لمواجهة تكاليف "كورونا" .. مدارس خاصة تسعى لزيادة استثنائية للمصروفات، وهو ما يثير قلق أولياء الأمور ونواب البرلمان على حد سواء. مع تطبيق التعليم الإلكتروني في العام الدراسي المقبل والتكاليف المتزايدة التي يمكن أن تترتب عليه، اتجهت بعض المدارس الخاصة لمطالبة أولياء الأمور بسداد مصاريف أعلى وفي وقت مبكر قبل بدء العام الدراسي 2021/2020. ورد أولياء الأمور، الذين كانوا يضغطون على الحكومة ومجلس النواب لتأجيل أقساط المصاريف الدراسية لهذا العام أصلا، بتنظيم جهودهم ومضاعفة الضغط لمواجهة تحركات المدارس. واقترح النواب مواصلة الضغط في اتجاه إحكام وزارة التعليم سيطرتها على تمويلات المدارس. ورغم أن هذا النزاع لا ينطبق على كل المدارس الخاصة، فإن أصحاب المدارس الذين تحدثنا معهم أخبرونا أنهم ربما يضطرون إلى فرض مصاريف أعلى في العام المقبل لمواكبة تكاليف تنفيذ التعلم عن بعد.
لا يوجد إجماع بين المدارس الخاصة: لا توافق المدارس الدولية والشريحة الأعلى من المدارس الخاصة (التي تفرض مصاريف أعلى) على هذه السياسة، بل توصي بعدم رفع المصروفات على الأقل خلال العام الدراسي المقبل. وتتخذ هذه المدارس نهجا معاكسا، عن طريق الاستمرار في توفير تسهيلات الدفع لأولياء الأمور ومواصلة الاستثمار في جودة التعليم، وبالتالي ليس من المستغرب أن تتلقى ردود أفعال مختلفة من أولياء الأمور.
منذ آخر مرة أشرنا فيها إليه، تصاعد النزاع حول تخفيض المصاريف المدرسية وامتد من العام الدراسي 2020/2019 إلى العام 2021/2020. وطلب أولياء الأمور تأجيل ما لا يقل عن 15% من إجمالي المصاريف الدراسية للعام 2020/2019، وكذلك استرداد مقابل بعض الخدمات التي لم يستفد بها أبناؤهم، ومنها رسوم الأتوبيسات والأنشطة. ومع ذلك، فإن عدم اليقين المحيط بالسنة الجديدة دفع بعض المدارس الخاصة إلى السعي لتحصيل المصروفات مبكرا وبنسبة أعلى من العام السابق، حسبما قال نائب رئيس جمعية أصحاب المدارس الخاصة بدوي علام لإنتربرايز. وقالت صفحة خاصة بأولياء الأمور على فيسبوك أن بعض المدارس التي تطالب بسداد الرسوم مبكرا رفعت المصروفات الإجمالية (وليست الرسوم الدراسية التي تنظمها الوزارة).
بعض المدارس تطالب الوزارة الآن بدراسة السماح لها بزيادة المصاريف الدراسية إلى ما هو أكثر مما سمحت بها العام الماضي، وذلك لمواكبة تكاليف التعلم عن بعد. وأضاف علام: "نتطلع إلى عقد اجتماع مع وزارة التعليم لحثهم على تحمل التكاليف الإضافية للتعلم عن بعد عند اتخاذ قرار بشأن المصروفات الدراسية"، لافتا إلى أن المدارس الدولية رفيعة المستوى لن تكون مشمولة في الطلب، والتي تشكل نحو 260 من أصل 8 آلاف مدرسة خاصة عاملة في مصر.
كم تتكلف المدارس الخاصة بسبب تطبيق التعلم عن بعد في العام المقبل؟ أخبرنا المندوه الحسيني، الذي يرأس جمعية أصحاب المدارس الخاصة، أن المدارس بكل مستوياتها ستشهد زيادة بنسبة 8-10% في التكاليف المرتبطة بتنفيذ التعلم الإلكتروني، لكن مسؤولين في مدارس دولية قالوا لإنتربرايز إن هذه التكاليف قد تتجاوز 10%. وتضطر المدارس الدولية إلى دفع رواتب المعلمين الأجانب بالدولار، لذلك تتكبد خسائر مع أي هبوط في قيمة الجنيه بسبب "كوفيد-19"، وفقا لما أخبرنا به أحد أصحاب المدارس. ويمكن أن يتسبب هذا وحده في رفع مصاريف المدارس الدولية بنسبة 10-12%، لأن الرواتب تلتهم ما يقرب من 70% من نفقات المدرسة.
وهناك تكلفة تعقيم المدارس: المدارس يجب أن تكون مستعدة لتعقيم الطلبة كل صباح والمباني نفسها كل مساء، حسبما يقول علام. وأشار علام إلى أن مدارسه اشترت بوابات للتعقيم تتكلف الواحدة منها 25 ألف جنيه. ولتجنب التكدس، اضطر لشراء العديد منها. وبعض المدارس الأخرى اختارت شراء بوابات أعلى تكلفة بقيمة تتجاوز 200 ألف جنيه للبوابة الواحدة. وعلاوة على ذلك، فإن التكلفة اليومية لتعقيم المباني تبلغ 10 آلاف جنيه يوميا، حسبما يقول علام.
وهناك تكلفة الحفاظ على التباعد الاجتماعي: المدارس ذات الكثافات الأعلى، ربما تضطر للقيام بحلول أكثر جذرية، وتشمل إنشاء فصول جديدة للحفاظ على كثافة منخفضة آمنة، حسبما يقول علام. وإلا ستضطر المدارس لتخفيض عدد الطلاب لديها، وهو أمر لا يمكنهم فعله. ويعني ذلك أنهم سيحتاجون إلى أراض جديد لإقامة توسعات.
في عالم لا يكون فيه طرف فائز، نجد أن اتباع النهج التعاوني من قبل المدارس الخاصة والدولية الكبرى يمكنها من قطع شوطا طويلا نحو تخفيف حدة الوضع المتوتر. وفي تصريحات لإنتربرايز، قال أحمد وهبي، الرئيس التنفيذي لمجموعة جيمس مصر: "نعمل على منح أولياء الأمور هيكل سداد أو خطة تقسيط محسنة مقارنة بما نقوم بصدده الآن". وأوضح وهبي أن جيمس مصر تعمل على الاستفادة من علاقاتها مع عدد من المؤسسات المالية، وخاصة المجموعة المالية هيرميس، من أجل مساعدة عملائها على تسديد المدفوعات. وقال أيضا: "نتعاون أيضا مع كل من شركتي باي فورت وكليك إت والبنك التجاري الدولي لمساعدة أولياء الأمور في الحصول على قروض طويلة الأجل بأسعار فائدة أقل". وفي غضون ذلك، تسمح شركة القاهرة للاستثمار والتنمية العقارية لأولياء الأمور الذين لم يدفعوا بعد الأقساط الثانية أو الثالثة بالقيام بذلك على مدى الأشهر الـ 5 إلى الـ 6 المقبلة، حسبما ذكره محمد القلا الرئيس التنفيذي لشركة القاهرة للاستثمار والتنمية العقارية. ومن جانبه قال علام إن عددا من المدارس الخاصة التي تنتمي للمستوى المتوسط تقدم عروضا مماثلة لأولياء الأمور الذين يعملون في القطاعات التي تضررت بشدة جراء الأزمة الحالية، مثل قطاع السياحة.
هذه المدارس لديها رغبة في تحمل الأضرار على المدى القصير من أجل تحقيق المكاسب على المدى البعيد، مع معارضة البعض منها لرفع سقف الزيادة في الرسوم الدراسية في العام الدراسي المقبل. وتابع القلا: "في مثل هذه المرحلة من الوقت، لا أفضل منح المدارس المرونة لتحديد الزيادات في الرسوم الدراسية بنفسها بسبب الوضع الاقتصادي". وأضاف: "أرى أن نبقي على نفس الحد الأقصى المعمول به خلال الفترة المقبلة لأنه يتماشى مع معدل التضخم". واتفق وهبي مع وجهة النظر هذه، وقال: "إذا أخذنا في الاعتبار سياق الأوقات، فهذا ليس الوقت المناسب لمحاولة زيادة الرسوم الدراسية بحيث تتعدى الحد الأقصى الموضوع، بالتأكيد. أوصي بإبقاء هذا الحد الأقصى كما هو. علينا أن نكون عادلين قدر الإمكان مع أولياء الأمور". ومع ذلك، فإن وهبي لا يدعم خفض سقف الزيادة في الرسوم الدراسية أكثر المعمول به حاليا.
كما أن هذه المدارس على استعداد لمواصلة الاستثمار في جودة التعليم بغض النظر عن الزيادة في الرسوم الدراسية: يقول وهبي: "بغض النظر عن السيناريو الذي ستطبقه الوزارة، فإن أولويتنا الرئيسية هي اعتمادنا كمؤسسات تعليمية. ومن ثم، فإننا سنواصل استثماراتنا الأساسية في جودة التعليم، لا سيما المدرسين لدينا".
إن كل ما تطالب به هذه المدارس هو أن تشارك في المناقشات وأن تسمح الوزارة لها بقدر من المرونة عند تنفيذ النظام المزيج من التعلم. وقال القلا: "أود أن أحث الوزارة على إجراء مشاورات مناسبة مع الأطراف ذات الصلة من المدارس من مختلف المستويات قبل اتخاذ قرار بشأن زيادة الرسوم الدراسية للعام الدراسي المقبل". وأضاف: "لا يجب اتباع نهج واحد لجميع الحالات عندما يتعلق الأمر بالمدارس، لذا يتعين على الوزارة أن تقر بالتنوع في كيفية عمل المدارس". ويرى القلا أن بعض المدارس قد لا تحتاج إلى نظام التعلم الذي يمزج بين التعلم الإلكتروني والتعلم داخل الفصول نظرا لأن كثافة الطلاب بالفصول لديها منخفضة للغاية. وعلاوة على ذلك، ومع تطور الموقف، قد يتعين على المدارس التكيف مع أي تغييرات في السياسة التعليمية، والتي يمكن أن يحدثها "كوفيد-19"، ولهذا فيجب أن يكون هناك قدر من المرونة.
… وتطالب المدارس أيضا بالمزيد من الوضوح من جانب الوزارة في أسرع وقت ممكن بشأن ما سيتعين عليها فعله في موسم الخريف المقبل، وهذا الأمر أكثر أهمية من مسألة هيكلة الرسوم، وفقا لما قاله وهبي. ويطالب القلا بالحصول على المزيد من الإيضاحات بحلول مطلع شهر أغسطس على أقصى تقدير.
وليس من المستغرب أن هذا النهج يلقى تجاوبا من أولياء الأمور. يقول القلا: "عندما نقول لأولياء الأمور إننا لا نستطيع تحديد الرسوم الدراسية بدون إيضاحات من الوزارة، فإنهم يظهرون تفهما للموقف، فهم يرون أن هذه الطريقة من التواصل المباشر شيء مريح". وقال القلا ووهبي ومسؤولون في عدد من المدارس الخاصة البارزة أن أولياء الأمور بشكل عام يقبلون الموقف ويقدرونه.