كيف تعظم مصر الاستفادة من موقعها كمركز للكابلات البحرية؟
كيف تعظم مصر الاستفادة من موقعها كمركز للكابلات البحرية؟ تعد مصر مركزا لمرور الكابلات البحرية الخاصة بنقل الإنترنت، حيث يمر من خلالها 17 كابل، وفقا لخريطة الكابلات البحرية. وفي تصريحات لإنتربرايز، قال مسؤول في الشركة المصرية للاتصالات إن عدد الكابلات التي تمر عبر مياه مصر الإقليمية يجعلها في المركز الثاني بعد الولايات المتحدة من حيث عدد الكابلات البحرية التي تمر خلالها، بما يمثل 17% من جميع الكابلات البحرية حول العالم. إلا أنه، وعلى الرغم من كون مصر مركزا لمرور الكابلات البحرية، فإنها ما زالت تفتقر إلى الاستثمارات الكبرى في هذا المجال ولم تستخدم هذه الكابلات بأكبر قدر ممكن، وفقا لما قالته مصادر من القطاع الخاص ومسؤولون حكوميون سابقون في تصريحات لإنتربرايز.
تكمن المشكلة في أن البنية التحتية في مصر لا تواكب إمكانات عرض النطاق الخاصة بالكابلات والمصادر الأخرى. وعلى الرغم من الاستثمارات والتحسينات التي قامت بها الحكومة من أجل تعزيز قدراتنا المحلية، ما زالت المقارنة من حيث أسعار وسرعات الإنترنت في مصر والدول المجاورة ليست في صالحنا، وفقا لما جاء في تقارير ودراسات مستقلة. ووفقا لتصريحات المسؤولين الحكوميين السابقين والمسؤولين بالقطاع الخاص، فإن أفضل حل للاستفادة من الكابلات والمصادر الأخرى بأكبر قدر ممكن يتمثل في تقديم المزيد من الحوافز للقطاع الخاص، وتحسين التشريعات واللوائح، إلى جانب إتاحة البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مصر أمام القطاع الخاص.
تتميز مصر بالموقع الجغرافي الفريد الذي يربط بين أوروبا وآسيا، وهو ما يجعلها نقطة التلاقي المثالية في مجال كابلات الإنترنت البحرية على مستوى العالم. ومن أجل الاستفادة من هذه الميزة، استحوذت الشركة المصرية للاتصالات على حصص إضافية في مجال الكابلات البحرية، كما شرعت في مد كابلات جديدة. وتعتبر الشركة المصرية للاتصالات أيضا شريكا في العديد من الكابلات التي تمر عبر مصر، وتمتلك عددا من الكابلات الأخرى. وفي عام 2018، أعلنت الشركة أنها استحوذت بشكل كامل على شركة "مينا للكوابل" ووقعت في نفس العام اتفاقية لخدمة دول جنوب أفريقيا، قبل أن توقع مذكرة تفاهم للتوسع في مجال تقديم خدمات الكابلات البحرية في المنطقة.
أصبحت المصرية للاتصالات مؤخرا شريكا في مشروع الكابلات البحرية 2Africa، إذ عقدت شراكة مع تحالف يضم 7 من مقدمي خدمات الاتصالات العالميين، لإنشاء الكابل البحري 2Africa بطول 37 ألف كيلومتر، والذي يربط أوروبا والشرق الأوسط و16 دولة أفريقية. ويهدف الكابل إلى توفير مسار جديد يربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط ، للمرة الأولى منذ أكثر من عقد، إلى جانب مسارات برية موازية لقناة السويس، وذلك باستخدام تكنولوجيات جديدة تسمح بنشر ما يصل إلى 16 زوجا من الألياف بدلا من ثمانية. وصرح مصدر بالشركة المصرية للاتصالات أنه وبمجرد بدء عمل الكبل الجديد في غضون عامين، سيكون قادرا على نقل ما يصل إلى 180 تيرابت في الثانية، مما سيسمح لمصر بتحسين خدمة الإنترنت لديها.
ولكن هل نستفيد نحن من هذه القدرة في استخدامنا المحلي؟ المصادر ترى غير ذلك. في تصريح لإنتربرايز، قال وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأسبق خالد نجم إن مصر تستخدم جزءا صغيرا فقط من سعة هذه الكابلات، وأنه من المستحيل الحصول على أرقام دقيقة. وتعتبر مصر عضوا بالفعل في الكابل البحري SEA-ME-WE 5 والذي يوفر سعة 38 تيرابت في الثانية، وهي أيضا عضو في الكابل البحري Asia-Africa Europe 1، والذي يمتد بطول 25 كم من جنوب شرق آسيا وحتى أوروبا، كما يوفر سعة 100 جيجابت في الثانية والتي من المتوقع أيضا أن تتضاعف في الفترة المقبلة. وفي حين أن الشركة المصرية للاتصالات زادت من حصة مصر من عرض النطاق الترددي من هذه الكابلات في العام الماضي لتصل إلى 2.6 تيرابت في الثانية، استخدمت مصر 1.9 تيرابت في الثانية فقط العام الماضي. والأهم من ذلك أن عرض النطاق الترددي لكل مستخدم من هذه الكبلات وصل إلى 9.3 كيلوبت في الثانية في عام 2016، وهو أقل بكثير من المتوسط العالمي والإقليمي الذي يزيد عن 30 كيلوبت في الثانية.
هناك فائدة واحدة وهي رسوم مرور هذه الكابلات والتي تحصل لصالح خزينة الدولة. حققت الشركة المصرية للاتصالات إيرادات تزيد عن 2.9 مليار جنيه من رسوم مرور الكابلات هذه في في العام المالي 2019، وفقا للبيان الذي أرسلته الشركة لإدارة البورصة المصرية (بي دي إف). ومثلت هذه الإيرادات 10% من أرباح الشركة في الربع الأول من عام 2020. وقد ساهمت رسوم مرور الكابلات عادة بنسبة تتراوح ما بين 6.62% و17.39% من الإيرادات بين عامي 2008 و2019، وفقا لدراسة أجرتها شبكة الكابلات البحرية.
ومع تراجع مرتبة مصر من حيث عرض النطاق الترددي لكل مستخدم مقارنة بالدول الأخرى، لماذا لا تستفيد بالكامل من حصتها من هذه الكابلات؟ وفقا لما قالته المصادر، لا يمكن القيام بذلك لعدم قدرة البنية التحتية المحلية على التعامل مع تلك القدرة الإضافية. وهذا يشبه الحالة التي تتجاوز فيها قدرة توليد الكهرباء القدرة على نقلها. وفي تصريحات لإنتربرايز، قال حمدي الليثي، نائب رئيس شعبة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في اتحاد الصناعات المصرية، أن الاستفادة من هذا النطاق الترددي سيتطلب المزيد من الاستثمار في البنية التحتية لقطاع الاتصالات. ويرى الليثي أننا بحاجة إلى استثمار نحو 120 مليار جنيه للتوسع في استخدام كابلات الألياف الضوئية محليا وتحسين سرعات الإنترنت.
ولا يعني ذلك أن مصر لم تقطع شوطا طويلا في مد كابلات الألياف الضوئية، منذ بدأت المصرية للاتصالات إحلال تلك الكابلات محل الكابلات النحاسية التقليدية. هذا المشروع لتطوير خدمات الإنترنت الذي خفضت الحكومة مداه الزمني ليستكمل في سنتين بدلا من أربعة سنوات، احتاج إلى استثمارات بقيمة 17 مليار جنيه في عامي 2019 و2020، وشهد إنفاق 26 مليار جنيه على مدار السنوات الخمس الماضية. وبلغ إجمالي استثمارات 43 مليار جنيه منذ عام 2014، وفق ما ذكره مسؤول بالشركة المصرية للاتصالات لإنتربرايز.
وأنقذنا هذا التطوير خلال فترة الإغلاق وحظر التجول. حصل المستخدمون على اتصال مستقر بالإنترنت من المشغلين المختلفين خلال ساعات الحظر على مدار الأشهر القليلة الماضية، رغم زيادة الضغط على الشبكة، حسبما ذكرنا في عدد سابق من "هاردهات" عن تعامل قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الحكومي والخاص مع زيادة الضغط خلال فترة الحظر. وكان ذلك نتيجة لاستراتيجية طويلة الأمد اتبعتها وزارة الاتصالات نجحت خلالها في مضاعفة متوسط سرعة الإنترنت عريض النطاق من 5 ميجابت في الثانية في 2018، إلى 17 ميجابت في الثانية في 2019، ثم 20 ميجابت في أوائل هذا العام، قبل أن ترتفع إلى 30 ميجابت في الثانية هذا العام أيضا، وفق ما ذكره وزير الاتصالات عمرو طلعت في تصريحات لإنتربرايز.
ولكن هناك مساحة أكيدة للتطوير: سرعة الإنترنت في مصر جاءت في المركز الخامس على مستوى أفريقيا في يونيو، وفقا لمؤشر سبيد تيست العالمي. وعلاوة على ذلك، فإن أسعار الإنترنت في مصر أعلى مما ينبغي، حسبما قال الليثي ونجم لإنتربرايز، خاصة بالنسبة لجودة الخدمة نفسها. وتعد باقات النطاق العريض الثابت للإنترنت في مصر أعلى كلفة، بمتوسط 7.06 دولار شهريا، وذلك بالنسبة لنصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي. وجاءت مصر في المركز 48 عالميا من حيث انخفاض كلفة الإنترنت، إذ يبلغ متوسط أسعار باقات الإنترنت والمكالمات كثيفة الاستهلاك 3.22 دولار.
إتاحة المجال للقطاع الخاص لتطوير البنية التحتية للاتصالات في مصر يوفر حلا مقنعا: تملك المصرية للاتصالات الحق الحصري في تأسيس البنية التحتية للاتصالات في مصر، فيما يمكن لباقي المشغلين تأجير سعات الإنترنت منها. ويعنى ذلك أن تحسين الاتصال بالإنترنت يتوقف على المصرية للاتصالات فقط، وفق ما ذكره مسؤول بإحدى شركات الاتصالات الخاصة لإنتربرايز. ويتفق الليثي مع هذا التحليل، قائلا إنه يجب منح القطاع الخاص طرقا للمشاركة في تأسيس بنيته التحتية الخاصة. وأعرب عمرو بدوي الرئيس السابق للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في تصريحاته لإنتربرايز عن وجهة نظر مماثلة قائلا "إن مشاركة القطاع الخاص أو شركة ثانية على الأقل في تأسيس البنية التحتية للألياف الضوئية سيحسن بالتأكيد من الجودة والأسعار بشكل كبير.
الحوافز والمناطق الاستثمارية يمكن أيضا أن تساعد في توجيه الاستثمار اللازم المطلوب، حسبما يرى عدد ممن تحدثنا معهم. ويؤكد كل من نجم وبدوي أن الحكومة بحاجة إلى إنشاء مناطق استثمارية وتوفير بوابات لشركات الاتصالات الدولية، كتلك الموجودة في الإسكندرية والزعفرانة، لجذب المزيد من الاستثمارات وتعظيم القيمة المضافة التي يمكن أن تقدمها لهم الدولة.
الكل ينتظر إصدار قانون حماية البيانات الشخصية، والذي سيضع القواعد العامة لكيفية استخدام الشركات للبيانات الشخصية التي تجمع عبر الإنترنت. وحصل التشريع على موافقة نهائية من مجلس النواب ولكن لم يجر التصديق عليه حتى الآن. ويرى الليثي أن القانون ضروري لجذب الاستثمارات. وأضاف أن بمجرد تطبيقه يمكن أن يفتح الطريق لاستثمارات تزيد قيمتها عن 100 مليار دولار، حيث ستستفيد الشركات العالمية من العمالة الماهرة، وسعة الإنترنت الجيدة، وبيئة الأعمال المناسبة التي تحمي بيانات عملائها.
المزيد من مشاركة القطاع الخاص: منحت المصرية للاتصالات القطاع الخاص مساحة للاستثمار في تطوير البنية التحتية للألياف الضوئية، وفق ما ذكره مسؤول بالشركة لإنتربرايز. في العام الماضي، أصدر الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات رخصتين لفودافون واتصالات لتسريع مد كابلات الألياف الضوئية في المجتمعات العمرانية المغلقة (الكومباوندات). ومع ذلك، فإن الرخصة لا تسمح للشركات سوى باستخدام البنية التحتية القائمة لمد خدمات الاتصالات الثلاثية (Triple Play) داخل الكومباوندات، وهي خدمة عالية التكلفة لا تعد فعليا استثمارا في البنية التحتية، حسبما يرى قيادي بإحدى شركات الاتصالات في تصريحاته لإنتربرايز.
وربما سنضطر للتحرك سريعا، لمواجهة المنافسة الإقليمية المتصاعدة التي تهدد مكانة مصر كمركز لكابلات الاتصالات. تواجه مصر منافسة قوية في مجال الكابلات البحرية من المغرب التي تسعى للاستفادة من قربها من أوروبا، وفقا لنجم، إلى جانب المنافسة الشديدة بالفعل من إسرائيل، حسبما يقول بدوي. ودفعت مسارات الإنترنت المزدحمة التي تمر عبر مصر، والعديد من أعطال الإنترنت، الأطراف أصحاب المصلحة في الصناعة، لاستكشاف طرق بديلة أقل تكلفة، مثل كابل بلورامان التابع لجوجل، والذي يمر عبر إسرائيل.