الحلقة المفقودة في سوق العمل في مصر
هل رفع مهارات ذوي الياقات البيضاء هو الحلقة المفقودة لسوق العمل في مصر؟ وجدت دراسة جديدة من جامعة نيكسفورد – وهي مؤسسة تقوم عبر الإنترنت بالكامل وتعمل على تشجيع تنمية المهارات وإنشاء مجتمع تعليمي عالمي من خلال التكنولوجيا – أن الغالبية العظمى (78%) من أرباب العمل في مصر يبلغون عن صعوبات في العثور على موظفين مهرة من ذوي الياقات البيضاء. تشير نتائج الدراسة، التي تستند إلى دراسة استقصائية لأصحاب العمل من الشركات متعددة الجنسيات والشركات المحلية الكبيرة التي توظف أكثر من ألف شخص، إلى أن أصحاب العمل والموظفين بحاجة إلى الاستثمار باستمرار في بناء ثقافة التعلم المستمر للبقاء في المنافسة.
تتشابك الردود مع ما أخبرنا به قراء إنتربرايز: كان العثور على موظفين موهوبين والاحتفاظ بهم هو التحدي الأكثر إلحاحا الذي يواجه الشركات، كما وجد استطلاع قراء إنتربرايز لعام 2020. يبدو أن التحدي ينمو على أساس سنوي، إذ جاء كرابع أكبر مشكلة للشركات في إصدار العام السابق من استطلاعنا.
تتوافق هذه النتائج أيضا مع الاتجاهات العالمية: وجدت قمة إعادة تشكيل المهارات التابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي العام الماضي أن 50% من الموظفين سيحتاجون إلى إعادة تشكيل المهارات بحلول عام 2025، ويأتي التفكير النقدي وحل المشكلات على رأس قائمة المهارات المطلوبة.
الحاجة إلى صقل مهارات الموظفين الحاليين: وجد استطلاع نيكسفورد أن 51% من أصحاب الأعمال يعتقدون أن 20% على الأقل من موظفيهم يحتاجون إلى تحسين المهارات – وقال 53% إنهم يفكرون في تقديم المساعدة اللازمة لذلك.
قلة العمالة الماهرة في مستهل حياتهم العملية يعني توظيف موظفين مؤهلين أكثر من اللازم – وقصر دورة العمل: 70% من أصحاب العمل سيوظفون مرشحين على مستوى المبتدئين إذا كانوا أكثر استعدادا للعمل، وهو ما يتوافق مع الاتجاهات الملحوظة في جميع أنحاء أفريقيا، حسبما أوضح مؤسس جامعة نيكسفورد ورئيسها التنفيذي فضل الطرزي (لينكد إن) لإنتربرايز. نظرا لصعوبة العثور على المواهب ذات المهارات المناسبة، غالبا ما يقوم أصحاب العمل بتوظيف مرشحين مؤهلين أكثر من اللازم للوظيفة الذين يجدون أنفسهم سريعا لا يحققون ذاتهم فيها، ما يخلق حلقة مفرغة من دوران الموظفين. ووجدت الدراسة بشكل حاسم أن تأثيرات تعيين الشخص الخطأ تستمر لمدة 18 شهرا على الأقل.
ما الذي يجعل الموظف المحتمل جذابا؟ 80% من أصحاب العمل يعتبرون أن خريجي ماجستير إدارة الأعمال أكثر استعدادا للعمل مقارنة بمن ليس لديهم ماجستير في إدارة الأعمال، إذ أفاد 60% أنهم سيوظفون المزيد من الحاصلين ماجستير إدارة الأعمال إذا استطاعوا. يقول الطرزي: "هذا يتحدى فكرة أن الدرجة الجامعية لم تعد مطلوبة"، مشيرا إلى أن ندرة المواهب المؤهلة تخلق سوقا بكون فيها أصحاب العمل "يائسين للغاية" لدرجة أنهم على استعداد لتوظيف مرشحين بدون شهادة جامعية إذا كان لديهم المهارات المطلوبة.
القدرة على تحليل الأعمال كانت إحدى المهارات التي وجد أنها شحيحة، فقد أفاد أكثر من نصف أصحاب العمل بأنهم وجدوا أنه من "الصعب" أو "الصعب للغاية" العثور على مواهب بهذه المهارة. ومن بين المهارات الأخرى الشحيحة كانت التحول الرقمي (45%) والتسويق الرقمي (37%).
العمالة الحالية ينقصها المهارات الشخصية، أبلغ 40% من أصحاب العمل عن نقص في التفكير الإبداعي، و37% منهم أبلغوا عن نقص في مهارات إدارة الوقت و28% منهم يواجهون نقصا في مهارات حل المشكلات لدى الموظفين. كما وجد أن قدرات التفكير النقدي والعمل الجماعي / التعاون يفتقران إلى المهارات. على الرغم من أن هذه تحديات عالمية، إلا أن الطرزي أشار إلى أن الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا يجعل الناس أكثر ميلا نحو استخدام الردود المقولبة في طرق مواجهتهم للأمور ويقلل من التفكير الإبداعي، إلا أنهم هولاء الأشخاص غير مرحب بهم بشكل خاص في مصر. وأشار إلى أنه حتى في قطاع الشركات الناشئة، الذي ينظر إليه تقليديا على أنه يقود الابتكار والإبداع، تتبنى العديد من الشركات الصيغ الثابتة بدلا من الابتكار.
هذا ليس مشكلة في التوظيف فقط: فجوات المهارات التي تقوض فعالية الاستثمارات التكنولوجية هي أيضا شكوى شائعة بين أصحاب العمل، إذ أشار 62% من المشاركين في الاستطلاع إلى هذه المشكلة. أفادت العديد من الشركات أن محو الأمية الرقمية ما يزال يمثل تحديا لأنها تحاول أن تظل قادرة على المنافسة في سوق تتزايد بها الرقمنة. حتى الشركات التي تتطلع إلى تحسين المهارات في هذه المجالات تحجم عن الاستثمار في التكنولوجيا لأنها تشعر أنها لا تمتلك المهارات اللازمة لنشرها.
تحتاج البنوك وشركات الاتصالات والضيافة إلى أقصى درجات المهارة: تعد البنوك وشركات الاتصالات من أكبر مستهلكي التعليم، إذ يتمتع كلا القطاعين باحتياجات محددة للغاية في التسويق الرقمي وخدمة العملاء. ويشهد قطاع الضيافة موجة جديدة من الطلب على المهارات في مجالات مثل الاتصالات والتسويق الرقمي.
تكافح المنظمات التي تحتاج إلى المواهب الفنية للتوسع دون الاستثمار في التعليم، إذ تعد الأدوية من أهم القطاعات للاستثمار في التعليم، الأمر الذي يعود بالأساس إلى حاجة موظفي قطاع الأدوية ذوي الياقات البيضاء إلى المعرفة التقنية وسد الفجوات الكبيرة في مبيعاتهم ومهاراتهم العملية.
البداية تكون ببناء ثقافة التعليم وتشجيع الموظفين على تحديد الفجوات الخاصة بهم، مما يجعل التعلم المستمر مسؤولية مشتركة بين أصحاب العمل والموظفين، لا سيما مع أولئك الموظفين الذين يسهلون العملية. ويجب أن يكون التعليم الهادف جزءا من باقة مزايا الموظفين إذا أرادوا الحفاظ على قدرتهم التنافسية، حسبما ذكر الطرزي. ويعتمد معظم أصحاب العمل على خطط تطوير متخصصة بدلا من برامج تحسين المهارات المستمرة ويفتقرون إلى الحوافز الضريبية للاستثمار في موظفيهم. وأشار الطرزي، إلى إمكانية شمول الحوافز لمؤشرات أداء رئيسية للمسار الوظيفي تمكن الموظفين من أداء أدوارهم بشكل أفضل أو منح الأشخاص إجازة مدفوعة الأجر للاستثمار في التعلم وتطوير المهارات.
الفشل في الارتقاء بالمهارات سيفقدنا العديد من الفرص: من منظور الحراك الاقتصادي، هناك الكثير الذي يمكن للشركات المصرية الاستفادة منه إذا استثمرت في تطوير المهارات، مما يزيد من تدفقات النقد الأجنبي إلى البلاد كل عام. "إذا نظرنا إلى الإمكانات الاقتصادية العالمية، يمكننا تحقيق تأثير اجتماعي واقتصادي كبير جدا إذا ارتقت المهارات"، على حد قول الطرزي، الذي أشار أيضا إلى أن الاضطرابات في بعض الصناعات تعني أننا سنتخلف عن الركب إذا لم نرتق بالمهارات. لكن نظام التعليم الحالي ومناخ التعلم لا يشجعان على ذلك، ولا يتحدث عنه أصحاب العمل. ونوه الطرزي بأن عقلية التعلم مدى الحياة هي أثمن الأصول التي يمكن للموظف أن يجلبها إلى أي مؤسسة.