2020 عام إصدار السندات الخضراء في مصر
2020 عام إطلاق السندات الخضراء في مصر: درس القطاع الخاص والحكومة طويلا اللجوء للسندات الخضراء لتنويع مصادر التمويل لتمويل المشروعات بنسبة فائدة منخفضة بديلة عن وسائل التمويل التقليدية. وبادر القطاع الخاص بإصدار السندات الخضراء لأول مرة في مصر من خلال البنك التجاري الدولي، كما أعلن في يونيو. وسيتبع ذلك إصدارا مماثلا من وزارة المالية قد يحدث في العام المالي الجديد 2021/2020. ومن المتوقع أن يهيئ إصدار السندات الخضراء إصدار سندات البنية التحتية لتمويل مشروعاتها، وهو ما ذكرناه في عدد سابق من هاردهات خلال شهر فبراير.
وما هي السندات الخضراء؟ هي سندات ذات دخل ثابت شبيهة بأدوات الدين التقليدية ولكنها تخصص أموالها للاستثمار في مشروعات المحافظة على البيئة ومكافحة التغير المناخي. وكان البنك الدولي هو أول من أصدر تلك السندات في العالم عام 2008، بلغت قيمتها حتى الآن 13 مليار دولار جرى تنفيذها عبر 150 عملية وبـ 20 عملة.
وكان إصدار السندات الخضراء في مصر قد تلقى دفعة كبيرة بالفعل قبل أزمة "كوفيد-19" عندما أعلنت المجموعة المالية هيرميس في يناير أنها تتفاوض مع شركة مملوكة للدولة، لم تسمها، لإدارة إصدار سنداتها الخضراء بقيمة لم تحدد أيضا. كما أعلنت هيئة الرقابة الإدارية أنها تدرس طلب مؤسسة نرويجية لإصدار سندات خضراء بقيمة 500 مليون جنيه في مجال الطاقة المتجددة. إضافة إلى ذلك، قال وزير المالية محمد معيط، إن الوزارة تدرس حجم وتوقيت إصدار سندات البنية التحتية التي قد تصدرها خلال العام المالي الجديد.
وسيكون البنك التجاري الدولي هو أول من يختبر السندات الخضراء بإصدار قيمته 65 مليون دولار، بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية، وفقا لهبة عبد اللطيف رئيسة قطاع القروض المشتركة في البنك، في تصريح لإنتربرايز. ولا يزال العرض قيد الفحص النافي للجهالة، ومن المتوقع أن تشارك فيه المؤسسة بقيمة 65 مليون دولار هي الشريحة الأولى للسندات لأجل 5 سنوات. وتوضح عبد اللطيف "على الرغم من أن ذلك يعد استثمارا ضئيلا نسبيا، إلا أنه يهدف لاختبار سوق السندات الخضراء في مصر". وأضافت أنه في حالة نجاح إصدار الشريحة الأولى "ستقوم المؤسسة برفع استثمارها في الشريحة التالية إلى 100 مليون دولار".
فيم سيستخدم الإصدار؟ يبقى تحديد ما هي المشروعات التي سيمولها إصدار السندات الخضراء وأي من بين مشروعات البنك التجاري الدولي. ويقول البنك إنها تتضمن مشروعا لتوفير استخدام الطاقة في المنشآت. كما ستشارك مؤسسة التمويل الدولية من خلال خبراتها في تمويل مكافحة التغير المناخي لتدعيم قدرات البنك في التأهل لفئة تمويل مكافحة التغير المناخي، وطرق حساب ما تم توفيره من الغازات المسببة للاحتباس الحراري وكتابة التقارير عن السندات الخضراء وتمويل المباني الخضراء الصديقة للبيئة. وقد تستثمر المؤسسة أيضا ما يصل إلى 1.5 مليون دولار كتمويل ميسر لدعم المباني الصديق للبيئة في مصر.
وكان من المتوقع أن تزداد إصدارات السندات الخضراء هذا العام وسط مناخ مشجع بدأ في الخفوت مع تداعيات "كوفيد-19". فعالميا، كان من المتوقع أن يزداد إصدار السندات الخضراء والاجتماعية وسندات الاستدامة بنسبة 24% لتصل إلي 400 مليار دولار هذا العام، بينها 300 مليار دولار للسندات الخضراء وحدها. ولكن خلال الـ5 شهور الأولى من 2020 انخفضت إصدارات السندات الخضراء بنسبة 36% مقارنة بنفس الفترة خلال العام الماضي، والذي شهد إصدارات بكميات غير مسبوقة بلغت 261.9 مليار دولار، لتصل خلال النصف الأول من 2020 إلى 66.6 مليار فقط. وانخفضت إصدارات المؤسسات المالية للسندات الخضراء للنصف، حيث حولت الجائحة أولوية البنوك لتلبية حاجات عملائها الحاليين للتخفيف من أثر التباطؤ الاقتصادي. وخفضت وكالة موديز من توقعاتها بشأن مبيعات السندات الخضراء خلال 2020 من 300 مليار دولار إلى ما بين 175 و225 مليارا. وذلك هو الاتجاه حول العالم بما في ذلك اليابان التي سينخفض إصدار السندات الخضراء بها خلال 2020 لأول مرة من 7 سنوات. يأتي ذلك على الرغم من إصدارها كمية قياسية من السندات الخضراء وصلت إلى 2.7 مليار دولار خلال الربع الأول، وفقا لستاندرد آند بورز.
ومن ناحية أخرى ترى دول ومؤسسات أن الوقت ملائم لتمويل المشروعات الخضراء، بما فيها دويتشه بنك ودول مثل روسيا والسويد والبرازيل التي أعلنت عزمها بناء مشروعات طاقة متجددة بقوة 8 جيجاوات بتمويل من إصدار سندات خضراء.
ولم يؤد خفوت الإقبال العالمي على السندات الخضراء لتراجع البنك التجاري الدولي. وتقول عبد اللطيف إن البنك ليس قلقا من إقبال المستثمرين بسبب طرح السندات بالاكتتاب الخاص. وتوضح عبد اللطيف إن مؤسسات دولية أخرى تدرس تمويل إصدار السندات إلى جانب مؤسسة التمويل الدولية، لكنها رفضت تحديد أي منها. وتقول عبد اللطيف "نعتقد أنه الآن أو أبدا" مشيرة إلى أن البنك يدرس إصدارها منذ 18 شهرا ودخل في مفاوضات مع عدة مؤسسات لمساندته في خوض التجربة لأول مرة.
ولم تتوان الحكومة كذلك، خاصة أن إصدار السندات الخضراء لن يتطلب تشريعا خاصا مثل الصكوك. إضافة إلى ذلك فأن نسبة الفائدة المنخفضة ستجعل من السندات الخضراء البديل الأقوى عن أدوات الدين المعتادة مثل السندات الدولية المقومة بالدولار.
وهناك 4 أسباب رئيسية وراء اهتمام وزارة المالية بالسندات الخضراء تحديدا، حسبما ذكر الوزير محمد معيط لإنتربرايز، وهي:
- جذب قطاعات جديدة من المستثمرين الراغبين في تمويل مشروعات مستدامة وأخلاقية وصديقة للبيئة.
- نسب الفائدة القليلة مقارنة بالسندات الدولية.
- تنويع موارد الدين للتحوط من مخاطر السوق المحتملة.
- تحفيز المشروعات الصديقة للبيئة في السوق المحلية.
واتخذت الحكومة بالفعل خطوات في اتجاه أول إصدار للسندات الخضراء بتعيين بنوك كريدي أجريكول وسيتي بنك ودويتشه بنك وإتش إس بي سي في فبراير لتسويق الإصدار. كما جرى تكليف بنكي كريدي أجريكول وإتش إس بي سي بإعداد كتيب خاص بالطرح. وأوضح معيط أن مجلس الوزراء أعطى الوزارة الضوء الأخضر لإطلاق الإصدار العام الماضي، وقامت الوزارة بتجديد موافقة المجلس مؤخرا. وأكد معيط أنها مسألة وقت قبل الإصدار الأول.
وقد يصل إجمالي إصدارات السندات الخضراء في مصر إلى 500 مليون دولار في العام المالي 2021/2020، ولكن يبقى الكم والتوقيت الخاصين بالإصدار قيد الدراسة، وفقا لمساعد الوزير لعمليات سوق المال خالد عبد الرحمن، في تصريح لإنتربرايز. ويستهدف الإصدار اختبار شهية السوق وقياس إقبال المستثمرين على تلك النوعية من السندات ونسبة الفائدة التي يرغبون بها.
وستكون السوق الآسيوية المرشح الأول للإصدار المقبل، وفقا لعبد الرحمن. وتعد نسب الفائدة في الدول الآسيوية أقل من المناطق الأخرى حول العالم، ففي اليابان مثلا يبلغ العائد 0%. إضافة إلى ذلك أدى الإقبال الكبير على طرح مصر سندات الدولية في مايو الماضي، من مستثمرين بآسيا وأفريقيا وأمريكا الشمالية وأوروبا والشرق الأوسط، إلى تخفيض العائد النهائي للطرح بمقدار 50 نقطة أساس مقارنة بما أعلن في بداية الطرح.
ولكن لا يخلو الأمر من عقبات، فنسب الفائدة قد تكون قليلة ولكن إجراءات الإصدار في الدول الآسيوية أكثر تعقيدا، بحسب عبد الرحمن، والذي يوضح أن مصر ستضطر لدفع رسوم تأمين أعلى للشركات التي ستغطي الطرح. إضافة لذلك فالأسواق الآسيوية لا تعتمد غالبا على وكالات التصنيف الثلاثة الكبرى وهي ستاندرد آند بورز وموديز وفيتش، مما سيفرض على السندات المصرية أن تقيم من خلال وكالات تصنيف آسيوية، وهو ما قد يؤخر في الإجراءات.
ولا تزال نوعية المشروعات التي ستمول من خلال السندات الخضراء قيد الدراسة. وتعكف هيئة الرقابة المالية على إعداد تصنيف للمشروعات الخضراء إلى ثلاث فئات هي مشروعات قليلة الانبعاثات الكربونية، ومشروعات التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من حدته، ومشروعات حماية التنوع البيولوجي الأرضي والمائي. وتقوم الهيئة أيضا بإعداد قائمة لمراقبين دوليين مستقلين يمكن العودة إليهم لتحديد مشروعات السندات الخضراء، وكذلك فتح سجل لمراقبي البيئة المحليين، وقررت أيضا إعفاء مصدري السندات الخضراء في مصر من 50% من رسوم الإصدار.
وقد يكون التوقيت جيدا، مع ترك العديد من المستثمرين للأسواق المتقدمة، بسبب الحزم التحفيزية المتكررة، والاتجاه إلى الأسواق الناشئة بحثا عن عائد أعلى. وقد يخفف ذلك من أزمة دين محدقة بالاقتصاديات الناشئة عقب موجة نزوح لرؤوس الأموال للخارج في مارس الماضي. ويأتي ذلك وسط مساعي وزارة المالية لإيجاد وسائل جديدة لتخفيض تكلفة الاقتراض شملت تقليص الكميات المقبولة من عطاءات أذون وسندات الخزانة المصدرة بالعملة المحلية في الشهور الأخيرة من العام المالي المنتهي 2020/2019. وتسعى الحكومة لإيجاد وسائل تمويل جديد لتغطية انخفاض الإيرادات بسبب تبعات "كوفيد-19".
وستقدم السندات الخضراء وسيلة جديدة للتمويل، مثلها مثل الصكوك التي أعدت الحكومة تشريعا خاصا بها في فبراير في انتظار إقراره من مجلس النواب، بحسب تصريحات معيط لإنتربرايز. وأضاف معيط أن الوزارة تدرس بشكل إضافي إصدار نوعيات جديدة من السندات موجهة إلى المشروعات الاجتماعية، في إشارة محتملة للسندات الاجتماعية.