التحول الكامل في فلسفة إنشاء المجتمعات العمرانية في مصر
التحول الكامل في فلسفة إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة في مصر: في كتابهما "بناء مدينة في أفريقيا" تطرح الكاتبتان ريتشل كيتون وميشيل بروفوست رؤيتهما لبناء المدن الجديدة في مصر. ويرى الكتاب الذي نشرت صحيفة الجارديان جزءا منه الأسبوع الماضي أن برامج إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة في مصر شهدت تحولا جذريا عن الرؤية الأولى لها خلال خمسينات وستينات القرن الماضي، عندما كان الهدف هو إنشاء مدن تابعة تمتص النمو السكاني المتسارع. وعندما بدأت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بيع مساحات أوسع من الأراضي لشركات التطوير العقاري الفاخرة في التسعينات، تحولت أماكن مثل الشيخ زايد إلى "مقاطعات لأثرياء القاهرة الهاربين من فوضى العاصمة"، بعدما كان من المخطط بالأساس أن تكون مدنا لمختلف شرائح الدخل. ومع وجود 22 مدينة جديدة بنيت بالكامل أو جزئيا، ويسكنها نحو 7 ملايين نسمة الآن، مع خطة لدى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لإنشاء 19 مدينة جديدة أخرى، تتساءل الكاتبتان إلى أي مدى نجحت برامج إنشاء المجتمعات العمرانية في مصر، وكيف يمكن أن تنجح مستقبلا.
المدن التابعة لم تنجح في حل الضغوط السكانية: يشير الكتاب إلى أن مدينة العاشر من رمضان يسكنها حاليا نحو 650 ألف نسمة، أغلبهم من العاملين بالمناطق الصناعية وعائلاتهم، في حين تستهدف هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة زيادة هذا العدد إلى 2.1 مليون نسمة بحلول عام 2023. وفي الوقت نفسه، فإن الحوافز الاقتصادية المقدمة للمواطنين خلال السبعينات والثمانينات للانتقال للعيش هناك تضاءلت حاليا، وبقت البنية التحتية ضعيفة، في حين تواصل إنشاء المساكن لذوي الدخول المنخفضة. وفي الوقت نفسه، فإن مدينة الشيخ زايد يسكنها نحو 330 ألف مواطن، وهو أقل من نصف الرقم المستهدف، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن أسعار الوحدات السكنية أعلى من مقدرة عموم المواطنين باستثناء الشريحة الأكثر ثراء. ويعيش نحو 71% من سكان الشيخ زايد في إسكان فاخر، مقابل 15% فقط يعيشون في الإسكان المخصص لأصحاب الدخول المنخفضة.
ويبقى السؤال حول كيفية تلبية الاحتياجات السكانية المتزايدة: تدفق الاستثمارات على العاصمة الإدارية الجديدة البالغة مساحتها نحو 700 كيلومتر مربع، والتي تهدف إلى استيعاب 6.5 مليون مواطن، يظهر أن طفرة التشييد والبناء لن تنخفض وتيرتها في أي وقت قريب. يتواصل ارتفاع أسعار الأراضي، إذ رجحت مصادر حكومية لجريدة البورصة في مطلع هذا العام رفع أسعار أراضي ووحدات مشروعات هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بنحو 15-20% خلال 2019، وفي الوقت نفسه يتحدث المطورون العقاريون عن ندرة الأراضي المطروحة. وأقرت "المجتمعات العمرانية" الشهر الماضي آلية جديدة لتخصيص الأراضي للتيسير على المستثمرين ودعم الاستثمار بالمدن الجديدة. ولكن تحقيق التوازن بين جذب الاستثمارات الجديدة للقطاع العقاري وتلبية الطلب المتنامي والمتنوع على الإسكان يبقى هو الإشكالية الحقيقية. ويبدي خبير التخطيط العمراني ديفيد سيمز دهشته من أن "القليل من أراضي الدولة توجه لصالح الكتلة الأكبر من السكان، وكيف أن تطوير تلك الأراضي لا يؤدي في النهاية سوى إلى إثراء قلة من المستثمرين". ويعتقد سيمز أن استمرار الحكومة في نفس النهج يرجع جزئيا إلى أن برامج إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة "أكبر من أن تفشل".