تقنية كريسبر تبشر بعلاجات مرتقبة لكل الأمراض.. حتى الإيدز والسرطان
نجحت شركة إنتيليا ثيرابيوتيكس الأمريكية الناشئة في علاج الأعضاء الداخلية للمرضى باستخدام تقنية كريسبر لتعديل الجينات لأول مرة في التاريخ، وفقا لصحيفة فايننشال تايمز. وكانت التقنية لا تصلح في السابق إلا لإجراء تعديلات على الخلايا خارج الجسم أو في العيون، لكن التطور الجديد سيفتح الباب أمام علاج بعض الأمراض التي لم يكن من الممكن علاجها من قبل. وشاركت العالمتان الفائزتان بجائزة نوبل جنيفر داودنا ونيسان بيرمنجهام، في تأسيس شركة إنتيليا ثيرابيوتيك، التي تعاونت مع شركة التكنولوجيا الحيوية ريجينيرون لعلاج الداء النشواني الترانستريتيني، وهو مرض يحدث عندما يتراكم بروتين غير طبيعي في الأعضاء، مما يسبب مشاكل لقلب المريض وجهازه العصبي ويقصر متوسط عمره.
ما هي تقنية كريسبر؟ المقصود بها التكرارات العنقودية المتناظرة القصيرة منتظمة التباعد، وقد عرفها البشر لأول مرة من البكتيريا، التي تستخدمها لحماية نفسها من الفيروسات. تحتوي البكتيريا على تسلسلات الحمض النووي المعروفة باسم CRISPRS، والتي تستطيع التطابق تماما مع التسلسل الفيروسي، وبهذا تتمكن من الالتصاق بالفيروس وقطعه، مما يؤدي إلى تعطيل آثاره السلبية.
في عام 2012، قدمت داودنا مع زميلتها الفرنسية إيمانويل شاربنتييه بحثا يدور حول محاولة التلاعب بنفس العملية لتغيير الجينات تماما، عن طريق قطع الحمض النووي الضار واستبداله بنسخة صحية باستخدام تقنية كريسبر.
لو كانت العملية تبدو مألوفة بالنسبة لك، فهذا لأنها مألوفة بالفعل، إذ ساعدت كريسبر في إنتاج اللقاحات بتقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA)، وذلك عن طريق قطع الجينات واستبدالها بالامتداد الهندسي للحمض النووي الريبوزي، الذي يسمح للخلايا بإفراز البروتينات المرتفعة اللازمة لمحاربة فيروس "كوفيد-19". ويمكنك قراءة المزيد في هذا العدد السابق من "إنتربرايز تشرح" باللغة الإنجليزية.
يمكنكم أيضا مشاهدة العملية برمتها في مقطع الفيديو هذا (شاهد 4:12 دقيقة) بواسطة مختبر جاكسون التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
إمكانات واعدة وكثيرة: نجحت تقنية كريسبر في علاج فقر الدم المنجلي، خلال التجارب التي أجرتها شركة الأدوية الحيوية كريسبر ثيرابيوتيكس، بينما تعمل شركة إيديتاس ميديسن على تجارب لعلاج بعض أشكال العمى الوراثي. وتعد الشركتان بالإضافة إلى إنتيليا الشركات الوحيدة التي حصلت على براءات اختراع متعلقة بكريسبر حتى الآن. لكن التقنية لها آفاق واسعة أخرى، فالقدرة على قص أي تسلسل من الحمض النووي ولصقه يمكن أن تساعد في علاج أمراض مثل السرطان وضمور العضلات وحتى الإيدز، بحسب شركة لابيوتك.
بالنسبة إلى إنتيليا ثيرابيوتيك، تعد أفريقيا مكانا مناسبا لتقديم الطرق العلاجية الخاصة بهم. وتتعاون الشركة مع مؤسسة بيل وميليندا جيتس لعلاج المصابين بمرض فقر الدم المنجلي في القارة الأفريقية، وتأمل في تعديل نخاع العظام لعلاج الأمراض القائمة على الدم دون زرع خلايا.
هل تمهد كريسبر الطريق لتحقيق بعض الخيال العلمي؟ رغم أنها فكرة مثيرة للجدل، فإنه يمكن نظريا استخدام التقنية لتخليق أطفال بصفات معينة قابلة للتوريث إلى الأجيال التالية، حسبما ذكرت مجلة التايم. ففي عام 2018، استخدم الطبيب الصيني الشاب هي جيانكوي تقنية كريسبر لتعديل الأحماض النووية لطفلتين توأمتين بحيث تصيران منيعتان ضد فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، وهكذا عرف العالم أول أطفال معدلين جينيا في التاريخ. وبعد عام واحد، خضعت الفتاتان للدراسة مرة أخرى، والتي وجدت أن أدمغتهما تغيرت بطريقة تحسن الإدراك والذاكرة، وفقا لتقرير موقع إم أي تي تكنولوجي ريفيو. وبغض النظر عن النتيجة، حُكم على جيانكوي بالسجن ثلاث سنوات بتهمة "الممارسات الطبية غير القانونية". لكن ربما يختلف الزمان وتتغير طرق التفكير، ربما يأتي وقت قريب لا نجد فيه معارضة للبشر المعدلين وراثيا، فالوباء الذي ضرب العالم ربما يمهد الطريق أمام الناس لتقبل التعديلات الجينية وتحسين قدرة البشر على مقاومة الفيروسات. من يدري؟