخزينة؟ ِشراء أسهم الخزينة هو أن تقوم شركة ما بإعادة شراء عدد من أسهمها المطروحة في البورصة بسعر السوق، لترفع نسبة ملكيتها من الأسهم المطروحة. ويعد هذا إجراء منتشر عالميا منذ ثمانينات القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين، تصاعد هذا الاتجاه إلى مستويات أثارت قلق بعض المحللين.
وعلى عكس ما يجري عالميا، كان شراء أسهم الخزينة أمرا نادرا في السوق المصرية وليس أمرا معتادا، وذلك حتى أصدرت الهيئة العامة للرقابة المالية في بداية مارس الماضي إجراءات استثنائية بصفة مؤقتة تسمح للشركات المقيدة بالبورصة المصرية بإخطار إدارة البورصة في ذات اليوم المقترح لتنفيذ شراء أسهم خزينة بدلا من إخطارها قبلها بثلاثة أيام، وذلك وسط تقلبات أسعار الأسهم في خضم الذعر المتنامي بالأسواق المالية العالمية آنذاك بسبب جائحة "كوفيد-19".
وأدى قرار الهيئة إلى موجة شراء غير مسبوقة: أكثر من 20 شركة مدرجة بالبورصة المصرية سارعت بإعادة شراء أسهمها من السوق، بنسب تراوحت من 0.5% إلى 2.5% من الأسهم المطروحة منذ قرار "الرقابة المالية". وشمل ذلك العديد من الشركات الكبرى بالبورصة مثل أوراسكوم للتنمية مصر، والسويدي إليكتريك، وجي بي أوتو، وبالم هيلز، ومدينة نصر للإسكان (طالع هنا وهنا).
ما المنطق وراء الطفرة في عمليات إعادة شراء الأسهم؟
دعم السعر: تساعد عمليات إعادة شراء الأسهم في دعم سعر سهم الشركة (ولو مؤقتا فقط) – من خلال تقليل عدد الأسهم حرة التداول المتاحة للتداول بين عموم المستثمرين في السوق، وليست مغلقة على الجهة الرئيسية المالكة والمديرة للشركة، مما يزيد من مكرر ربحية السهم ويرفع الطلب عليه.
إخراج الباعة المذعورين من السوق: يقول هاني برزي الرئيس التنفيذي لشركة إيديتا للصناعات الغذائية التي اشترت منذ مارس الماضي 2.3 مليون سهم، تمثل 0.32% من إجمالي أسهم الشركة، إن هناك أناس يصابون بحالة من الذعر ويبيعون السهم بأي سعر. وهذا بالطبع يجعل المستثمرين الآخرين متوترين. لذلك تتدخل الشركات وتشتري حصة من أسهمها من السوق المفتوحة فتتخلص من عمليات البيع المذعور. وبعد ذلك يتجدد النشاط حول السهم ويعود المستثمرون الآخرون لشرائه مرة أخرى، وفقا لبرزي.
وهي أيضا طريقة لبث الثقة في المستثمرين: بالنسبة لشركة الاستثمار المباشر بي إنفستمنتس، فإن انهيار السوق في مارس جعل من الضروري "إرسال إشارة واضحة" إلى المستثمرين بأن الشركة تؤمن بأن أسهمها تتداول بسعر أقل من قيمتها الحقيقية، حسبما يقول مدير علاقات المستثمرين بالشركة عمر لبان في تصريحات لإنتربرايز. وعبرت عمليات إعادة الشراء عن الثقة في السهم، وقد انعكس ذلك في ارتفاع الطلب من جانب المستثمرين، والذي تضاعف بأكثر من 8 مرات، وفقا للبان، والذي أضاف أن "قبل بدء عمليات إعادة الشراء في 29 مارس كان التداول اليومي يبلغ نحو 6.5 ألف سهم يوميا، وارتفع التداول اليومي إلى 50-60 ألف سهم يوميا بعد عمليات إعادة الشراء". ومنذ أواخر مارس، اشترت الشركة نحو 800 ألف سهم تمثل 0.51% من إجمالي أسهم رأسمال الشركة.
تراجع السعر جعل إعادة الشراء أمرا مغريا في حد ذاته: يمكن للشركات استخدام عمليات إعادة الشراء للاستثمار في نفسها عندما تعتقد أن الأسهم مقومة بأقل من قيمتها. وعلى سبيل المثال، أعادت شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير شراء 7 ملايين سهم، تمثل 0.5% من إجمالي رأس مال الشركة منذ انهيار السوق في مارس. وقال صلاح قطامش مدير علاقات المستثمرين في شركة مدينة نصر للإسكان "نعتقد أنها كانت فرصة جيدة للشراء. كان السعر منخفضا للغاية، وكان لدينا أموال إضافية".
والمحللون يتفقون: قال سايمون كيتشن، محلل الاستراتيجية والبحوث لدى المجموعة المالية هيرمس، في تصريحات لإنتربرايز: "بدت أسعار الأسهم في مارس رخيصة للغاية … ومع قيام البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة بنسبة كبيرة في مارس، انخفضت تكلفة الفرصة البديلة لإعادة شراء الأسهم". وأضاف: "كانت التوقعات الخاصة بالطلب غير واضحة أيضا في ذلك الوقت، لذا ربما رأت الشركات أن عمليات إعادة شراء أسهمها ستكون بمثابة استخدام جيد لما لديها من سيولة". وقال ألن سانديب، رئيس قسم البحوث لدى شركة نعيم للوساطة، إن الشركات كانت تتوقع تحقيق قيمة أكبر من خلال عمليات إعادة الشراء أكثر من الاستثمار الرأسمالي. وتابع: "الأسهم المصرية تعرضت لتراجعات حادة. وقد أدت المخاوف التي تسبب فيها الوباء إلى سوء تسعير حاد للأسهم … لذا نحن الآن في وضع ترى فيه الشركات قيمة أكبر في الاستثمار في أسهمها، من خلال إعادة الشراء، من القيام باستثمارات جديدة ".
هيئة الرقابة المالية تيسر اللوائح: شدد كيتشن على أن اتجاه هيئة الرقابة المالية لتيسير اللوائح كان أيضا عاملا محركا وراء الزيادة الكبيرة في عمليات إعادة شراء الأسهم. وأكد مسؤول بالهيئة على وجهة النظر هذه، وقال في تصريحات لإنتربرايز: "أردنا اتخاذ القرار الصواب فيما يتعلق بالسياسة وفي الوقت المناسب". وأضاف: "نظرا للتقلبات التي شهدتها السوق في مارس، فإن إعطاء الشركات الفرصة لإعادة شراء أسهمها على الفور بدلا من الاضطرار إلى الانتظار 72 ساعة أحدث فارقا كبيرا."
ولكن عمليات إعادة الشراء لا تخلو من منتقديها: غالبا ما يرى منتقدو عمليات إعادة الشراء أنها آلية تعزز أسعار الأسهم بشكل مصطنع في حين لا تضيف قيمة حقيقية مكتسبة. وقال كيتشن: "يمكن أن تكون عمليات إعادة الشراء داعمة لأسعار الأسهم على المدى القصير، ولكنها تقلل أيضا من نسبة أسهم التداول الحر، وهو الأمر الذي يمكن أن يكون سلبيا على المدى الطويل". كما يسارع النقاد إلى الإشارة إلى تكلفة الفرصة البديلة، وكيف أنه كان من الممكن استثمار تلك الأموال في أمور أخرى. وأضاف كيتشن: "من الأفضل للاقتصاد أن تستثمر الشركات في الأصول الثابتة – لتخلق بذلك المزيد من فرص العمل وتعزز الطلب الحقيقي – بدلا من الأصول المالية".
ومع ذلك، قد يكون الأمر متعلق بالتوقيت: قال برزي: "هذا بالتأكيد ليس الوقت المناسب للقيام بالتوسع، فعليك أن تحقق التوازن". وأضاف "لقد وصل سعر السهم إلى مستوى منخفض للغاية، وكان علينا تقديم الدعم لأسهمنا لذلك قررنا شراء أسهم خزينة. وهذا أيضا من أجل خلق الطلب على السهم في ظل الظروف التي تسببت فيها جائحة كوفيد-19 والتدهور الكبير الذي لحق بجميع أسعار الأسهم".
فهل هناك المزيد في الأفق؟ في ظل استقرار البورصة المصرية وأحجام التداول المرتفعة حاليا، لم تصرح أي من شركة إيديتا أو مدينة نصر للإسكان والتعمير باعتزامهما شراء المزيد من أسهم الخزينة في المستقبل القريب. وقال قطامش أن شركة مدينة نصر للإسكان استغلت الفرصة التي سنحت لها، وأنه لا توجد لديها حاليا خطط لشراء المزيد من أسهمها في المستقبل. وفضل برزي عدم الإفصاح عن خطط إيديتا المستقبلية. أما شركة بي إنفستمنتس فستواصل مخططها وتجري جولة أخرى من عمليات إعادة شراء الأسهم بمجرد حصولها على موافقة مجلس إدارتها.
إلا أن نشاط شراء أسهم الخزينة يتوقف في جانب كبير منه على القرارات التي تتخذها هيئة الرقابة المالية، والتي تبقي جميع الخيارات مطروحة على الطاولة. سيظل قرار الهيئة بالاستثناء من مدة الإخطار المسبق للقيام بشراء أسهم خزينة، والتي كانت مقررة بثلاثة أيام عمل على الأقل قبل الموعد المقترح للتنفيذ، ساريا إلى أن يتم الإعلان عن إنهاء تلك السياسة. وقال المصدر بهيئة الرقابة المالية إنه على الرغم من عدم وجود خطط حاليا لتعديل اللوائح من أجل تسهيل عمليات إعادة شراء الأسهم على المدى القريب، فإنه لم يستبعد ذلك الأمر أيضا، وقال : "لا نعتقد أن [تسهيل عمليات إعادة الشراء] أمر ضروري في الوقت الحالي، ولكننا نراقب السوق عن كثب وسنرى كيف تتطور الأمور". وتابع: "سنتخذ أفضل القرارات بشأن ما يمكن أن يدعم السوق على أفضل وجه في أي وقت."