ينطلق جموع حراس العقارات في جمهورية المعادي الديمقراطية الشعبية منذ ساعات الصباح الأولى. البعض يرتدون الأفرول وأحذية المطر، والبعض الآخر يرتدون العمة والجلباب.
سلاحهم المفضل: خرطوم المياه، الذي يستخدمونه في أداء واجباتهم بأي ثمن، "حتى آخر قطرة ماء في البلد"، إذا لزم الأمر.
هذا الخرطوم ساحر، يعود بهم لطفولتهم، يلعبون بمسدسات الماء في شوارع المدينة دون أي سيطرة.
ينتقلون من سيارة إلى أخرى، للتأكد من أن سياراتنا تلمع مثل الألماس. لا يهم أننا نعيش في القاهرة، حيث تترك رحلة من منزلي إلى منزل والدتي (على بعد 15 دقيقة بالسيارة) سيارتي النظيفة اللامعة مغطاة بطبقة من الغبار تسمح لأطفال المدارس بتدوين رسائلهم عليها.
الهدر لا يتوقف عند هذا الحد: بمجرد غسل السيارات، يقوم حراس العقارات بتوجيه خراطيم المياه للشارع والأرصفة، وملء الحفر في الطرق غير الممهدة كما لو كانوا يعوضون قلة المطر. النتيجة؟ برك مائية رائعة يمكن للسيارات أن تنثر المياه منها، وتغرق المشاة يمينا ويسارا. يوما بعد يوم، تؤدي البرك إلى تآكل الرصيف، ما يؤدي إلى توسيع الحفر التي لا يبدو أنها تشهد أي عملية إصلاح.
(إذا كان هناك درس واحد تعلمناه في السنوات الأخيرة، فهو أن الجسور تبدو أسهل في الإنشاء من تمهيد الطرق. وآخر عملية تمهيد للأرصفة رأيناها في المعادي مثلا، كانت قبل عام 2011).
ولأني أعتبر نفسي مدافعة عن البيئة، فأنا أبذل قصارى جهدي للحفاظ على النظام في الحي الذي أعيش فيه، حيث دائما أدخل في نقاشات طويلة مع رجال حجمهم يصل لضعف حجمي أربعة مرات فقط لأحثهم على التوقف عن استخدام خراطيم المياه.
"الخرطوم هو السلاح الفعال للغسيل المثالي"، يتفاخر أبو أحمد عندما سألته لماذا يستخدم الكثير من المياه. "الدلو أو القماش وحده يعطي السيارة لمعانا باهتا يظهر أنني قمت بعملي بفتور."
على بعد بضعة مبان: "الشوارع بحاجة إلى الترطيب – الماء يبث الحياة في شوارعنا الميتة تماما كما نشرب لنرتوى في يوم حار. لدينا مخزون لا ينتهي من المياه. نحن أبناء النيل"، يقول عم سلامة، ملك الترطيب.
عم سلامة محق تماما – النيل يبث الحياة في بلادنا. دونه، سنكون صحراء. فهو يوفر الماء للشرب والزراعة وتربية الأسماك – يغذي هذه الحضارة العظيمة التي نشأت على ضفتيه في المقام الأول. تكمن المشكلة في أن أسلافنا سيشعرون بخيبة الأمل إذا رأوا كيف نهدر مواردنا. كان الفراعنة مدركين لمواردهم، وكانوا يعتزون بالنيل مثل أي شخص آخر. لو كان عم سلامة أهدر الماء على سيارات فولفو ومرسيدس في عصرهم، لكانوا ألقوا به في النهر كقربان.
تقول الحكومة منذ سنوات أننا في خضم أزمة، نعيش في عصر فقر المياه، والذي يعرف عموما على أنه نصيب الفرد من المياه الآن أقل من ألف متر مكعب سنويا. ما مدى سوء الوضع هنا في مصر؟ مع استمرار ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، لدينا 550-560 مترا مكعبا فقط للفرد سنويا، والوضع لا ينفك في الاتجاه نحو الأسوأ. فهل من الغريب أن الدولة تنفق الآن مليارات لتبطين الترع؟ لنقلنا إلى أشكال الزراعة الأقل استهلاكا للمياه؟ كما أننا نخوض أزمة دبلوماسية من سنوات حول سد النهضة مع إثيوبيا؟ ولا تزال المحادثات الثلاثية بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا متعثرة.
التكلفة مرتفعة: برنامج الدولة الذي يمتد على 20 عاما للدفع نحو حلول تحلية المياه وتوسيع معالجة مياه الصرف الصحي والانتقال إلى طرق الري الحديثة، سيكلف (بحد أدنى) 50 مليار دولار على مدار 20 عاما.
المخاطر كبيرة: الفقر المائي والأمن الغذائي وجهان لعملة واحدة. وكدولة تعتمد على الاستيراد، فإننا نستورد ما يصل إلى 54% من احتياجاتنا "الإجمالية" من المياه – المياه الافتراضية المضمنة في السلع التي نشتريها في الأسواق العالمية.
العجز المائي صارخ بحسب وزارة الري والموارد المائية: نحتاج إلى ما يقرب من 114 مليار متر مكعب من المياه سنويا، وحصتنا الإجمالية من النيل لا تزيد عن 55 مليارا، ما يعني عجزا يزيد عن 60 مليار متر مكعب.
وهناك شيء واحد يمكن أن نفعله فعلا (ودون أي تكلفة): منع أبو أحمد ورفاقه من استخدام خراطيم المياه. أن يحظر القانون على أصحاب المحلات غمر الأرصفة والشوارع أمام محلاتهم بالمياه. والقيام بحملات ضد من يتركون الخراطيم لساعات على مساحات صغيرة من العشب.
لسنا وحدنا: من أمريكا إلى بريطانيا، قامت الكثير من الحكومات التي تعاني من فقر مائي بدوريات لمراقبة استخدام المياه في الشوارع (وفرضت غرامات)، لتضييق الخناق على أشكال الري المحظورة، وهدر المياه، وغسل الأسطح الصلبة بخراطيم المياه. وفي بعض الدول، يشجعون الجيران على الإبلاغ عن بعضهم البعض إذا وجدوا شخصا يرتكب تلك المخالفات.
العقوبات؟ المخالفون لأول مرة عادة ما يتلقوا تحذيرا. في بريطانيا يغرم من يستخدم خراطيم المياه في فترات الحظر مبالغ تصل إلى ألف جنيه إسترليني.
أسوأ ما في الأمر هو أن لدينا لوائح مشابهة لكننا لا نطبقها. منذ سنوات، أطلق محافظ القاهرة ورؤساء الأحياء حملات لوقف هدر المياه، ومشطوا الشوارع بحثا عن المخالفات. وأعلنوا عن الأعداد اليومية للمخالفين، ثم فقدت تلك الحملة الزخم.
الاستمرارية تولد النتائج، والنهج المتقطع في علاج أزمة المياه هو شهادة على الفشل. التطبيق الانتقائي والجزئي والمتقطع للقانون مرض مزمن في مجتمعنا. حسنا، تعلمون أننا جميعا لا نحب فرض المزيد من الضرائب. لكننا نقول أيضا دائما أن أفضل طريقة للتخلص من أي سلوك غير مرغوب هو فرض رسوم عليه. حان الوقت لفرض المزيد من الرسوم على الجميع – كل شقة وكل مبنى – مقابل المياه. متوسط فاتورة المياه في إنجلترا وويلز كان 200 جنيه إسترليني العام الماضي، هل تعرفون كم دفعتم مقابل المياه العام الماضي، إذا كنتم قد دفعتم.
هل لا تريد لمشكلة التضخم أن تتفاقم؟ تحدث مع أبو أحمد اليوم.
بالنسبة لي؟ تحدثت مع أبو أحمد وحصل تقدم نوعا ما. الآن يغسل كل سيارات العمارة بالخرطوم، ما عدا سياراتي، المنبوذة.
"فكر فيها"، عمود شبه أسبوعي في نشرة الويك إند من إنتربرايز تكتبه أم لشابة عمرها 15 عاما.