تلوث الهواء يكلف مصر ما لا يقل عن 47 مليار جنيه سنويا، وفق تقديرات البنك الدولي. أقرت لجنة الطاقة والبيئة بمجلس النواب في وقت سابق من هذا الشهر اتفاق قرض بقيمة 200 مليون دولار من البنك الدولي للإنشاء والتعمير التابع للبنك الدولي، يهدف لمواجهة تلوث الهواء سيئ السمعة في القاهرة، وهو أمر ملح. يتسبب الهواء الملوث في مشاكل صحية مدمرة على المدى الطويل، ما يؤدي بدوره إلى ضغوط إضافية على أنظمة الرعاية الصحية وانخفاض الإنتاجية جراء الأمراض المزمنة، إضافة إلى ساعات العمل المهدرة ما ينتج عنه في النهاية أضرار اقتصادية كبيرة. ويقدر تقرير للبنك الدولي (بي دي إف) يعتمد على بيانات 2017/2016 (أحدث بيانات متاحة) أن تلوث الهواء في القاهرة الكبرى وحدها كلف مصر نحو 47 مليار جنيه في عام 2017، أو ما يعادل 1.35% من الناتج المحلي الإجمالي.
حسنا، إلى أي مدى وصل تلوث الهواء في البلاد؟ من بين الأسوأ على مستوى العالم. كشفت دراسة أجريت العام الماضي، والتي اعتمدت على بيانات حول جودة الهواء والضوء والتلوث الضوضائي، أن القاهرة هي المدينة الأكثر تلوثا في العالم، من أصل 48 مدينة شملها تقرير موقع ذا إيكو إكسبرتس. وشهدت القاهرة الكبرى في عام 2017 ما يصل إلى 12.6 ألف حالة وفاة مبكرة بسبب تلوث الهواء، بالإضافة إلى نحو 3 مليارات يوم عمل ضائع بسبب الأمراض الناتجة عن تلوث الهواء في القاهرة الكبرى، وعدم توفر المياه النظيفة والصرف الصحي والنظافة بشكل عام في مصر، بحسب ما ذكره البنك الدولي في تقريره.
الأمر أسوأ مما يبدو: يقاس تلوث الهواء بنسبة تركز جسيمات PM2.5 في الجو – جزيئات دقيقة يبلغ قطرها أقل من 2.5 ميكرومتر وأصغر بثلاثين مرة من شعر الإنسان. في الأيام التي تضرب فيها الرياح المحملة بالأتربة القاهرة، تدخل مستويات عالية من الجسيمات الدقيقة "PM2.5" إلى مجرى التنفس والرئتين. وتحدد منظمة الصحة العالمية المستويات الآمنة لنسبة تركز جسيمات PM2.5 في الجو تحت 10 ميكروجرام لكل متر مكعب من الهواء، وترى أن تقليل نسبة الجسيمات إلى هذا المستوى مقارنة بالنسبة البالغ قدرها 35 ميكروجرام لكل متر مكعب المنتشرة في أغلب الدول النامية قد يساهم في تخفيض الوفيات المرتبطة بتلوث الهواء بنسبة 15%. وبلغ متوسط نسبة "PM2.5" في القاهرة الكبرى 84 ميكروجرام لكل متر مكعب من الهواء في الفترة بين 1999 و2016، فيما بلغت أقل نسبة سجلت 66 ميكروجرام لكل متر مكعب.
ويفوق متوسط معدل جسيمات "PM2.5" في هواء القاهرة بأكثر من 11.7 مرة عن المعدل "الآمن" الموصى به، وفق بيانات منظمة الصحة العالمية. وتعتمد هذه التقديرات على البيانات الصادرة عن جهاز شؤون البيئة المصري، في حين لا توجد أي بيانات رسمية دقيقة عن الأوضاع خارج القاهرة الكبرى، بحسب تقرير البنك الدولي.
ما هي مصادر التلوث؟ حرق المخلفات ومصادر أخرى، ولكن تظل عوادم السيارات هي الملوث الأكبر للهواء في مصر. وأجريت الدراسات الأكثر شمولا لرصد مستويات جسيمات "PM2.5" في هواء القاهرة الكبرى في شتاء وخريف 1999 وصيف 2002، ووجدت أن حرق المخلفات (بما يشمل المخلفات الزراعية) والمخلفات البترولية مثل الكبريت والنترات والكلوريدات بالإضافة إلى عوادم السيارات هي أكبر مصادر جسيمات "PM2.5"، في حين كانت ذرات التراب التي تنقلها الرياح مسؤولة 9% فقط من هذه الجسيمات، بالرغم من ارتفاع النسب في الدراسات الحديثة في 2010-2011. ويضيف البنك الدولي أنه ليس من السهل تحديد نسب دقيقة لأكبر مصادر جسيمات "PM2.5".
التلوث يساهم بوضوح في زيادة المخاطر الصحية والوفيات المبكرة: من بين 12.6 ألف حالة وفاة سنويا بسبب التعرض لجزيئات PM2.5 في القاهرة الكبرى خلال 2017، تسببت أمراض القلب والصدر في 59% من الوفيات و14% من التهابات حادة في الجهاز التنفسي و13% بسبب السكتات الدماغية و14% بسبب أمراض أمراض الرئة وسرطان الرئة وداء السكري من النوع الثاني، بحسب تقرير البنك الدولي.
إلى جانب التكلفة الاقتصادية: تكلف التلوث في القاهرة الكبرى نحو 47 مليار دولار في 2017/2016، أو ما يعادل 2.7 مليار دولار لكل مليون نسمة، بحسب التقرير.
النبأ السار – معدل الوفيات يتراجع مع انخفاض مستوى تركز "PM2.5": فقد تحسنت بالفعل مستويات تركز جسيمات "PM2.5" في القاهرة الكبرى خلال الفترة 1999-2016، ما نتج عنه انخفاض معدل الوفيات لكل 100 ألف نسمة بنسبة 8% – من 79 إلى 73 – في الفترة نفسها، وفقا للتقرير.
الزيادة السكانية تزيد من تعقيد الأمور: وساهمت الزيادة السكانية السريعة في رفع نسبة الوفيات بسبب تركيز مستويات PM2.5 في الفترة ذاتها. وترى الأمم المتحدة أن الضغوط ستزداد على خدمات الرعاية الصحية وفرص العمل في البلاد مع التوقعات بوصول عدد السكان إلى 200 مليون نسمة قبل عام 2075.
التكلفة الاقتصادية الناجمة عن تلوث الهواء تعد أزمة عالمية: يقدر إجمالي التكلفة الاقتصادية العالمية للوفيات المبكرة والأمراض المزمنة والإجازات المرضية الناجمة عن تلوث الهواء بسبب الوقود الأحفوري وحده بنحو 2.9 تريليون دولار أو 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2018، وفق تقرير صادر عن مركز أبحاث الطاقة والهواء النقي (بي دي إف). ويشير التقرير أن تلوث الهواء الناجم عن الوقود الأحفوري تسبب في 1.8 مليار يوم من الانقطاع عن العمل على مستوى العالم في العام ذاته.
منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتأثر بشكل خاص رغم الوضع العالمي: في 2018، لم تستوف 97% من المدن في الدول متوسطة ومنخفضة الدخل التي يزيد عدد سكانها عن 100 ألف نسمة، الاشتراطات البيئية المتعلقة بسلامة الهواء التي أقرتها منظمة الصحة العالمية، وسجلت دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ودول جنوب شرق آسيا أسوأ أداء بحسب المحلل المتخصص في الطاقة والبيئة محمود أبو النجا. وفي مصر، بحسب قياس خسائر مستوى الرفاة – وهو مؤشر يستخدم من قبل الحكومة لقياس التأثيرات المالية والتأثير غير الملموسة لمعدلات الوفيات المبكرة – وجد أن تكلفة تلوث الهواء في عام 2013 وصلت إلى 31.5 مليار دولار.
وفي النهاية، لا يعد خفض مستويات تلوث الهواء أمرا صعبا، لكن يبقى التحدي في كيفية القيام بذلك دون التأثير على مستهدفات التنمية. ويقول أبو النجا إن التوسع العمراني السريع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والاعتماد الواسع على الوقود الأحفوري يجعلنا عرضة لمستويات مرتفعة من الهواء الملوث. وساهمت قطاعات الزراعة والصناعة بنحو 11.7% و34.3% على الترتيب من الناتج المحلي الإجمالي في مصر خلال عام 2017، وينبغي دعمها لتحقيق النمو. إذا كيف يمكننا الحد من تلوث الهواء دون التأثير على معدلات النمو؟
يمكن أن تكمن الإجابة عن هذا السؤال في مزيج من المبادرات الحكومية والخاصة، ودعم المؤسسات التنموية، والدروس المستفادة من الاقتصادات الأخرى. ونتناول هذا بالتفصيل في الجزء الثاني.
فيما يلي أهم الأخبار المتعلقة بالمناخ لهذا الأسبوع:
هذه النشرة اليومية تقوم بإصدارها شركة انتربرايز فنشرز لإعداد وتطوير المحتوى الإلكتروني (شركة ذات مسئولية محدودة – سجل تجاري رقم 83594).
الملخصات الإخبارية والمحتويات الواردة بنشرة «انتربرايز» معروضة للاطلاع فقط، ولا ينبغي اتخاذ أية قرارات جوهرية دون الرجوع إلى مصدر الخبر بلغته الأصلية. كما أن محتويات النشرة تقدم “كما هي – دون استقطاع”، ولا تتحمل الشركة أو أي من العاملين لديها أو أية مسئولية تجاه دقة أو صلاحية البيانات الواردة بالنشرة باعتبارها ملخصات إخبارية.2022 Enterprise Ventures LLC ©
نشرة «إنتربرايز» الإخبارية تأتيكم برعاية «بنك HSBC مصر»، البنك الرائد للشركات والأفراد في مصر (رقم التسجيل الضريببي: 715-901-204)، و«المجموعة المالية هيرميس»، شركة الخدمات المالية الرائدة في الأسواق الناشئة والمبتدئة (رقم التسجيل الضريبي: 385-178-200)، و«سوديك»، شركة التطوير العقاري المصرية الرائدة (رقم التسجيل الضريبي:002-168-212)، و«سوما باي»، شريكنا لعطلات البحر الأحمر (رقم التسجيل الضريبي: 300-903-204)، و«إنفنيتي»، المتخصصة في حلول الطاقة المتجددة للمدن والمصانع والمنازل في مصر (رقم التسجيل الضريبي: 359-939-474)، و«سيرا للتعليم»، رواد تقديم خدمات التعليم قبل الجامعي والجامعي بالقطاع الخاص في مصر (رقم التسجيل الضريبي: 608-069-200)، و«أوراسكوم كونستراكشون»، رائدة مشروعات البنية التحتية في مصر وخارجها (رقم التسجيل الضريبي: 806-988-229)، و«محرم وشركاه»، الشريك الرائد للسياسات العامة والعلاقات الحكومية (رقم التسجيل الضريبي: 459-112-616)، و«بنك المشرق»، البنك الرائد بالخدمات المصرفية للأفراد والخدمات المصرفية الرقمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (رقم التسجيل الضريبي: 862-898-204)، و«بالم هيلز للتعمير»، المطور الرائد للعقارات التجارية والسكنية (رقم التسجيل الضريبي: 014-737-432)، و «مجموعة التنمية الصناعية (آي دي جي)»، المطور الرائد للمناطق الصناعية في مصر (رقم التسجيل الضريبي 253-965-266)، و«حسن علام العقارية – أبناء مصر للاستثمار العقاري»، إحدى كبرى الشركات العقارية الرائدة في مصر (رقم التسجيل الضريبي: 567-096-553)، ومكتب «صالح وبرسوم وعبدالعزيز وشركاهم»، الشريك الرائد للمراجعة المالية والاستشارات الضريبية والمحاسبية (رقم التسجيل الضريبي: 827-002-220).