كيف يتعامل قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مع زيادة الضغط خلال حظر التحرك
كيف يتعامل قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مع زيادة الضغط خلال حظر التحرك: حتى الآن تمكنت البنية التحتية لقطاع الاتصالات من تحمل الضغوط الإضافية الناجمة عن العاملين من المنزل، وكثافة استخدام الإنترنت خلال فترة حظر التحرك، وزيادة الاعتماد على تطبيقات التعليم الإلكتروني والمدفوعات والمعاملات المالية الإلكترونية، وتطبيقات المحادثة المرئية والصوتية وغيرها من الخدمات الأخرى. تحدثنا مع قياديين من قطاع الاتصالات العام والخاص، والذين قالوا لنا إن زيادة الطاقات الاستيعابية، وجهود دعم العملاء، والتركيز على منصات الإنترنت، ساعدهم على استيعاب الظروف الراهنة. وبحثنا أيضا معهم ما الذي يمكن فعله وكيف يمكننا خلال الفترة المقبلة الحفاظ على القفزة التكنولوجية التي اكتسبناها بزيادة المعاملات الإلكترونية خلال الأزمة، من أجل الاستفادة من تلك التجربة.
حجم الطلب على خدمات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات خلال فترة الحظر: يقول هشام مهران رئيس قطاع الشركات بشركة أورنج مصر إن في مصر رصدت الشركة نموا في استخدام البيانات بنسبة 40% منذ بداية العام. وهذا الضغط في مصر صاحبه ضغوطا عالمية أكبر، إذ تضاعف استخدام البيانات عالميا أربع مرات خلال الأزمة الحالية. وبينما تشهد جميع شركات الاتصالات نموا في الحركة، لاحظت أورنج زيادة بشكل خاص في الطلب بسبب خدمات التعليم عن بعد. وتشهد مواقع التواصل الاجتماعي والترفيه حركة كبيرة خلال ساعات الحظر التي تبدأ من السابعة مساء. وهذا هو سبب بطء الإنترنت خلال هذا الوقت من اليوم، حسبما يقول وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عمرو طلعت في تصريحاته لإنتربرايز. الأمر ليس فقط بسبب أننا جميعا نكون في المنزل خلال هذه الساعات، ولكن أيضا الضغط العالمي على مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات الترفيه والمواقع الرئيسية الأخرى يؤدي إلى بطء من جانبها.
حركة البيانات تعكس بدقة تغير عادات المستخدمين نتيجة الحظر. يقول ألكسندر فرومان كورتيل الرئيس التنفيذي لشركة فودافون مصر "إننا نشهد زيادة بنسبة 50% في استخدام باقات الإنترنت المحمول في المنازل، وانخفاضا كبيرا في استخدامها بالمكاتب". ونلاحظ أيضا تراجعا فى استهلاك الإنترنت على الطرق السريعة، ويختفي هذا الاستهلاك على الطرق تماما خلال ساعات حظر التجول.
إذًا، مع هذا النمو في الاستهلاك، كيف يستطيع قطاع الاتصالات مواكبة الطلب؟
الخطوة الأولى: يعمل القطاع والحكومة سويا لزيادة القدرات: تركز وزارة الاتصالات على زيادة سعة بوابات الإنترنت الدولية، والتي تنقل البيانات من مواقع الإنترنت العالمية إلى منازلنا ومكاتبنا، وفقا لطلعت. العقبة الرئيسية التي نراها هي الحصول على المعدات اللازمة لذلك، ولكن الوزارة تعمل على زيادة طاقاتها لتدفق البيانات في الاتجاهين بنسبة 50% عبر بوابات الإنترنت الدولية.
وتعمل الحكومة أيضا على زيادة معدلات تركيب خطوط الألياف الضوئية، لتنفيذ خطة وصول الإنترنت الثابت والأرضي إلى 75% من السكان خلال العام الجاري، وفقا لطلعت. وتأمل الوزارة في مد خطوط الألياف الضوئية إلى مليون منزل جديد خلال العام الجاري.
زيادة القدرات التشغيلية في القطاع الخاص: من جانبها، عملت فودافون مصر خلال الأسابيع القليلة الماضية على زيادة قدرات شبكتها داخل الأماكن المغلقة، وتقوية إشاراتها في القاهرة والجيزة لضمان الاتصال بالشبكة بشكل سليم في الأماكن المغلقة، حسبما يقول فرومان كورتيل. وفي الوقت نفسه، تعمل فرق أورنج مصر على مدار الـ 24 ساعة طوال أيام الأسبوع استعدادا لأي ضغط في المواقع والأبراج نتيجة لزيادة الاستخدام، وفقا لمهران. وتعمل أورنج أيضا على تطوير أدوات وتطبيقات تساعد عملائها من الشركات على استخدام الإنترنت بكفاءة أعلى.
التحدي أمام القطاع الخاص هو مواكبة زيادة الطلب مع الالتزام بإجراءات السلامة للعاملين لديها. منذ بداية الأزمة، قامت شركات الاتصالات بتحويل وظائفها وقدراتها التشغيلية الرئيسية للعمل من المنزل. هذا التوازن كان ناجحا إلى حد كبير، إذ تعمل فودافون بنسبة 100% من قوتها العاملة من المنزل (8 آلاف موظف) منذ 12 يوما، بما في ذلك موظفي خدمة العملاء، وفقا لفرومان كورتيل. وتعمل أورنج مصر بنسبة 90% من قوة عملها في المكتب الرئيسي وفي فرق خدمة العملاء من المنزل. وجرى تركيب وتثبيت المعدات والبرمجيات الخاصة في منازل الموظفين، وتعمل تلك الخدمات بكامل طاقتها من المنزل، وفقا لمهران.
بناء القدرات والخبرات التشغيلية المتراكمة ساعدت الشركات في مواجهة الأزمة: كل من تحدثنا معهم أرجعوا قدرتهم على مواجهة الأزمة الحالية إلى الخطط السابقة لتعزيز القدرات التشغيلية، وهو ما منحهم القدرة على تلبية الطلب المتزايد حاليا. وتضاعفت سرعات الإنترنت في مصر أربع مرات خلال العام الماضي، ليرتفع متوسط السرعة إلى 27.09 ميجابت/ثانية في فبراير 2020، مقارنة بـ 6.63 ميجابت/ثانية في فبراير 2019، وفق ما ذكرته الشركة المصرية للاتصالات في بيان اطلعت عليه إنتربرايز. وخصصت الشركة 17 مليار جنيه لزيادة طاقتها الاستيعابية بين عامي 2019 و2020، وفقا للبيان. وساعدت الخبرات التشغيلية الشركات في الاستعداد للأزمة. وعلى سبيل المثال، تحدث فودافون شبكتها بشكل روتيني خلال فصل الربيع، قبيل شهر رمضان، حسبما يقول فرومان كورتيل.
كيف يمكن تعزيز قدرات الشبكات أكثر من ذلك؟ منح المشغلين المزيد من الترددات، حسبما يرى فرومان كورتيل، مضيفا أن "تلك سياسة رأيناها في الولايات المتحدة، وجنوب أفريقيا، والسعودية، ومن المتوقع أن نراها في الأردن … بمجرد ما أدركت تلك البلدان أننا في حالة طوارئ، قدمت المزيد من الترددات على الفور". ويؤكد فرومان كورتيل أن فوائد تلك السياسة سيشعر بها المواطنين على الفور. وهناك خطوات أخرى يمكن اتخاذها لتعزيز سعات الإنترنت، ومنها زيادة الشركة المصرية للاتصالات لسعات بوابة الإنترنت الدولية. ويوضح فرومان كورتيل أن فوائد الخطوة الأخيرة، رغم أهميتها، لن يكون أثرها فوريا، وستحتاج إلى شهور للتطبيق. وأيضا يمكن لمشغلي الشبكات في مصر تطوير وتحديث أبراج الاتصالات البالغ عددها نحو 9 آلاف برج.
لا تنتظر أن يكون لشبكات الجيل الخامس حضورا مهما في مصر في المستقبل القريب: يقول وزير الاتصالات عمرو طلعت إن فيما يتعلق بالخدمات المقدمة للأفراد، فإن تقنيات الجيل الخامس لن تكون مفيدة بشكل كبير في الوقت الحالي. القليل من الهواتف المتاحة في الأسواق حاليا مجهزة لتلك التقنيات، وثمنها يتجاوز الألف دولار، وهو سعر ليس متاحا لمعظم المستهلكين، وفقا لطلعت. ومع ذلك، فإن الحكومة تمضي قدما في خطط إطلاق تقنيات الجيل الخامس على صعيد البنية التحتية والتصنيع.
الخطوة الثانية: إطلاق المبادرات والتواصل مع المستهلكين: وتتضح هذه الأمور بشكل خاص عند النظر إلى قطاعات رئيسية معينة، فمنذ البدء في جعل التعلم الإلكتروني أمرا إلزاميا الشهر الماضي، اتخذ قطاع الاتصالات موقفا موحدا لتعزيز القدرات بمبادرة أطلقتها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. وأعلنت شركات الهاتف المحمول الأربع عن زيادة باقات الإنترنت بنسبة 20% مجانا لكافة عملائها. وأوضح وزير الاتصالات لإنتربرايز أن التكلفة الإجمالية لهذه المبادرة بلغت 200 مليون جنيه. كما أن عدد من أصحاب المدارس، والذين كانوا المستفيدين المستهدفين من تلك المبادرة، قالوا لإنتربرايز إنهم أطلقوا بنجاح منصاتهم الخاصة بالتعلم عبر الإنترنت منذ البدء في إلزام الطلاب بالتعلم الإلكتروني. كما أشار وزير الاتصالات إلى نجاح وزارة التربية والتعليم في تجربة الامتحانات عبر الإنترنت قبل البدء في الامتحانات الفعلية على مستوى الدولة بنهاية العام الدراسي.
قطاع الاتصالات مد يد العون أيضا لقطاع الصحة، إذ قال فرومان كورتيل لإنتربرايز إن شركة فودافون ركزت بشكل مكثف هذا الأسبوع على مساعدة وزارة الصحة، بما في ذلك إتاحة خدمتي الإنترنت والمكالمات المجانية للأطقم الطبية في مستشفيات العزل الصحي.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل شركات المحمول مع عملائها من الشركات الخاصة لمساعدتها على حل مشكلات السداد. وقال مسؤولون بشركتي فودافون وأورنج لإنتربرايز إنه يجري التواصل مع العملاء من الشركات، وخاصة في القطاعات الأكثر تضررا من تداعيات فيروس "كوفيد-19" مثل قطاع السياحة، من أجل مساعدتهم على إيجاد حلول لمشكلات السداد، وذلك من خلال عدة أمور من بينها تقديم شروط سداد مرنة.
الخطوة الثالثة: التركيز على منصات التعليم والخدمات والمحتوى عبر الإنترنت: بالتزامن مع إطلاق مبادرة التعليم عن بعد، تواصل وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات العمل على تشغيل منصات التعليم الحكومية المجانية عبر الإنترنت والتي يستخدمها طلاب المدارس الحكومية. وقال طلعت في وقت سابق إن استخدام هذه الخدمات لن يتم احتسابه ضمن فاتورة الإنترنت المنزلي. وقال طلعت، في تصريحات لإنتربرايز إنه سيكون هناك حضور أكبر للمحتوى التعليمي ضمن استراتيجية الوزارة على المدى المتوسط والطويل، وأوضح أن هناك مفاوضات جادة تجري حاليا مع مقدمي خدمات التعليم عبر الإنترنت من أجل إتاحة المحتوى الخاص بهم على المنصات التابعة للوزارة.
ومن جانبها، تواصل شركة أورنج التركيز على تقديم الخدمات والحلول الرقمية والسحابية للطلاب بالمجان. وقال مهران إن الشركة تتيح لطلاب المدارس وبالمجان استخدام تطبيق "أفايا سبيسز" القائم على الحوسبة السحابية والذي يمكنهم من عقد مؤتمرات الفيديو، كما أطلقت الشركة خدمة "جو تعليم" المتخصصة في التعليم، وتساعد الحكومة في إدارة خدمات VirtualPBX التي تشغل مراكز الاتصال الحكومية – والتي تعد جزءا ضروريا من قدرات الاستجابة للأزمات. وقال مهران أيضا إن شركة أورنج تتعاون كذلك مع وزارة السياحة والآثار للمساعدة في توفير الجولات الافتراضية ثلاثية الأبعاد في المتاحف التابعة لها. وأطلقت مؤسسة فودافون مصر لتنمية المجتمع منصة التعلم الإلكتروني "تعليمي" بالتعاون مع مؤسسة نهضة مصر، وأطلقت شركة فودافون أيضا نظام إدارة التعلم عن بعد "ريدي سكول" والذي يمكن من التواصل بين إدارة المدارس والمدرسين والطلاب.
ولكن مع الأزمات تأتي الفرص: يمكن القول بشكل عام أن البنية التحتية لقطاع الاتصالات في مصر حافظت على تماسكها خلال الأزمة الحالية، وهو ما يعد قصة نجاح في حد ذاته. إلا أن شركات المحمول ووزارة الاتصالات تتفق مع القطاعات الأخرى في القول إن زيادة الاعتماد على العمل والتعليم عن بعد سيتواصل بطريقة أو أخرى إلى ما بعد انتهاء الأزمة الحالية. ويعني هذا لطلعت المزيد من الخدمات والمحتوى فيما يعني فرومان كورتيل التوسع في الشمول الرقمي في سوق تعاني من نقص الخدمات مثل السوق المصرية وهو ما يعد فرصة سانحة في حد ذاته، ويعني لمهران أن الحلول القائمة على الحوسبة السحابية ستلعب دورا رئيسيا في جعل الشركات والمؤسسات أكثر تفاعلا وأقل اعتمادا على الحدود الجغرافية. وبهذا فإن الجميع يتفقون أن قطاع الاتصالات لا ينبغي أن يرضى بما حققه من إنجازات حتى الآن وأن يسعى إلى مزيد من التطور في الفترة المقبلة.