حصاد العام: أزمة سلسلة التوريد – عثرات 2020 التي تأبى مفارقتنا (للأبد؟)
أزمة سلاسل التوريد التي لا تنتهي: بالنسبة للبنية التحتية، كان 2020 "عام اضطراب سلاسل التوريد وتعافيها". وعلى الرغم من أن الكثير قد تغير خلال الاثني عشر شهرا الماضية، إلا أن مشاكل سلسلة التوريد للأسف لم تقتصر على العام الماضي وحده. أدت أنواع جديدة من النقص إلى تفاقم المشكلة مع مرور العام، بما في ذلك تشديد سوق العمل في الخارج الذي جعل الشحن والتسليم أبطأ بكثير. محليا، أثر نقص الرقائق على صناعة السيارات، واستقبلت قناة السويس سفينة جانحة أصبحت رمزا لأزمة الشحن، وارتفعت أسعار القمح وسط ضغوط السلع العالمية. ولكن كان هناك بصيص من الأمل أيضا، إذ استغلت بعض الشركات الناشئة المحلية التحدي لسد الفجوات في خطوط الإمداد المتعثرة.
تسبب نقص الرقائق في مشكلة كبيرة هذا العام – وهي عنصر مهم في صناعة العديد من المنتجات من الهواتف وأجهزة الكمبيوتر المحمولة إلى أجهزة التلفزيون والأجهزة المنزلية – في إحداث فوضى تجارية في جميع أنحاء العالم.
قطاع السيارات كان الأكثر تضررا في الداخل والخارج: أثر التباطؤ في توريد الرقائق ووحدات التحكم الإلكترونية والمكونات الأخرى من الخارج على مجمعي وموزعي السيارات المحليين، كما أخبرنا عددا منهم في أكتوبر. أفاد كبار المصنعين بتراجع واردات السيارات وفشل تحقيق مستهدفات البيع، فيما تباطأت خطوط الإنتاج المحلية أيضا.
لم يقتصر الأمر على زيادة صعوبة الحصول على المكونات هذا العام، بل زادت تكلفة تسليمها أيضا. ارتفعت تكاليف شحن الشركات المحلية للرقائق وجميع مكونات السيارات الأخرى بنحو 500% منذ بداية العام على خلفية النقص العالمي في الحاويات، حسبما أخبرنا خالد سعد، رئيس الجمعية المصرية لمصنعى السيارات والعضو المنتدب لشركة بريليانس البافارية. وفي الوقت نفسه، بدأت ارتفاعات الأسعار وتأخيرات الشحن في التأثير على المبيعات في نهاية العام، إذ أظهرت أحدث الأرقام الصادرة عن مجلس معلومات السيارات أن مبيعات سيارات الركوب كانت ثابتة بشكل كبير على أساس سنوي في أكتوبر بعد شهور من النمو المستمر على أساس سنوي.
لا تتوقع صناعة السيارات المحلية تحسنا بحلول عام 2022: توقع عدد ممن تحدثنا إليهم أن تستمر هذه المشكلة خلال النصف الأول من العام الجديد، فيما حذر آخرون من أن نقص الرقائق يمكن أن يستمر خلال السنوات المقبلة عالميا. وبينما تمكن معظم العاملين في صناعة السيارات المحلية من تجاوز القيود بالاعتماد على مخزون الرقائق الحالي، يتوقع الكثيرون دخول العام الجديد بأزمة إمداد أكثر خطورة. ردا على ذلك، يفكر الموزعون في زيادة أسعار السيارات بنسبة تتراوح بين 10 و15%، بينما يمكن للشركاء الدوليين خفض الإنتاج المحلي بنسبة 25-40% على أساس سنوي في عام 2022.
تأثرت المشروعات الخضراء أيضا، كما تناولنا في الجزء الأول من نظرتنا على الاقتصاد الأخضر في مصر خلال عام 2021.
بدأ نقص المواد الأولية في التأثير على الشركات المحلية مع نهاية العام. كان نمو القطاع الخاص غير النفطي يكافح تحت وطأة الضغوط التضخمية التي أججها نقص سلسلة التوريد العالمية بحلول الربع الرابع، إذ استمرت تكلفة الشحن والطاقة والمواد الخام في الارتفاع بشكل حاد. ظل النشاط التجاري غير النفطي في حالة انكماش طوال العام، وفي نوفمبر، وصل تضخم تكلفة المدخلات إلى ثاني أسرع معدل له في أكثر من ثلاث سنوات. انتقلت هذه التكاليف إلى المستهلكين، ما أدى إلى إضعاف الطلب، وبالتالي إجبار الشركات على تقليص الطلبات واستنفاذ مخزونها.
التضخم يمهد لنظرة مستقبلية قاتمة: التوقعات للإنتاج المستقبلي الآن عند أدنى مستوى لها في عام، إذ تتوقع الشركات المصرية أن يؤدي ارتفاع التضخم إلى كبح التحسن في النشاط خلال العام المقبل.
أصابت الأزمة أيضا السلع الأساسية بما في ذلك القمح: في حين أن دورة السلع الفائقة متوقعة على نطاق واسع والتي سمعنا عنها كثيرا في الربيع لم تظهر آثارها إلى حد كبير، إلا أن السلع الأساسية تضررت مع ذلك بسبب اختناقات الشحن وفجوات العرض. كون مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، فإننا نتعرض بشكل كبير لارتفاع الأسعار الذي شهد تسجيل أسعار الحبوب أعلى مستوياتها منذ أكثر من عقد في عام 2021، حيث قدمت المناقصات المصرية أعلى الأسعار في خمس سنوات على الأقل. وتدرس مصر التحوط من ارتفاع أسعار الحبوب العام الماضي، لكنها لم تعلن بعد عن أي قرار بشأن هذا الموضوع.
تأتي أزمة شحن الحبوب مع ارتفاع سعرها أيضا، إذ أشارت التقارير الصحفية إلى أن مشتري الحبوب الحكومي – الهيئة العامة للسلع التموينية – تحرك لتجميد الأفضلية السعرية البالغة 15% والممنوحة حاليا للخط الملاحي الوطني الشركة الوطنية للملاحة على توصيل واردات القمح إلى مصر في محاولة لخفض التكاليف عن طريق زيادة المنافسة.
ولا يمكننا تجاهل إيفر جيفن: كانت قناة السويس حديث العالم لعدة أيام في 2021، بسبب جنوح سفينة إيفر جيفن التي أغلقت المجرى الملاحي الحيوي تماما على مدى ستة أيام في مارس الماضي. ورغم ذلك أكد الحادث من جديد الأهمية الكبرى لقناة السويس بالنسبة لحركة التجارة العالمية.
تعطل حركة الملاحة بالقناة ضيع على الهيئة إيرادات يومية تقدر بقيمة 15 مليون دولار – ومهمة إنقاذ معقدة – وتعطيل 10-15% من التجارة الدولية تتجاوز قيمتها 9 مليارات دولار يوميا. واستمر الجدل لعدة أشهر من المساومة بين الحكومة المصرية وملاك السفينة، انتهت بتسوية في يوليو ستحصل بموجبها هيئة قناة السويس على 540 مليون دولار. أعطت الأزمة وسائل الإعلام العالمية أيضا، سببا لإلقاء نظرة فاحصة على سلاسل التوريد العالمية والشحن الدولي، مما يسلط الضوء على ضعف الاقتصادات العالمية الأكثر ارتباطا بالصدمات غير المتوقعة (الجائحة على سبيل المثال).
على الرغم من تلك الاضطرابات، فإن قناة السويس سجلت نموا ملحوظا في إيراداتها، إذ سجلت إيرادات قياسية في العام المالي 2021/2020، وحتى الأسبوع الماضي سجلت القناة 6.1 مليار دولار، مقارنة بإيرادات بلغت 5.61 مليار دولار في 2020 بأكملها. وفي الواقع، يمكن للقناة للاستفادة من أزمة سلسلة التوريد، فمن المقرر زيادة رسوم العبور بنسبة 6% لمعظم السفن اعتبارا من فبراير 2022، إذ عززت الارتفاعات القياسية في أسعار النفط ورسوم الشحن أرباح الخطوط الملاحية.
وفي غضون ذلك، بدأ تطبيق التسجيل المسبق للشحنات عبر منصة "نافذة": شهد هذا العام إطلاق المنظومة الحكومية للتسجيل المسبق للشحنات (ACI)، وسجل 85% من المستوردين النشطين في منصة "نافذة" حتى بداية شهر ديسمبر. وجرى تطبيق النظام الجديد القائم على تقنية البلوك تشين لتوفير الوقت والتكلفة، إضافة إلى مزيد من الشفافية في الإجراءات الجمركية. ونشأت بعض المشكلات عندما بدأ المستوردون ومسؤولو الجمارك في التعامل مع تلك التكنولوجيا الجديدة، إذ شكا بعض العاملين في الصناعة من مزيد من التأخيرات في معالجة الشحنات. وقال المعنيون بتلك المنظومة لإنتربرايز، إنه يجري العمل على حل المشاكل أولا بأول، وأن التوقعات للعام المقبل "إيجابية"، حيث تركز السلطات على ربط البنوك على المنظومة لإنشاء نظام رقمي بالكامل.
المكاسب الكامنة وراء كل تلك الأزمات: إنها تخلق مساحة للشركات الناشئة المحلية للتدخل. وبالنسبة لشركات مثل تطبيق "مكسب" لربط تجار التجزئة بالموردين ومنصة بريمور للتجارة الإلكترونية – التي تعمل على حل الفجوات العالقة في إدارة سلسلة التوريد – فقد سلطت الأزمة العالمية الضوء على الحاجة إلى معالجة العيوب الموجودة مسبقا في الطريقة التي تُدار بها الخدمات اللوجستية محليا على مدار التاريخ، وعزز من خطة استثماراتهم.
ويبدو أنها تعمل على ذلك: استحوذ تطبيق مكسب على منصة التجارة الإلكترونية واللوجستيات المغربية وايز تو كاب خلال الصيف بعد أن جمع "مكسب" 40 مليون دولار في جولة تمويلية أولية. في غضون ذلك، استحوذت شركة فوري للمدفوعات الإلكترونية على حصة أقلية في منصة بريمور مقابل 15.7 مليون جنيه، كجزء من جولة تمويل أولية تجريها المنصة خلال الفترة المقبلة.
وعند الحديث عن المياه، كان النقل البحري أكثر إثارة للاهتمام هذا العام، إذ لفت انتباه جميع اللاعبين الأجانب: شهدت المشروعات المستقبلية للموانئ في مصر توقيع عدد من الاتفاقيات والاستثمارات التي تهدف إلى توسيع شبكة النقل البحري. وتلقى ميناء العاشر من رمضان الجاف وميناء سفاجا استثمارات مخططة بقيمة 500 مليون دولار من موانئ أبو ظبي التي وقعت أيضا مذكرة تفاهم لإدارة وتشغيل محطة متعددة الأغراض في ميناء سفاجا البحري. في حين تلقى مشروع العاشر من رمضان عطاءات من 6 تحالفات لإنشاء وتشغيل الميناء الجاف. كما جذب ميناء العين السخنة الانتباه، حيث تتطلع موانئ دبي العالمية ومجموعة سي دي سي إلى تخصيص جزء من الاستثمارات الجديدة لمنصة الاستثمارات المشتركة بين الطرفين والبالغة 1.7 مليار دولار للاستثمار في الموانئ الأفريقية والبنية التحتية اللوجستية.
أبرز أخبار البنية التحتية في أسبوع:
- تعتزم وزارة التموين إنشاء أربعة مجمعات صناعية للزيوت والمنظفات بتكلفة استثمارية 6 مليارات جنيه، وتدرس الوزارة عدة بدائل لتنفيذ المشروعات من بينها الشراكة مع القطاع الخاص.
- افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي عدد من مشاريع الكهرباء بالصعيد، كما قرر ضم قرية غرب سهيل بأسوان إلى مبادرة "حياة كريمة".
- وإحياء مشروع توشكى من خلال افتتاح الرئيس للمرحة الأولى من مشروع "توشكى الخير" بمساحة 100 ألف فدان.