كيف أثرت دورة التشديد النقدي على عمالقة التكنولوجيا؟ + الاحتراق الوظيفي باعتباره مرضا
نهاية عصر الفائدة المنخفضة للغاية وسقوط عمالقة التكنولوجيا: تعاني شركات التكنولوجيا مع انتهاء عصر الأموال الرخيصة بشكل مفاجئ، وهو ما تسبب في تراجع تقييماتها مع اصطدامها بدورة التشديد النقدي القاسية التي نفذها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والتي غيرت كل الحسابات الخاصة بالعمليات وخطط النمو، حسبما ذكرت نيويورك تايمز. يوضح سام أبو الصمد كبير المحللين في شركة جايد هاوس إنسايتس أن "صناعة التكنولوجيا بأكملها بُنيت على مدار الخمسة عشر عاما الماضية بالأموال الرخيصة"، فالمستثمرون الذين كانوا يبحثون عن عوائد قوية خلال آخر 10 سنوات ضخوا رؤوس أموالهم في وادي السيليكون، وهو ما أدى إلى تقييمات عالية وغير مسبوقة للشركات الناشئة، سهلت عليها جمع التمويلات وجذب عملاء جدد وزيادة النمو والحصص السوقية. ينقل تقرير نيويورك تايمز عن المحللين قولهم إن ما حدث كان بديلا للنمو الطبيعي، وهو ما يجعل العودة إلى الواقع أكثر قسوة. ونظرا لاتجاه أسعار الفائدة إلى الارتفاع مع تطلع الاحتياطي الفيدرالي إلى كبح جماح التضخم، انزلق قطاع التكنولوجيا في "نوع من الركود"، طبقا لتقرير ذا أتلانتك.
حتى أكبر الأسماء في القطاع لم تسلم من الضرر: اتسمت فترة الانكماش التكنولوجي بالهبوط الحاد في سوق أسهم التكنولوجيا (رغم الانتعاش الأخير)، والتوسع في إيقاف التوظيف وتسريح العمال، والاكتتابات العامة المخيبة للآمال، والانخفاض الحاد في تمويلات رأس المال المغامر، بحسب التقرير. معظم عمالقة التكنولوجيا قرروا تقليص الوظائف: أمازون سرحت 18 ألف موظف، وجوجل 12 ألفا، وفيسبوك 11 ألفا، ومايكروسوفت 10 آلاف، وسيلز فورس 8000 وسيسكو 4000، وتويتر أكثر من 3000 موظف. كما تلقت تقييمات الشركات ضربة قوية، ففي عام 2019 بلغ تقييم زيلو 45 مليار دولار، وتراجع الآن إلى 10 مليارات دولار فقط، وفق نيويورك تايمز. وتراجع تقييم أسهم أمازون بما يقرب من تريليون دولار، بينما انخفض تقييم كارفانا لتجارة السيارات المستعملة بنسبة 98%، وهبطت قيمتها من 80 مليار دولار إلى أقل من 1.5 مليار دولار.
هل صار الاحتراق الوظيفي جديرا بأنظار العالم أخيرا؟ في الأسبوع الماضي، أعلنت رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن بشكل مفاجئ تنحيها عن منصبها في أقرب وقت ممكن. وخلال فترة وجودها في المنصب على مدار أكثر من خمس سنوات، قادت أرديرن بلادها لتجاوز أسوأ حادث إطلاق نار جماعي في نيوزيلندا، وثورة بركانية، وجائحة كوفيد-19، كما استقبلت مولودا جديدا. وفي حين أن جاسيندا البالغة 42 عاما لم تشر صراحة إلى الاحتراق الوظيفي باعتباره سببا لاستقالتها، فقد لمحت إلى ذلك في خطابها حين قالت: "أعرف ما الذي تتطلبه هذه الوظيفة، وأعرف أنه لم يعد لدي ما يكفي من الطاقة لأدائها"، وفق الإندبندنت.
صراحة أرديرن في تناول الموضوع يراها كثيرون لحظة حاسمة يمكن أن تكسر وصمة العار المتعلقة بالصحة العقلية والعمل، وفقا لبي بي سي. ويأمل كثيرون أن يكون ما حدث دافعا لإعادة تعريف الاحتراق الوظيفي باعتباره مرضا خطيرا، وليس ظاهرة تحدث فقط لجيل الألفية ومدمني العمل. جمعية علم النفس الأمريكية تعرف الاحتراق الوظيفي بأنه "إرهاق جسدي أو عاطفي أو نفسي، مصحوب بتراجع في الحافز وانخفاض في الأداء وسلوك سلبي تجاه الذات والآخرين"، وقد صنفته منظمة الصحة العالمية باعتباره ظاهرة مهنية.
ليست أول مرة تتحدث فيها شخصية رفيعة عن الاحتراق الوظيفي: سبق أن تحدث عدد من الشخصيات المشهورة علنا بشأن هذه الظاهرة، مثل سيدة الأعمال الأمريكية أريانا هافينجتون، ولاعبة الجمباز الفني الأمريكية سيمون بايلز، ولاعبة التنس اليابانية نعومي أوساكا، إلى جوار آخرين. لكن رغم هذا يعتقد الخبراء أن تصريحات رئيسة الوزراء النيوزيلندية السابقة ستحدث الفارق، بالنظر إلى أنها تحظى باحترام كبير وتعاطف أكبر. بينما يشعر آخرون بالقلق من أن مشاركة أرديرن لتجربتها يمكن أن يمنح الفرصة للجدال بأن النساء لا تصلح للأدوار القيادية. ونقلت بي بي سي عن دانا جرينبرج، أستاذة السلوك التنظيمي في كلية بابسون بالولايات المتحدة، قولها: "رغم أنني أريد أن أصدق أن صراحة أرديرن قد تساعد في توسيع التطبيع مع نقاشات الصحة العقلية، فإنني أشعر بالقلق من أن هذا سيؤدي في الواقع إلى العكس، ويؤجج التحيز ضد الأمهات العاملات وصعودهن إلى المناصب القيادية".
تشات جي بي تي يشق طريقه إلى عالم الشركات: أقر ما يقرب من ثلث الموظفين ذوي الياقات البيضاء في الشركات الأمريكية بمختلف المجالات (بما في ذلك البنوك والتكنولوجيا والتسويق) بأنهم جربوا استخدام تطبيق تشات جي بي تي وغيره من المنصات والأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي لأداء بعض الأعمال، وفق استطلاع أجرته منصة فيش بول للتواصل الاجتماعي. وفي حين أن معدلات الاستخدام تتنوع بين القطاعات والأجيال، لا يزال الاتجاه العام هو أن هناك "اعتماد مبكر وقوي [على الأداة] في العمل"، حسبما يشير الاستطلاع.
من يستخدمه أكثر؟ ولأي غرض؟ الفوارق في معدلات استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بين الأجيال ليست واسعة لهذه الدرجة، فالمشتركون في الاستطلاع من الجيل زد (مواليد منتصف التسعينيات وحتى 2010) أظهروا "أعلى معدل استخدام" بنسبة 29%، لكن الفارق مع المشاركين من الجيل إكس (المولودين في أوائل الستينات وحتى أوائل الثمانينيات) لم يتجاوز 1% فقط. أما في القطاعات المختلفة، تصدر العاملون بالتسويق والإعلان نسبة الاستخدام بمعدل 37%، ثم العاملون بالتكنولوجيا (35%) والاستشارات (30%). أقل القطاعات استخداما لتلك التطبيقات كانت الرعاية الصحية بمعدل 15% فقط، يليها قطاع الحسابات. كثيرون يستخدمون هذه التكنولوجيا لصياغة رسائل البريد الإلكتروني، وتوليد الأفكار، وكتابة ومعالجة أجزاء صغيرة من أكواد البرمجة، وتلخيص الأبحاث أو ملاحظات الاجتماعات، كما تشير بلومبرج.
نتائج الاستطلاع تؤكد قدرة تشات جي بي تي على صنع ثورة في العديد من المجالات: تعدد الاستخدامات التي يمكن إدخال تطبيق الذكاء الاصطناعي فيها يجعله قادرا على صناعة ثورة في مجال الأعمال، فالأداة بإمكانها تطوير خدمة العملاء مثلا عن طريق صياغة رسائل البريد الإلكتروني والرد على العملاء وتنفيذ العروض التقديمية والانتهاء سريعا من المهمات الأخرى التي تستغرق وقتا طويلا. وفي ظل تلك الإمكانات الهائلة، اجتذب تشات جي بي تي اهتماما ضخما من المستثمرين، وعلى رأسهم شركة مايكروسوفت، التي أعلنت أمس إبرام صفقة استثمار بمليارات الدولارات لعدة سنوات في شركة أوبن أيه أي المطورة للأداة.