كيف يمكن لمصر أن تحجز مكانها كأحد مصدري الهيدروجين الأخضر الرئيسيين إلى أوروبا؟
يمكن لأوروبا أن تصبح أكبر وجهاتنا لتصدير الهيدروجين الأخضر. ماذا نحتاج لنصل إلى ذلك؟ "تدخل صناعة الهيدروجين الأخضر عالميا مرحلة ما يسمى بعصا الهوكي، والتي تستخدم للدلالة على التحول الحاد والمفاجئ في الحجم"، وفقا لبلومبرج إن آي إف، المتخصصة في أبحاث القطاعات الصناعية منخفضة الكربون. تعمل الاقتصادات الرئيسية الكبرى، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، في الوقت الحالي على بناء سلاسل التوريد والبنية التحتية اللازمة لاستيعاب الازدهار المرتقب في القطاع، ومن المتوقع أن تقود النمو في صناعة الهيدروجين الأخضر خلال السنوات المقبلة سعيا لتأمين إمداداتها من الطاقة الخضراء. وتجتذب مصر بالفعل، بفضل إمكاناتها الكبيرة في توليد الطاقة المتجددة وقربها من القارة الأوروبية، تعهدات باستثمارات كبيرة من الشركات العالمية لبناء مصانع للهيدروجين الأخضر والتصدير إلى الاتحاد الأوروبي. فماذا يحتاج قطاع الهيدروجين الأخضر المحلي لضمان تدفق الطاقة النظيفة من مصر إلى أوروبا.
الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء: ينتج الهيدروجين بعدة طرق عن طريق فصله بواسطة عمليات كيميائية مختلفة. وغالبية الهيدروجين المنتج على مستوى العالم حاليا مشتق من الوقود الأحفوري، إذ ينتج نحو 96% من الهيدروجين المستهلك في أوروبا من الغاز الطبيعي. وهناك طرق أخرى صديقة للبيئة، إذ يمكن إنتاج الهيدروجين عن طريق التحليل الكهربائي للماء لفصل مكوناته إلى هيدروجين وأكسجين. وباستخدام الطاقة المتجددة لتشغيل هذا التيار الكهربائي يصبح لديك هيدروجين أخضر. وتنتج الأمونيا الخضراء من خلال تفاعل الهيدروجين الأخضر والنيتروجين عند درجات حرارة مرتفعة، في عملية تحدث أيضا بواسطة مصادر الطاقة المتجددة.
الاتحاد الأوروبي يسعى إلى شراء نصف احتياجاته من الأسواق الخارجية: أعلنت المفوضية الأوروبية خطة الطاقة النظيفة "ري باور إي يو" خلال العام الماضي، بدافع التخلص من الاعتماد على الوقود الروسي والوصول إلى هدف صافي الانبعاثات الصفري. وبموجب الخطة، من المقرر أن ينتج الاتحاد الأوروبي نحو 10 ملايين طن من الطاقة المتجددة، ويستورد نحو 10 ملايين طن أخرى من الأسواق الخارجية سنويا بحلول عام 2030، بواقع 6 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر، ونحو 4 ملايين طن من الأمونيا الخضراء.
مصر تستعد لتلبية ذلك الطلب: من المخطط أن تنتج جميع منشآت الهيدروجين والأمونيا الخضراء التسعة التي وقعت مصر اتفاقيات إطارية بشأنها العام الماضي، في حال تنفيذها، نحو 7.6 مليون طن من الأمونيا الخضراء، ونحو 2.7 مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنويا، عندما تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية. تصل التكلفة الاستثمارية الإجمالية للمشروعات التسعة نحو 83 مليار دولار. وفضلا عن ذلك، وقعت مصر في ديسمبر الماضي، مذكرات تفاهم مع سبع شركات وتحالفات لإجراء دراسات جدوى لمشروعات جديدة لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، ومن المنتظر أن تعلن الحكومة عن الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر في وقت قريب.
سيوجه معظم الهيدروجين للصناعات الثقيلة والنقل: يمكن استخدام الهيدروجين الأخضر لتوليد الكهرباء لأي غرض، ولكن أفضل إمكاناته تكمن في استخدامه كبديل للوقود الأحفوري في الصناعات الثقيلة "التي يصعب إزالة الكربون منها"، ومنها صناعة الصلب والبتروكيماويات والنقل الثقيل، وفقا لبلومبرج إن إي إف. يسعى الاتحاد الأوروبي إلى زيادة اعتماد مصانعه لإنتاج وتكرير الأمونيا على الهيدروجين المنتج من الطاقة المتجددة، ويهدف إلى استخدام الهيدروجين الأخضر في نحو 30% من الإنتاج الأولي للصلب بحلول عام 2030. ويأمل الاتحاد أيضا أن يحل الهيدروجين المنتج من مصادر متجددة محل الغاز الطبيعي الروسي كوقود صديق للبيئة لشاحنات وطائرات وسفن نقل البضائع.
ولكن هناك بعض العقبات الرئيسية أمام إنشاء سلسلة لتوريد الهيدروجين الأخضر بين مصر والاتحاد الأوروبي:
# -1 تكاليف النقل: من الصعب فنيا وماديا نقل الهيدروجين الأخضر – سواء في شكله الأصلي الغازي أو المسال، بحسب تقرير نشرته رويترز. ومن الأفضل حل مشكلات النقل عن طريق إبقاء سلاسل التوريد قصيرة قدر الإمكان، وهذا هو أحد الأسباب التي جعلت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة تتوقع أن 75% من الهيدروجين الأخضر عالميا سيجري إنتاجه واستهلاكه محليا بحلول عام 2050، حسب ما جاء في تقريرها الصادر في عام 2022 (بي دي إف).
أفضل خياراتنا: تصدير المنتجات الخضراء المشتقة من الهيدروجين، وإنشاء خط أنابيب يصل إلى أوروبا. تقول الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "اعتمادا على الاستخدام النهائي للهيدروجين، قد يكون من الأكثر فعالية من حيث التكلفة تحويله أولا إلى سلعة ثم شحن السلعة بدلا من شحن الهيدروجين نفسه". يمكن أن تشمل هذه السلع الأمونيا الخضراء والميثانول والصلب ووقود وسائل النقل. وعلى المدى الطويل قد يوفر نقل الهيدروجين الأخضر عبر خطوط الأنابيب خيارا أرخص من شحنه. وتتوقع الوكالة أن يجرى تداول نحو 55% من الهيدروجين الأخضر عبر الأنابيب بحلول عام 2050، وأن يجري شحن النسبة المتبقية في صورة أمونيا.
اللاعبون في الصناعة المحلية يفكرون على نفس النهج: أول مصنع هيدروجين أخضر في البلاد، جرى بناؤه من جانب تحالف شركات سكاتك النرويجية وفيرتيجلوب وأوراسكوم كونستراكشون وصندوق مصر السيادي، وسيغذي مصنعي فيرتيجلوب الحاليين للأمونيا في العين السخنة. وقال الرئيس التنفيذي لشركة هيدروجين يوروب، يورجو تشاتزيماركاكيس، خلال منتدى كلايمت X من إنتربرايز العام الماضي إنه يتصور أن نستهل مصر صادرات الهيدروجين عبر تصدير الأمونيا والميثانول إلى أوروبا. ويود في النهاية أن يرى خط أنابيب للهيدروجين يربط مصر باليونان وتريستي.
# 2- مشكلات تنظيمية: انخرط أعضاء الاتحاد الأوروبي منذ سنوات في الخلاف حول مشروع قانون من شأنه تنظيم استخدام الطاقة المتجددة المنتجة بدول الاتحاد، وفي القلب من ذلك تحديد تعريف كلمة "أخضر" فيما يتعلق بالهيدروجين، حسبما كتبت يوراكتيف. تقود فرنسا مهمة تضمين الهيدروجين الناتج من مصادر "منخفضة الكربون" مثل الطاقة النووية ضمن تعريف الهيدروجين الأخضر، في حين تريد ألمانيا اتباع نهجا أكثر صرامة يقتصر على مصادر الطاقة المتجددة فقط. ويأمل الاتحاد في إصدار تشريع لتنظيم تلك المسألة بحلول الصيف، لكن لم يتمكن حتى الآن من حسم هذا الخلاف، وفق ما ذكرته بلومبرج.
# 3- منافسة عالمية: ليس فقط من الولايات المتحدة: سيمنح قانون الحد من التضخم الذي أصدرته إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن منتجي الهيدروجين الأخضر في الولايات المتحدة إعفاء ضريبيا بقيمة 3 دولارات لكل كيلو جرام منتج من الهيدروجين خلال السنوات العشر الأولى من التشغيل. سيؤدي ذلك إلى وضع تكاليف إنتاج الهيدروجين في الولايات المتحدة إلى دون مستوى الصفر على المدى القصير، وفقا لتقديرات ستاندرد أند بورز. يمكن أن يحفز ذلك المستثمرين الدوليين على إقامة مشروعاتهم في الولايات المتحدة بدلا من الاتحاد الأوروبي، وهو ما يمكن أن يتسبب في أزمة في الإمدادات وإبطاء تطور الهيدروجين النظيف في أوروبا، حسبما قالت شركات لإنتاج الهيدروجين لبلومبرج إن إي إف. وفي الوقت نفسه، تتطلع الصين إلى السيطرة على السوق العالمية للمحللات الكهربائية، وهي التكنولوجيا الرئيسية المستخدمة لفصل الهيدروجين عن الماء، حسبما تشير بلومبرج.
الجانب الإيجابي: يمكن أن تؤدي حوافز إدارة بايدن إلى دفع أوروبا لتكثيف حوافز الهيدروجين الأخضر. في رد واضح على الحوافز الأمريكية، تعهد الاتحاد الأوروبي بإنشاء بنك للهيدروجين المنتج من الطاقة المتجددة، والذي سيطلق هذا العام نسخة تجريبية تهدف إلى التخلص من مخاطر السوق في أوروبا، سواء بالنسبة للهيدروجين المنتج محليا أو المستورد"، وفق ما ذكره فرانس تيمرمانز النائب الأول لرئيس المفوضية الأوروبية للصفقة الخضراء. من المستهدف أن يدعم بنك الهيدروجين الأوروبي منتجي الهيدروجين الأخضر المحليين عبر تغطية "100% من فجوة التكلفة بالمقارنة مع الهيدروجين الرمادي المنتج في الاتحاد الأوروبي"، ويستكشف "أفضل السبل لدعم وصول المستهلكين الأوروبيين إلى واردات الهيدروجين"، وفقا لتيمرمانز.
يمكننا الضغط من أجل مزيد من الدعم من الاتحاد الأوروبي: شهد مؤتمر COP27 إطلاق المنتدى العالمي للهيدروجين المتجدد، والذي يمكن أن يكون بمثابة ساحة لمصر والبلدان الأخرى الناشئة في هذا القطاع لدفع الدول الغنية لتقديم الدعم لصناعة الهيدروجين الأخضر لدينا. وهذا من شأنه أن يقطع شوطا طويلا نحو مواجهة الدعم المقدم للمنتجين الأمريكيين من جانب إدارة بايدن. ويعد المنتدى هو أحد جوانب التعاون المستمر مع الشركاء الأوروبيين بشأن الهيدروجين الأخضر، بما في ذلك الدعم من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية لصياغة استراتيجيتنا الوطنية للهيدروجين الأخضر، والتمويل الكبير من جانب أوروبا والولايات المتحدة لبناء قدرات الطاقة المتجددة التي من شأنها تغذية منشآت الهيدروجين الأخضر.
فيما يلي أهم أخبار الاقتصاد الأخضر لهذا الأسبوع:
- اختيار 40 مشروعا بقيمة قروض 168 مليون يورو، من بين 126 مشروعا جرى تقديمها ضمن المرحلة الثالثة من مشروع التحكم في التلوث الصناعي، التابع لوزارة البيئة.
- تتعاون شركة شادوف المصرية للزراعة المائية مع شركة التكنولوجيا الزراعية السعودية مشكاة لتعزيز ممارسات الزراعة المستدامة في المملكة، وفق ما ذكره موقع ذا ناشيونال.