المركزي يسمح للجنيه بالتراجع مجددا أمام الدولار + "الأهلي" و"مصر" يصدران شهادات بعائد 25%
سمح البنك المركزي المصري مجددا للجنيه بالانخفاض أمام الدولار أمس، في الوقت الذي أعلن فيه البنك الأهلي المصري وبنك مصر – أكبر البنوك الحكومية في البلاد – عن طرح شهادات ادخار بعائد قياسي قدره 25%. وهناك ثلاثة أهداف من وراء ذلك، وهي إقناع أصحاب الودائع بالعملات الأجنبية داخل النظام المصرفي بتحويلها إلى العملة المحلية، وأيضا جذب الودائع من حائزي العملة الأجنبية خارج النظام المصرفي، وثالثا خفض التضخم من خلال سحب السيولة من السوق.
كانت عملية من خطوتين صباح أمس:
1#- طرح شهادات بعائد قياسي: طرح بنكا مصر والأهلي المصري الحكوميين أمس شهادات ادخار جديدة لأجل عام واحد، بفائدة 25% تصرف بنهاية فترة الاستحقاق، وأخرى بـ 22.5% تصرف شهريا، وفق ما أعلنه البنكان في بيانين منفصلين (هنا وهنا) أمس الأربعاء.
2#- بنهاية اليوم، انخفض الجنيه بنسبة 7% تقريبا مقابل الدولار ليصل إلى 26.49، وفقا للموقع الإلكتروني للبنك المركزي. ويعد هذا أكبر انخفاض للعملة المحلية في يوم واحد منذ التخفيض الذي شهدته في أكتوبر الماضي، والذي وصفه البنك المركزي حينها بأنه انتقال إلى سعر صرف مرن "بشكل دائم". وانخفض الجنيه بذلك بأكثر من 34% مقابل الدولار منذ التخفيض الأخير في قيمته خلال أكتوبر، وبنحو 70% مقارنة بسعر صرف 15.78 جنيه للدولار قبل التخفيض الذي أجري في شهر مارس.
كان رئيس مجلس إدارة بنك مصر ورئيس اتحاد بنوك مصر، محمد الأتربي، الأكثر ظهورا في الإعلام أمس لإيضاح الأمر، وذلك في مداخلاته مع سي إن بي سي عربية (شاهد 9:56 دقيقة)، و"مساء دي إم سي" (شاهد 10:54 دقيقة)، و"يحدث في مصر" (شاهد 11:09 دقيقة).
تأتي هذه الخطوة للحد من الدولرة: "تؤدي هذه الخطوة إلى توسيع الفجوة بين العائد على العملات الأجنبية، كالدولار واليورو، والذي يقل عن 5% لكلا العملتين، والعائد على الجنيه (من خلال شهادات الادخار)، مما يجعل العائد على الجنيه أعلى بفارق 20%"، وفقا لما قاله الأتربي. (شاهد 10:54 دقيقة)
ولخفض التضخم: هناك مقولة سائدة أنه في بيئة التضخم المرتفع، سيكون أفضل شيء هو إنفاق الجنيه على أصول تحتفظ بقيمتها، لذا فإن شهادات الادخار الجديدة ستكون أحد المحفزات لخفض التضخم، بحسب ما قاله الأتربي.
كان هناك إصدار ناجح لشهادات مرتفعة العائد في السابق، بحسب الأتربي، الذي قال: "أصدرنا شهادات بعائد 20% عام 2017 لمواجهة التضخم الذي قفز إلى ما يزيد عن 31%"، وأضاف أن شهادات الادخار تلك "ساعدت في خفض التضخم إلى ما بين 5-6%". وأشار الأتربي إلى أن شهادات الـ 25% يمكن أن يكون لها تأثير مماثل هذه المرة. وقال الأتربي أيضا، في مقابلة مع سي إن بي سي عربية إن شهادات الادخار ذات العائد المرتفع تأتي ضمن استراتيجية أوسع لخفض مستويات التضخم إلى أقل من 10%. وارتفع التضخم في مصر إلى أعلى مستوياته في خمس سنوات عند 18.7% في نوفمبر.
ليس هناك موعد محدد للتوقف عن إصدار تلك الشهادات، بحسب الأتربي. وأضاف: "يمكن أن تتوقف خلال أسبوع، أو اثنين أو ثلاثة — هذه الفترة لم تحدد بعد". وقال الأتربي أيضا إن الشهادات ستجذب المودعين الذين لديهم أموال بالعملة المحلية وأيضا من لديه عملات أجنبية.
هل ستكون هناك شهية كبيرة تجاه الشهادات؟
من المتوقع أن تسحب الشهادات سيولة ضخمة من الأسواق: "ستزيد الشهادات الجديدة من جاذبية الجنيه المصري كأداة ادخار وتحد من الدولرة"، وفق ما ذكرته هبة منير، محللة قطاع البنوك والاقتصاد الكلي لدى إتش سي لتداول الأوراق المالية، لإنتربرايز. يتفق الخبير المصرفي هاني أبو الفتوح مع منير، مشيرا إلى أن المدخرين كانوا يترقبون الأدوات ذات العائد المرتفع، والتي من المحتمل أن تشجع بعض حائزي العملات الأجنبية للتنازل عنها والاستثمار في الأوعية الادخارية المقومة بالجنيه المصري. ويتوقع أبو الفتوح أن تؤدي الشهادات إلى زيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج.
عوائد مغرية: "بحسب توقعاتنا للتضخم عند 15.4% لعام 2023، فإننا نقدر أن العائد بنسبة 25% على الشهادات سيوفر عائدا حقيقيا إيجابيا بنسبة 9.57%"، وفقا لمنير.
ماذا عن الجنيه؟
تعويم أم تخفيض؟ "هذا بالتأكيد تخفيض آخر"، بحسب ما نقلته بلومبرج عن مونيكا مالك، كبيرة المحللين الاقتصاديين لدى بنك أبو ظبي التجاري. وقال محمد أبو باشا، كبير محللي الاقتصاد الكلي لدى المجموعة المالية هيرميس، لصحيفة فايننشال تايمز إن علينا الانتظار لمعرفة ما إذا كان هذا يعني الانتقال إلى ما وصفه صندوق النقد الدولي بسعر صرف "مرن بالفعل". وأضاف: "علينا قبل أن نقرر [ما إذا كان هذا تعويما أم لا] أن نراقب المستوى الذي ستستقر عنده العملة المحلية في نهاية المطاف، ومدى تسبب ذلك في تحسن سيولة العملة الأجنبية بالبنوك، وما إذا كنا سنشهد المزيد من التقلبات في سعر صرف الجنيه في الفترة المقبلة".
الخطوة جزء من خطة أوسع لتحريك السوق شملت الزيادات الأخيرة في أسعار الفائدة وقرار البنك المركزي بإلغاء الاعتمادات المستندية، حسبما قالت إسراء أحمد المحللة الاقتصادية لدى بنك الاستثمار الأهلي فاروس، لإنتربرايز. وقالت أحمد إن "حزمة الإجراءات كانت ضرورية لتحريك السوق وتضييق الخناق على السوق الموازية وهو أمر حتمي لاستعادة إيقاع النشاط الاقتصادي، الذي لم يكن ليحدث بإجراء واحد منفرد وإنما إجراءات متكاملة".
سنعرف المزيد مع استمرار جهود الإفراج عن البضائع العالقة في الموانئ: ارتفعت قيمة الواردات التي خرجت من الموانئ المصرية منذ بداية ديسمبر الماضي إلى 6.8 مليار دولار، من 6 مليارات دولار بداية هذا الأسبوع، بحسب بيان لمجلس الوزراء أمس. ولم يكشف البيان عن قيمة البضائع التي لا تزال عالقة، فيما كانت الحكومة قدرتها الأسبوع الماضي بنحو 9.5 مليار دولار في 25 ديسمبر.
خلفية –
1#- كانت مرونة سعر صرف العملة المحلية أحد المطالب الرئيسية من صندوق النقد الدولي كي يمنح مصر القرض البالغ 3 مليارات دولار. وقال صندوق النقد الدولي الشهر الماضي إنه سيبحث عن "تقلب يومي في سعر الصرف مشابه للتقلب الملحوظ في أنظمة سعر الصرف المرنة بالفعل" عندما يلغي البنك المركزي قيود الاستيراد. وأعلن البنك المركزي المصري الأسبوع الماضي إلغاء شرط التعامل بالاعتمادات المستندية لتمويل الواردات في محاولة لحل أزمة الواردات المتراكمة في الموانئ منذ فترة طويلة. وقال البنك المركزي إن المستوردين سيكون بإمكانهم من الآن استخدام مستندات التحصيل في عمليات الاستيراد، ليلغي بذلك القرار الذي اتُخذ في فبراير لتخفيف الضغط على العملات الأجنبية بعد أن تسببت الحرب في أوكرانيا في نزوح كبير لاستثمارات الأجانب في أدوات الدين المحلية.
2#- سبق أن أصدر البنكان شهادات ادخار بعائد 18% لمدة عام، بعد سماح البنك المركزي المصري للجنيه بالهبوط أمام الدولار في مارس من العام الماضي، لكنهما سرعان ما قررا إيقاف الشهادات بعد شهرين جراء التكلفة المرتفعة التي تكبدتها البنوك. وحصدت الشهادات، التي صدرت لسحب السيولة بالعملة المحلية إلى القطاع المصرفي، نحو 750 مليار جنيه على مدار 10 أسابيع. وطرحت بنوك مصر والأهلي والقاهرة شهادات ادخار بنسبة 17.25% لمدة ثلاث سنوات بالتزامن مع تخفيض قيمة الجنيه في أكتوبر.
3#- جاءت هذه الخطوة على خلفية الزيادة الكبيرة لأسعار الفائدة في نهاية ديسمبر: رفع البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس في إطار جهود كبح جماح الضغوط التضخمية المتزايدة. رفعت لجنة السياسة النقدية سعر الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة إلى 16.25% و17.25%، على الترتيب، كما رفعت أسعار الائتمان والخصم والعملية الرئيسية للبنك المركزي إلى 16.75%.
وحاز الخبر على تغطية في الصحافة العالمية، بما في ذلك بلومبرج ورويترز وفايننشال تايمز وواشنطن بوست.