لماذا تتجه وول ستريت إلى صناعة الموسيقى؟
كيف أدى عصر ما بعد الأزمة المالية العالمية إلى ازدهار استثمارات الموسيقى: في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2008، أدى الانخفاض القياسي في أسعار الفائدة وتضاؤل السبل المتاحة لتوليد الأرباح إلى تزايد اهتمام المستثمرين بالاستثمار في صناعة الموسيقى، حسبما كتبت فايننشال تايمز. تزامن ذلك مع ازدهار منصات البث الموسيقى التي أعطت حقوق الملكية الموسيقية قيمة كبرى، لتتحول بعد ذلك إلى فئة أصول جذابة لمستثمري وول ستريت.
شركات الاستثمار المباشر تتنافس: مع التوقعات بتضاعف عائدات صناعة الموسيقى عالميا بحلول عام 2030 – بحسب تقديرات بنك الاستثمار جولدمان ساكس – ضخت الشركات الكبرى في عالم الاستثمار المباشر، مثل بلاكستون وكيه كيه آر، مليارات الدولارات للحصول على حقوق الملكية والنشر الموسيقية، وتواصل تلك الشركات تنمية محافظ أصولها في صناعة الموسيقى.
ولكن ما سر جاذبية الاستثمار في الموسيقى؟ أحد التفسيرات الأساسية هو أن صناعة الموسيقى قادرة على تحقيق إيرادات متكررة من مصادر متعددة. يوزع الفنانون موسيقاهم على وسائط مختلفة مثل محطات الراديو، والعروض العامة مثل الحفلات الموسيقية والمطاعم والمقاهي، والوسائط المرئية مثل الأفلام والإعلانات التي تستخدم الموسيقى المحمية بحقوق الملكية. هذا يعني أن في كل مرة يجري فيها تشغيل أغنية في مطعم أو مركز تجاري، أو في كل مرة تستخدم فيها إحدى الشركات أغنية في إعلاناتها، تتولد عوائد جديدة لملاك الأغنية.
يأتي هذا وسط اهتمام الفنانين أنفسهم بحفظ حقوقهم في الملكية وعوائد البث باعتبارها مصدر دخلهم الرئيسي، في ظل انتشار منصات البث الموسيقى والتضييق على مواقع القرصنة، وبعد انقراض مصادر الدخل القديمة تباعا كالشرائط والأقراص المدمجة. تغيرت الديناميات النقدية لصناعة الموسيقى عالميا بالفعل، ومع تغير الأطر التنظيمية، يتوقع صناع الموسيقى وملاك حقوقها الحصول على عوائد إضافية، ما يجعلها صناعة أكثر جاذبية لشركات الاستثمار الكبرى.
تتفوق عوائد الموسيقى أيضا على أرباح الأسواق المالية، كما أنها لا تتعرض لتقلبات تلك الأسواق. نقلت فايننشال تايمز عن مسؤول كبير بأحد شركات الاستثمار المباشر العالمية الكبرى قوله "إذا كنت تفكر في الاستثمار في الكثير من فئات الأصول الأخرى في الوقت الحالي، فإن تلك الأصول قد تكون غادرة؛ هناك تضخم، هناك مخاطر سلاسل التوريد، هناك مخاطر جيوسياسية. الموسيقى محصنة نسبيا من تلك الأشياء".
وكذلك تعد الموسيقى من فئات الأصول الحديثة نسبيا، ما يجعلها مهيأة لاستقبال المزيد من المستثمرين: يقول أحد مديري المحافظ بشركة نيوتن لإدارة الاستثمارات للصحيفة "نرى أن هذا الاستثمار سيحقق لنا عوائد غير عادية… إنها فئة أصول غير معروفة نسبيا [مقارنة بفئات الأصول الأخرى] ونعتقد أننا دخلنا فيها مبكرا".
ولكن صناعة الموسيقى ليست محصنة من الأزمات ولديها تحدياتها الخاصة: الحصول على عوائد البث الموسيقي ليس دائما عملية سهلة، وهو "شريان الحياة" حاليا لهذه الصناعة، حسبما تذكر الصحيفة. يقول رئيس إحدى شركات الإنتاج الموسيقي "في كثير من الأحيان، تكون أبرز عقبة لشراء أعمال أحد الفنانين هي أنه لا يعرف أين توجد النسخة الماستر لألبومه". والصناعة تقوم بشكل كبير على التعاملات غير الرسمية، الخاضعة للأهواء والعلاقات الشخصية، حسبما كتبت الصحيفة.
وهناك أيضا غياب للانضباط المالي، علاوة على "التسعير غير المنطقي"، حسبما يقول مشتغلون بالصناعة. استقطب صندوق الاستثمار هيجنوسيس المدرج في بورصة لندن استثمارات كبرى لشراء حقوق ملكية أكثر من 65 ألف أغنية. يقوم الصندوق بسلسلة بعمليات الاستحواذ منذ فترة، ويبدو أن صافي قيمة أصوله تنمو بشكل لافت، لكن نمو حجم محفظة الصندوق يغطي على الأداء الفعلي للألبومات الموسيقية التي صار يمتلكها، حسبما تشير فايننشال تايمز. العائدات المبدئية لحقوق ملكية تلك الأغاني يواصل الانخفاض منذ عامين على الأقل، ومنذ أن كشفت عنه الشركة للمرة الأولى.