مجتمع الأعمال لا يزال في انتظار خفض الفائدة
(خاص) استطلاع إنتربرايز: إلى أي حد ينبغي أن تنخفض أسعار الفائدة حتى تستأنف الشركات الكبرى الاقتراض لتمويل النفقات الرأسمالية: بعد أن ارتفعت معدلات التضخم بصورة مفاجئة في مايو، ومع اضطراب الأسواق العالمية الذي جعل من الضروري استمرار مصر كسوق جاذبة لتجارة الفائدة. فإن تلك العوامل تعني أن بيئة أسعار الفائدة المرتفعة ستبقى كما هي لفترة أطول. وتوقع المحللون الذين تحدثنا إليهم الشهر الماضي عدم خفض البنك المركزي لأسعار الفائدة على الأقل قبل الربع الرابع من العام الجاري، وأبقى المحللون على توقعاتهم في تصريحاتهم لإنتربرايز هذا الأسبوع.
المشكلة هنا أن الشركات تقترض، ولكن قروض قصيرة المدى لتمويل نفقاتها التشغيلية، وليست قروضا كبيرة طويلة المدى لتمويل التوسعات في الطاقة الإنتاجية أو الابتكار، هذا النوع من الاقتراض الذي تضاءل تماما مع الارتفاع الضخم في أسعار الفائدة عقب تعويم الجنيه.
ومنذ فبراير الماضي استقرت معدلات الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة عند مستوى 15.75% و16.75% على الترتيب، على سعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند 16.25%. تلك المعدلات المرتفعة تعني بالأساس أن القيام بتوسعات يجب أن يجلب للشركة المقترضة عوائد أكبر من معدلات الفائدة تلك.
وفي الواقع، إن تكلفة الاقتراض أعلى كثيرا من تلك المعدلات: يبلغ متوسط أسعار الفائدة التي تقدمها البنوك لإقراض الشركات لتمويل النفقات الرأسمالية نحو 20%. أي أن الشركات تحتاج من أجل تنمية أعمالها للاقتراض بفائدة توازي فوائد بطاقات الائتمان.
ولذلك توجهت إنتربرايز إلى مجتمع الأعمال بالسؤال التالي: ما هي أسعار الفائدة اللازمة لتحفيز الاقتراض لتمويل النفقات الرأسمالية؟
النقاط الرئيسية للمسح: استطلعنا آراء مسؤولين من 9 شركات في قطاعات الغذاء والصحة والسيارات والاستثمار وكانت النقاط الرئيسية التي خلصنا إليها من المسح كالتالي:
- أسعار الفائدة ينبغي أن تكون ما بين مستويات 10-13% (مستويات ما قبل التعويم) حتى يرتفع الإنفاق الرأسمالي مجددا
- بعض الشركات تنتظر زيادة الطلب من المستهلكين حتى تزيد من إنفاقها
- البعض الآخر ينتظر زيادة معدلات التشغيل
- زيادة الإنفاق الرأسمالي كان أسهل للشركات التي تقترض بالدولار
- غالبية الشركات جاهزة لضخ استثمارات جديدة مع انخفاض أسعار الفائدة
الشركات التسعة تنتظر خفض أسعارالفائدة: اتفق مسؤولو الشركات التسع المشاركين في استطلاع إنتربرايز على الحاجة إلى خفض أسعار الفائدة وتيسير السياسة النقدية، مع تطلعات تلك الشركات أن تتراوح أسعار الفائدة ما بين 10-13%. شركات الرعاية الصحية تتطلع إلى خفض أسعار الفائدة بواقع 200 نقطة أساس خلال العام الجاري مع وصول المعدل على المدى الطويل إلى 13%. شركات السيارات تتطلع إلى خفض أسعار الفائدة إلى مستويات ما بين 11-13%. وتتمنى شركات الأغذية وصول معدلات الفائدة إلى حدود 10-12% كأمر مثالي لبيئة مجتمع الأعمال. أما الشركة القابضة المصرية الكويتية فتتطلع إلى خفض الأسعار ما بين 11-12% لتشجيع الاستثمار بالسوق المصرية.
شركات الصناعات الغذائية والسيارات الأكثر احتياجا لتنمية أعمالها لكن التكلفة باهظة: تظهر نتائج المسح الذي أجرته إنتربرايز لمجتمع الأعمال أن شركات الصناعات الغذائية وصناعة السيارات هما من أكثر قطاعات الصناعة احتياجا لزيادة الإنفاق الرأسمالي وهو الأمر الذي ترى تلك الشركات استحالته في بيئة مرتفعة لأسعار الفائدة. ويقول أندريه فلافانيس نائب الرئيس المساعد لعلاقات المستثمرين في جي بي أوتو إن "أسعار الفائدة المرتفعة الحالية تقلص من الأرباح، وتمثل عبئا على الأعمال. ولا تؤثر فقط على الأعمال المستقبلية، ولكن على العمليات الحالية أيضا". مضيفا أن "في الوقت الحالي، جرى تعليق جميع خطط تمويل النفقات الرأسمالية للشركة، بسبب التكاليف المرتفعة للديون".
وقطاع الصناعات الغذائية أكثر المتضررين من ارتفاع سعر الفائدة: خفضت جهينة بشدة من النفقات الرأسمالية منذ 2017، فيما تراجعت النفقات الرأسمالية لشركة إيديتا للصناعات الغذائية إلى 105.2 مليون جنيه في 2018 من مستوى بلغ 361.8 مليون جنيه في 2015. ويقول أحمد سعد، مدير علاقات المستثمرين لدى جهينة "دورة النفقات الرأسمالية لشركتنا قبل تعويم الجنيه وصلت إلى نحو مليار جنيه في وقت ما، ولكن بعد التعويم بلغت ما بين 200-250 مليون جنيه سنويا، ووجهت بالأساس لأعمال الصيانة. في الوقت الحالي فإن حجم النفقات الرأسمالية لشركتنا يبلغ في حدود 400-450 مليون جنيه".
خفض أسعار الفائدة سيدعم الطلب الاستهلاكي: بالنسبة لقطاع صناعة السيارات والأغذية، فإن خفض أسعار الفائدة من شأنه أن يعزز الإنفاق الاستهلاكي على منتجات تلك الشركات. تقول منة شمس الدين، مديرة علاقات المستثمرين وتطوير الأعمال في إيديتا لإنتربرايز "إلى جانب النفقات الرأسمالية، ينبغي أن تحفز أسعار الفائدة المنخفضة الاقتصاد عبر نمو الطلب على السلع الاستهلاكية". ويقول فلافانيس من "جي بي أوتو"، "لن يكون الأمر متعلقا فقط بالنفقات الرأسمالية، ولكنه سيؤدي إلى انخفاض الأسعار، ما يرفع الطلب ويؤدي إلى المزيد من الاستثمارات في التوسعات سواء في المبيعات أو التصنيع".
شركات الرعاية الصحية والأدوية تستثمر رغم بيئة الفائدة المرتفعة: مع الوضع الذي تتمتع بيه أسهم تلك الشركات والتي ينظر إليها كأسهم دفاعية، وهي الأسهم التي توفر عوائد وأرباح مستمرة بغض النظر عن حالة السوق نظرا للطلب المستمر على منتجاتها، فإن شركات الرعاية الصحية والأدوية واصلت الإنفاق الرأسمالي على الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة. وهو أمر منطقي تماما، فراتبك لم يرتفع بقدر ارتفاع التضخم، ولكن ما زال عليك شراء العلاج الخاص بك وسداد مصاريف المدارس، أما حلم شراء سيارة جديدة فيمكن أن يتأجل بعض سنوات.
ابن سينا نموذجا: ارتفع الإنفاق الرأسمالي لشركة ابن سينا فارما إلى 478.9 مليون جنيه في 2018 من مستوى بلغ 111.3 مليون جنيه في 2016. وكذلك رفعت شركة مستشفيات كليوباترا إنفاقها الرأسمالي في 2018 إلى 148.6 مليون جنيه من 117 مليون جنيه قبل عام. واستفادت بعض الشركات من وضع السيولة القوى لديها والذي سمح لها في النهاية بمواصلة الاستثمار على غرار شركة ابن سينا والتي تملك قصة طرح أولي ناجح في البورصة المصرية عام 2017.
الأمر يتعلق أيضا بالتوقيت، إذ أن الشركات التي اقترضت في الفترة التي سبقت التعويم كان لديها قدرا كافيا من الحظ لمواصلة الاستثمار. تقول شمس الدين من إيديتا لإنتربرايز "لحسن الحظ، فإننا قمنا بأعمال استثمارية توسعية قبل ارتفاع أسعار الفائدة بعد التعويم وقمنا ببناء مصنع الشركة الخامس". ونعمل بالوقت الحالي على تمويل بالدولار الأمريكي لأعمالنا في المغرب وإضافة خطوط إنتاج جديدة".
الجانب المحظوظ من الشركات: إنها الشركات التي لديها أعمال توفر عوائد بالدولار الأمريكي ما يجعل الحاجة إلى القلق بشأن أسعار الفائدة بالسوق المصرية أمرا ثانويا. يقول هيثم عبد المنعم، مدير علاقات المستثمرين، لدى الشركة القابضة المصرية الكويتية لإنتربرايز "المشاريع التي تدر إيرادات بالدولار تحصل على تمويل بالدولار، بينما المشروعات التي تدر إيراداتها بالجنيه المصري يجري تنفيذها على مراحل متعددة لتقليل التكلفة". ويضيف: "نخطط لاستثمار نحو 150 مليون دولار في 2019، منها 110 مليون دولار لمشروعات الغاز الطبيعي والتي توفر عوائد بالدولار الأمريكي. وهذا هو الحال أيضا بالنسبة لمشاريع الكهرباء إذ نخطط لاستثمار نحو 25 مليون مع نسبة ديون إلى حقوق الملكية تبلغ 40:60".
البعض ينتظر رفع معدلات التشغيل وحجم الإنتاج: يقول أحمد سعد من جهينة للصناعات الغذائية لإنتربرايز "تركيزنا الحالي ينصب على الانفاق الرأسمالي لصيانة المعدات وتأمين وضعنا بالسوق. نحن نركز حاليا أيضا على الاستخدام الأمثل للقدرات الحالية قبل الاستثمار في إضافة قدرات جديدة. في 2020، نتوقع أن نرى معدلات تشغيل أعلى وسيكون لدينا صورة أوضح عن أفضل طرق التوسع".
أين ستوجه الشركات نفقاتها الرأسمالية عندما تهبط أسعار الفائدة؟ تتفاوت القرارات الاستثمارية المستقبلية للمشاركين في المسح وإن كان هناك إجماع نحو التوسع وضخ استثمارات جديدة حينما تبدأ دورة التيسير النقدي في العمل مجددا من قبل البنك المركزي وإليكم توجهات المشاركين في المسح نحو ضخ استثمارات جديدة مع هبوط أسعار الفائدة:
- أبو غالي موتورز: يقول تامر قطب المدير التجاري لدى أبو غالي موتورز إن انخفاض أسعار الفائدة سيسمح لشركته بتوسيع الاستثمارات وتسريع وتيرة التوسع وزيادة الأرباح. ويضيف "سيسمح لنا الأمر بالتوسع من خلال إضافة فروع جديدة وزيادة نشاط تأجير السيارات من خلال شراء سيارات جديدة، وستكون لدينا القدرة على خلق طلق جديد حينها من خلال خفض أسعار التأجير".
- جي بي أوتو: يقول أندريه فلافانيس من "جي بي أوتو" إن شركته ستبدأ باستثمار ما بين 400-500 مليون جنيه على مراكز الصيانة، ناهيك عن التوسعات والاستثمارات الأخرى التي ستكون متاحة في تلك البيئة الجديدة".
- الشركة القابضة المصرية الكويتية: يقول هيثم عبد المنعم من الشركة القابضة المصرية الكويتية "إذا انخفضت أسعار الفائدة قد نسرع من وتيرة استثماراتنا في مصنع الخشب المضغوط البالغة تكلفته الاستثمارية نحو ملياري جنيه".
- جهينة: يقول أحمد سعد من جهينة للصناعات الغذائية "خفض أسعار الفائدة سيسمح لنا بالتفكير على نطاق واسع أكثر مما عليه الوضع الحالي حيال الفرص الاستثمارية المختلفة للنمو، كما أن الأمر سيسمح بتقوية الوضع المالي للشركة".
- ابن سينا فارما: يقول محمد شوقي مدير علاقات المستثمرين لدى شركة ابن سينا فارما "إذا هبطت أسعار الفائدة لمستويات مستدامة، فإن هذا سيسمح لنا باستخدام التسهيلات التمويلية المصرفية لتمويل المشتريات النقدية من الموردين والحصول على خصومات سعرية وهو أمر سينعكس بالإيجاب على هوامش ربحية الشركة ويعطيها المزيد من المرونة المالية".