ازدهار شركات التأهيل للجامعات الأجنبية في مصر: في مارس الماضي، قررت شركة كولدج بورد، المسؤولة عن إدارة امتحانات الدبلومة الأمريكية (سات SAT)، إلغاء الامتحانات في مصر والمغرب والمملكة العربية السعودية بعد تقارير عن تسريب الامتحانات وعرضها للبيع. وهو ما يعكس توتر الطلاب والدور المهم الذي تلعبه تلك الامتحانات في التحاقهم بالجامعات الأجنبية وخاصة بالولايات المتحدة.
وهنا تظهر شركات الإعداد للدراسة الجامعية، والتي تخاطب ذلك الاحتياج. وقامت إنتربرايز بالبحث لأسابيع حول تلك الصناعة التي تنمو على صعيد قاعدة العملاء وكم إنفاقهم وعدد الشركات. وشهدت هذه الصناعة أيضا نموا في نوعية الخدمات المقدمة وأسعارها. ولكن مع هذا النمو تزيد المتاعب. فهذه الصناعة غير المنظمة قانونيا يهيمن عليها عدد من المعلمين الأفراد والشركات غير الموثوق فيها. ولا تضمن أي من هذه الشركات للطلبة المسددين للمصروفات أن يلتحقوا بالدراسة مما يجعل من جودة الخدمات محل شك. ولكن بالبحث في الصناعة يمكن الكشف عن أولويات أولياء الأمور والطلبة وعن الجامعات التي يبحثون عنها.
من الصعب معرفة حجم هذه الصناعة. ولا توجد تقريبا أي معلومات لدى الحكومة حول هذه الشركات. ومن بين 480 شركة في القاهرة تعلن عن نفسها عبر فيسبوك كمستشار تعليمي (ومن بينها المستشارين المهنيين ومدارس اللغات والمدارس الفعلية والمستشارين الاجتماعيين ومراكز تنمية القدرات) يوجد 91 منهم (حوالي 20%) مصنفين كمراكز تأهيل للجامعات، وهو ما يمكن أن نصنفه كمقدمي خدمات تعليمية والذين يهدفون بشكل أساسي لمساعدة الطلاب على الالتحاق بالجامعات. وتختلف هذه الشركات في الحجم والأسعار والخدمات المقدمة. وبعض هذه الشركات غير ربحية مثل أميديست (AMIDEAST) ولكن معظمها أعمال هادفة للربح. وقمنا بتقسيم هذه الشركات لنوعين، علما بأن عدد كبير منها تقدم النوعين من الخدمات:
مستشارين ومرشدين
- الخدمة المقدمة: وتقدم هذه الشركات خدمة الإرشاد بمرحلة الثانوية العامة لمساعدة الطلاب على اختيار الجامعة وتخصص الدراسة. وتقوم هذه الشركات أيضا بإرشاد الطلاب عن كيفية التقديم وإرشادات كتابة المقالات. وتقوم الشركات بذلك بشكل رئيسي من خلال الفصول وورش العمل أو الإرشاد الخاص أو عبر المنصات الإلكترونية.
- كيفية تحقيق الأرباح: وتقدم هذه الخدمات برسوم مقابل الساعة أو البرنامج أو المادة. وتطلب هذه الخدمات إرشاد عملي فتقوم بعرض خدمات خاصة مقابل رسوم أعلى. وتتراوح الرسوم ما بين 750 و1000 جنيه للساعة. كما تتراوح رسوم المواد ما بين 5000 و10000 جنيه.
- من أبرز هذه الشركات: نيوتن للخدمات التعليمية وإديولاين وأبيكس.
الوكلاء
مراكز التأهيل للامتحانات
- الخدمة المقدمة: هي أكثر أنواع شركات التأهيل للجامعات انتشارا، فهي تقدم دروسا للامتحانات العادية ولامتحانات دبلومات الصف الثانوي المختلفة ومن بينها امتحانات "السات" الأمريكية وشهادة الثانوية البريطانية (IGCSE) واختبار اللغة الإنجليزية "التويفل" (TOEFL) والبكالوريا الدولية. وازدادت هذه الشركات شهرة في السنوات الأخيرة، حسبما يقول عدد من المتخصصين في هذا المجال.
- كيفية تحقيق الأرباح: يستحوذ المدرسين الخصوصيين مقابل الساعة على هذه النوعية من الخدمة. وتعمل بعض الشركات كوكلاء للمدرسين ويحصلون على عمولة مقابل الدروس الخصوصية. وهذا النموذج في تقسيم الإيرادات يطبق أيضا على الورش التدريبية والدروس التي يقدمها المدرسون في تلك المراكز، وتتراوح أسعار التدريس للطلبة في المراكز ما بين 1000 و3000 جنيه للمادة.
- من أبرز الشركات: نيوتن للخدمات التعليمية هي أكبر لاعب في هذا المجال، بالإضافة لهيمنة مراكز أصغر مثل كوليدج جيت وإيجبشن سات.
مراكز تنمية الطلاب
- الخدمة المقدمة: هذه النوعية المتخصصة من الشركات تهدف إلى تنمية المهارات غير الأكاديمية التي تساعد الطلاب على التأقلم مع الحياة في بلد جديد بعيدا عن بيوتهم لأول مرة. وتركز هذه الشركات على تنمية المهارات الشخصية. وتعد شركة كواش هي اللاعب الرئيسي في هذا المجال، إذ تهدف إلى تنمية 10 مهارات حددها المنتدى الاقتصادي العالمي ومن بينها القيادة والتفاوض والتواصل والتعامل مع الفشل والقدرة على التعلم.
- كيفية تحقيق الأرباح: تعتمد هذه الشركات على تطوير برامج فريدة من نوعها وتشاركية تتضمن الألعاب التفاعلية وإنشاء نموذج للأمم المتحدة (MUN inc). وتحصل هذه الشركات الرسوم من الطلبة مقابل مجموعة من الجلسات كما تقدم أيضا خدماتها للمدارس. وتقدم كواش، على سبيل المثال، 10 جلسات مقابل 2000 جنيه.
- من أبرز الشركات: إلى جانب كواش يوجد آيسبارك وإمكان وفاست فورورد.
صناعة متنامية: بالنسبة إلى صناعة غير منظمة إلى حد كبير، من الصعب الحصول على تمويلات. لكن معظم الشركات التي تواصلنا معها تؤكد نمو العائدات وزيادة عدد الطلاب الذين يسعون للحصول على خدماتها. إذ قامت شركة نيوتن الرائدة بالمجال بتطوير خدماتها الاستشارية للطلاب، بتقديم اختبارات تحضيرية لامتحانات "السات" لخدمة أكثر من 2000 طالب منذ تدشينها عام 2013، حسب تصريحات الشريك المؤسس للشركة والمستشارة بوزارة التربية والتعليم نيللي الزيات. وترى الزيات أن هناك مستقبلا من جانب التعاون بين المؤسسات بتلك الصناعة، مع إدارة التوظيف والمنح الدراسية التي تدفع نمو العائدات. وكذلك شهد اللاعبون المتخصصون بالقطاع نموا بالعائدات وزيادة في عدد الأشخاص التي تقدم لهم الخدمات، إذ من المتوقع أن تسجل إيرادات شركة كواش للعام الحالي من 300 إلى 400 ألف جنيه، حسب تصريحات الشريك المؤسس عمر هشام. وأضاف هشام أن عدد الطلاب المستفيدين من الخدمات قد شهد نموا وصل إلى 150 طالبا للعام الجاري مقارنة بـ 20 طالبا فقط في عام 2016.
خدمات الاستشارات الطلابية محدودة: رغم وجود الطلب، إلا أن البعض يقولون إن تلك الصناعة قد تكون محدودة بسبب محدودية عدد الأشخاص القادرين على التأهل للتقدم إلى الجامعات الدولية، خاصة من ناحية الإرشاد الطلابي. يقول عمر خشبة، الشريك المؤسس لشركة "توب تشويس أدميشن" إن هذا القطاع غير قابل لتجاوز حجم معين. مضيفا، أن هناك مجموعة صغيرة من الطلاب الذين يذهبون إلى المدارس الثانوية الدولية في مصر، ومجموعة أصغر من بينهم سترغب في استكمال دراستهم بالخارج. علاوة على ذلك، فإن العمل موسمي، مع تركيز العمل حول المواعيد النهائية لتقديم الطلبات.
آخرون، من بينهم الزيات، يقولون إن فروع الجامعات الدولية الأخرى تحفز الطلب على تلك الخدمات. وعلى ما يبدو أن هذا التوجه يتجه للازدياد، إذ تخطط الحكومة لبناء 8 جامعات دولية جديدة بالعاصمة الإدارية خلال عام 2020.
مرونة الأسعار تمنح بعض الحماية للقطاع: من المثير للاهتمام ملاحظة أن الطلب على تلك الخدمات لم يتغير مع تغير مناخ الاقتصاد الكلي، إذ أشارت جميع الشركات التي تحدثنا معها إلى أنه لم تسجل أي منها تراجعا في عدد الطلاب المتقدمين للحصول على خدماتهم، على الرغم من تعويم الجنيه الذي تسبب في ارتفاع المصروفات الدراسية. وهو ما يبرز القوة الأساسية للتعليم كقطاع دفاعي في الاقتصاد، إذ يرغب الناس في الحصول على التعليم الجيد في الأوقات الجيدة وكذلك في الأوقات الصعبة، لذا يستمر الطلب على الخدمات التعليمية في جميع الأوقات.
مشهد فوضوي: ارتفاع نسبة المصريين الراغبين في التعلم في الخارج، إلى جانب انخفاض الحواجز لاختراق هذا المجال، أدى إلى دخول الشركات العشوائية وغير الرسمية للحصول على حصة أكبر من السوق في هذه الصناعة، خاصة في الجزء المتعلق بالتأهيل للاختبارات. وترى الزيات أن المتنافسين في الوقت الحالي هم المدرسون الخصوصيون والمراكز التعليمية، مضيفة أن هؤلاء قد تمكنوا من التفوق على المؤسسات غير الربحية. وحتى المراكز التعليمية يبدو أنها هي الأخرى تعاني من المنافسة المتزايدة، إذ تحدثت إنتربرايز لاثنين من مالكي مراكز التأهيل للاختبارات الجامعية، والذين كشفوا عن تراجع أعداد الطلاب المتقدمين للحصول على خدماتهم خلال العام الجاري مقارنة بالعام الماضي. ويقول أحد ملاك المراكز إن المدرسين الخصوصيين لهم دور كبير في تلك البيئة الفوضوية، ويمكنهم إملاء شروطهم على مقدمي الخدمات. وأضاف أن الطلب على تلك الخدمات مرتفع للغاية، وهؤلاء المعلمون لا يوجد ما يجبرهم على الاستمرار مع مركز معين، أو أن يدفعوا له نسبة.
انخفاض الجودة المقدمة؟ يقول المؤسس المشارك في شركة أبيكس للاستشارات التعليمية حسين الخشن إن القيمة المضافة التي تقدمها العديد من الشركات العاملة بالقطاع ضئيلة للغاية، ويرجع ذلك إلى اعتماد العديد من المعلمين والمستشارين على الإرشادات الدراسية ونماذج الاختبارات المتاحة بالفعل. ويضيف أن صناعة التأهيل للجامعات ليست مجالا يعتمد على النتائج بأي حال من الأحوال، فتلك الشركات لا تستطيع أن تضمن القبول في الجامعة من عدمه، بما يجعل من الصعب تقييم كفاءة الدورة التعليمية أو المعلم، وهو ما يقلل في النهاية من الجودة. وهذا هو الحال مع أغلب العاملين في هذا المجال. وهكذا تبقى الجودة هي مجال منافسة اللاعبين المتميزين في هذه الصناعة، والذين رغم تقاضيهم مبالغ كبيرة يقدمون التوجيه الأمثل الذي يساعد في زيادة فرص قبول الطلاب بالجامعات العالمية، وفقا للخشن.
ماذا تخبرنا تلك الصناعة عن الباحثين عن شهادات دولية؟ ارتفاع المصروفات الدراسية على المستوى المحلي تجعل الدراسة في الخارج خيارا مطروحا. العديد من الشركات العاملة بالقطاع صرحت لإنتربرايز أن قبل تعويم الجنيه كان معظم الأشخاص الذين كانوا يتقدمون للحصول على تلك الخدمات، كانوا يسعدون للقبول بجامعات محلية مثل الجامعة الأمريكية بالقاهرة. لكن مع زيادة المصروفات الدراسية التي شهدتها الجامعة خلال السنوات الأخيرة، يتساءل البعض إن كانت الدراسة في الخارج أفضل من حيث التكلفة، حتى مع الدراسة في جامعات بمصروفات مرتفعة للغاية في الولايات المتحدة الأمريكية أو بريطانيا. يشير الخشن إلى أنه "من الناحية الاقتصادية، يبدو الأمر أكثر منطقية، كما يرغب الكثيرون في الحصول على عمل بالخارج، واستخدام الجامعات الدولية هناك كنقطة دخول. لذا لا يرى أنه سيكون هناك تباطؤا في هذا المجال في أي وقت قريب." وتبلغ المصروفات الدراسية بالجامعة الأمريكية 15.660 ألف دولار سنويا للمصريين للعام الدراسي 2020/2019، بينما تصل المصروفات الدراسية للطلبة الأجانب بالجامعة الأمريكية إلى 22.500 ألف دولار سنويا حسب تقرير هيئة الإحصاء الكندية الذي أشار إليه موقع توب يونيفرسيتيز.
الطلاب أيضا يتطلعون إلى ما هو أبعد من المقاصد التقليدية: يبدو أيضا أن تعويم الجنيه كان له أثر على الأماكن التي يتطلع الطلاب إلى الدراسة بها في الخارج، حسبما أشار رامي فتحي من شركة ادرس، الوكيل المعتمد لأكثر من 200 جامعة في بريطانيا، وأمريكا وآسيا، في تصريحات لإنتربرايز. مضيفا أن التطلعات الآن تتجه نحو ماليزيا وأيرلندا وألمانيا التي أصبحت تقدم برامج دراسية باللغة الإنجليزية وأصبحت أكثر انفتاحا لجذب المزيد من الطلبة الأجانب.