كيف تحصل الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة في مجال الاقتصاد الأخضر على التمويل في مصر؟
أين تذهب الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة في مجال الاقتصاد الأخضر للحصول على التمويل، في غياب صناديق رأس المال المغامر والبنوك؟ في حين أنه من السائد أن تكون صناديق رأس المال المغامر والمستثمرون الملائكيون هم شريان الحياة للشركات الناشئة، فإن هذا لا ينطبق عندما تكون تلك الشركات الناشئة خضراء. كنا استعرضنا في تقريرنا السابق الأسباب التي تجعل صناديق رأس المال المغامر والمستثمرين الملائكيين لا يرغبون بالاستثمار في الشركات الناشئة الخضراء، ووجدنا أن هناك مجموعة من الأسباب وراء ضعف تمويل الشركات الخضراء، منها ندرة التمويل، وقدرة تلك الأعمال على التوسع، إضافة إلى ارتفاع احتمالية خروجها من السوق. لذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: بدون وجود تقييمات مبهرة، إلى أين يمكن للشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة في مجال الاقتصاد الأخضر أن تلجأ للحصول على التمويل؟ البنوك؟ حسنا، لا يعد هذا خيارا أيضا.
في حقيقة الأمر، اتضح أن مثل هذه الشركات ليس أمامها الكثير من الخيارات. وبحسب ما صرح به العديد من الأطراف المعنية لإنتربرايز، فإن هذه الشركات تلجأ إلى كافة وسائل التمويل المتاحة، بدءا من نماذج الاستثمار المرتبطة بالتمويل الجماعي والعمل الخيري وحتى نماذج مشاركة الإيرادات. ولكن لا يزال من الممكن عمل المزيد، إذ أن هناك حاجة إلى رؤية المزيد من التعاون بين القطاعين الخاص والعام في المساعدة على إضفاء المصداقية على الشركات الناشئة في مجال الاقتصاد الأخضر.
ولكن أولا، إليكم تذكيرا ببعض الأمور: في حين شهدت الشركات الناشئة المزيد من الاهتمام من قبل المستثمرين في الأشهر الماضية، تسببت ندرة التمويل، وضعف القدرة على التوسع، إضافة إلى ارتفاع احتمالية الخروج من السوق في جعل الشركات الناشئة في مجال الاقتصاد الأخضر أقل جاذبية. وعلى عكس الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، فإن الشركات الناشئة في قطاع الاقتصاد الأخضر قليلة ولا تقدم قصص نجاح محلية جذابة، من حيث التأثير والخروج وإمكانية التوسع والعائد على الاستثمار، مما يجعلها تبدو أقل ربحية، بحسب الشريك الإداري لصندوق المرحلة المبكرة "إتش آي مانجل" خالد إسماعيل، في تصريحات لإنتربرايز. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الشركات الناشئة تعاني في الغالب من دورات التدفق النقدي السلبية التي يمكن أن تستغرق ما يصل إلى 6 – 8 أشهر للتعافي.
قد تبدو القروض البنكية الخيار المنطقي التالي، ولكن المعايير الصارمة للتأهل لتلك القروض تمثل حجر عثرة. ويقول إسماعيل "تأتي القروض البنكية مع الكثير من القيود، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمعايير الاستحقاق، مما يجعل من الصعب على الشركات الناشئة في مراحلها المبكرة الحصول على مثل تلك القروض". وتشمل هذه القيود عدد سنوات تشغيل معينة وتدفق ثابت للإيرادات. ومن ثم، يصبح من الصعب على الشركات الناشئة الحصول على التمويل البنكي. وترى ريم السعدي، المدير الإقليمي لبرنامج دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة لدى البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، أن البنوك بحاجة إلى أن يكون لديها فرق مخصصة للنظر في مستقبل الاستثمار بدلا من النظر إلى صافي ربح الشركات الناشئة. وأضافت السعدي أنه، مع ذلك، سيستغرق الوصول إلى هذه المرحلة بعض الوقت.
يمكن أن يمثل التمويل على أساس الإيرادات جزءا من الحل لتلك المشكلة، وفقا لما قاله رئيس مجلس إدارة شركة الاستثمارات الملائكية "كايرو إنجلز" على الشلقاني، في تصريحات لإنتربرايز. ومحليا، دخل صندوق "بلتون إس إم إي" بالفعل ذلك المجال من خلال تمويل نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة مقابل نسبة مئوية من إيراداتها لفترة زمنية محددة، وكل ذلك مع تقديم مدفوعات متغيرة. ونظرا لأن الصندوق قائم على التصفية الذاتية، فإن هذا يعني أن الاستثمار يتم سداده باستخدام الدخل الناتج عن الأعمال التي يستثمر بها، ولهذا يعد الصندوق خال من المخاطر إلى حد ما، مما يجعله جذابا للمستثمرين. وفي تصريحات لإنتربرايز، قال الرئيس التنفيذي لبلتون إس إم إي يحيى عاشور، إن هذا لا يتضمن قروضا أو حقوق ملكية، ويركز على التنمية والتأثير، وهو ما يشمل الاقتصاد الأخضر.
تعتزم "بلتون إس إم إي" إطلاق صندوق استثماري للمشروعات الصغيرة والمتوسطة برأسمال مليار جنيه بنهاية عام 2021. وستكون الشركات التي تمكنت من إثبات مفهومها مؤهلة للحصول على التمويل. وتتطلع "بلتون إس إم إي" حاليا إلى الاستثمار في شركة أغذية ومشروبات، بالإضافة إلى شركة ناشئة في مجال إعادة تدوير زيت الطعام.
إن صناديق الاستثمار المؤثرة والمستثمرين الخيريين سيكون لهم دور أيضا، بحسب السعدي. واكتسب الاستثمار المؤثر – وهو استراتيجية استثمارية تهدف إلى إحداث تأثيرات اجتماعية أو بيئية مفيدة، إلى جانب المكاسب المالية – بعض الزخم المعتدل في مصر.
وكانت شركة كاتاليست بارتنرز أعلنت الشهر الماضي إطلاق صندوق بقيمة 500 مليون جنيه لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، بعد توقيع مذكرة تفاهم مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وأعلنت كاتاليست وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في وقت سابق من هذا العام عن شراكة لتعزيز الاستثمار المؤثر بمصر، هو ما سيمكن مجموعة من الشركات الصغيرة والمتوسطة "الجاهزة للاستثمار" من الاستفادة من الأدوات المصممة لمساعدتها في قياس تأثيراتها البيئية والاجتماعية. وقال عاشور إن هذا يمكن أن يكون ضروريا لجذب المستثمرين، إذ أنه وعلى العكس من أصحاب الأعمال الخيرية، فإن المستثمرين المؤثرين يبحثون عن عوائد قابلة للقياس.
يمكن أيضا الاستفادة من التمويل الجماعي، إذ تسمح مواقع التمويل الجماعي الشهيرة للشركات في مراحلها المبكرة بتقديم مساعدات لهؤلاء الأشخاص، ولكن في بعض الأحيان يتم توزيع الأسهم أيضا بكميات هامشية. ويدرس البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية مع هيئة الرقابة المالية وضع قانون لتنظيم التمويل الجماعي في مصر. وتقول السعدي إن هذا يمكن أن يساعد في تمويل الشركات المؤثرة في المراحل المبكرة ذات نماذج الأعمال غير القابلة للتوسع على نحو كبير أو التقليدية للغاية.
ولكن على الرغم من كل هذا، هناك حاجة إلى المبادرات الحكومية. تقول السعدي إنه إذا دخلت الحكومة المشهد، فإنها ستجعل المستثمرين أكثر ثقة لأنه سيتم تقاسم المخاطر. وأشارت السعدي إلى صندوق النمو النظيف في بريطانيا – وهو صندوق رأس مال مخاطر مشترك بين القطاعين الخاص والعام بقيمة 40 مليون جنيه استرليني ويستهدف الاستثمار في الشركات التي تتخذ من بريطانيا مقرا لها والتي تقود التكنولوجيا الخضراء في قطاعات الطاقة والنقل والنفايات وبناء كفاءة الطاقة – باعتباره مثالا على برنامج شراكة حكومية ناجح. وتتوقع الحكومة البريطانية أن تصل قيمة الصندوق إلى 100 مليون جنيه إسترليني بحلول خريف 2021 من خلال جمع الأموال من القطاع الخاص.
ما زال يتعين على القطاع الخاص أن يقود المسيرة: رغم أهمية هذه المبادرات لمصر، يرى عاشور أن الحكومة ستقوم بالتأكيد بخلق العرض والطلب عند دخول القطاع، ومع ذلك، لا ينبغي انتظار دخول الحكومة إلى المشهد من أجل البدء في الاستثمار.
وعالميا، نجد أن أدوات الاستثمار البديلة آخذة في الازدياد، وفقا لما قاله الشلقاني، والذي أشار إلى أن الأسواق والأدوات المشابهة لسوق الاستثمار البديل في بريطانيا، وهي سوق النمو في بورصة لندن، والمخصصة لمساعدة الشركات الصغيرة – التي لا تستطيع تحمل تكلفة الإدراج الرسمي – في جمع رأس مال يكفي لتمويل توسعاتها. وفي المقابل، يحصل المستثمرون على إعفاءات ضريبية. وفي حين يُنظر إلى استثمارات سوق الاستثمار البديل على أنها أكثر خطورة من تلك الموجودة في السوق الرئيسية، فإن الحوافز الضريبية المعروضة يمكن أن تجعلها أكثر جاذبية.
كما يمكن للشركات الخضراء أن تتطلع إلى الاستفادة من الاتجاه نحو الاستثمار في الشركات التي تراعي معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات: وعلى الرغم من أن العديد من الشركات العالمية الكبرى في مجال التمويل تتعرض للانتقاد لعدم وفائها بالتزاماتها الاستثمارية المتعلقة بتغير المناخ، فإن الوعي المتزايد بالحاجة إلى هذه التعهدات هو الذي ساعد في تحفيز الابتكارات المالية المذكورة أعلاه. وتبلغ قيمة الشركات المدرجة في البورصات العالمية والتي ستستفيد من التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري، نحو 6 تريليونات دولار، مع تزايد اهتمام المستثمرين بالمعادن المستخدمة في إنتاج البطاريات، ووقود الطائرات المستدام، واللحوم المنتجة في المعامل، والخرسانة منخفضة الكربون، وهو ما زاد من المخاوف من حدوث قفزات سريعة مبالغ فيها في أسهم تلك الشركات. وأفاد تقرير صادر عن شركة بي دبليو سي أن صناديق رأس المال المغامر ضخت أكثر من 16.3 مليار دولار في استثمارات المناخ التكنولوجية خلال 2020، وهو ما يشير إلى إمكانية استفادة الشركات الخضراء أيضا من ذلك الاتجاه.
فيما يلي أهم الأخبار المرتبطة بالحفاظ على المناخ لهذا الأسبوع:
- تستهدف "أكتيس" البريطانية للاستثمار المباشر مضاعفة استثماراتها بقطاع الطاقة في مصر وعدد من الدول الأفريقية الأخرى إلى ملياري دولار خلال الأعوام الخمسة المقبلة.
- قررت الحكومة حظر استيراد السيارات الكهربائية المستعملة، بموجب قرار أصدرته وزارة التجارة والصناعة بهدف تشجيع تجميع السيارات الكهربائية محليا.
- تتعاون وزارة البيئة مع شركة جيوسايكل التابعة لمجموعة لافارج للتخلص الآمن من 200 طن مبيدات خطرة ومنتهية الصلاحية قام المشروع بجمعها من عدة مناطق للتخلص من كل رواكد هذه المبيدات، فى إطار مشروع الإدارة المستدامة للملوثات العضوية الثابتة.