دول مجلس التعاون الخليجي قد تكون الكتلة الاقتصادية الأسرع نموا في العالم اليوم
تمكنت تدفقات التجارة العالمية وشبكات التوريد من الخروج للتو من ظل أزمة جائحة كوفيد الطويلة. ولا تزال السلع الأساسية حتى الآن، على بعد بضعة أشهر من العودة إلى مسار حركتها الطبيعي. وللتأكيد، اسأل قطاع الشركات المصنعة للسيارات عن إمداداتها من أشباه الموصلات التي يحتاجونها لجميع طرازاتهم الفاخرة.
إلا أن فرص التدفق السلس للتجارة العالمية في عام 2023 ستتوقف بشكل أكبر في حال حدث ركود سواء بشكل كامل أو حتى جزئي. وبالإضافة إلى ذلك، سيكون للفيضانات والسيول الأخيرة والأزمات المرتبطة بالعوامل الطبيعية تأثيرها الخاص على حركة السلع، وبالتالي على أسعارها.
لقد شهدنا انخفاضا في بعض المؤشرات الرئيسية للتجارة على الصعيد العالمي، وكذلك تباطؤ الطلب على السلع إلى حد ما. وعلى الرغم من ذلك، أثبتت بعض الأسواق أنها أكثر مرونة من غيرها – وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من هذه الأسواق.
وخلال زيارتي الأخيرة، كان من الواضح مدى المرونة التي تتمتع بها الحكومة من حيث تمكين الشركات للتكيف مع بيئة الاقتصاد الكلي بشكل سريع. وإن ارتفاع أسعار النفط والإمكانات اللوجستية القوية ونقاط القوة في التدفقات التجارية البينية – خاصة مع المملكة العربية السعودية – إلى جانب الطلب المحلي القوي قد ساعد بشكل كبير في دعم الاقتصاد.
أعتقد أن التجارة العالمية قد أصبحت الآن عند نقطة انعطاف حرجة. فلقد تعرضت شبكات التوريد العالمية للكثير من الضغوطات في العامين الماضيين، كما تأثرت الشركات بذلك وأدت هذه الاضطرابات إلى إعادة التفكير في العلاقة بين العملاء والموردين، بما في ذلك الحاجة للجوء إلى مصادر التوريد القريبة – أو حتى إيجاد هذه الموارد داخل الدولة – ضمن إطار السعي لتسهيل وصول العملاء والموردين إلى التمويل.
ويتسارع السوق نحو إقامة علاقات تجارية أكثر تنظيما، خاصة فيما يتعلق بتمويل شبكات التوريد. ولقد رأينا اهتماما متزايدا من قبل الحكومات وكيانات القطاع العام والشركات الأجنبية والمؤسسات الكبيرة للاستفادة من نقاط القوة في ميزانياتها لإتاحة التمويل لصالح الاقتصاد وضمن شبكات التوريد الخاصة بها. وسيستمر تمويل شبكات التوريد (SCF) خلال هذه الفترة من حالة عدم الاستقرار.
ويمكن للمؤسسات المالية أن تلعب دورا محوريا في تسهيل عمليات التجارة، حيث يتم دعم نحو 40% من السلع العالمية المتداولة من خلال عمليات التمويل التجاري عن طريق البنوك.
وبالنسبة لبنك HSBC، فإن دعم التجارة الدولية يعتبر في صميم نموذج أعمالنا منذ بداية تأسيسنا في عام 1865. ونقوم اليوم بتسهيل ما يقرب من 740 مليار دولار من حجم العمليات التجارية بشكل سنوي. ولا تزال التجارة دافقا أساسيا لطموحاتنا المستقبلية.
لطالما كان التمويل التجاري قائما على المعاملات التقليدية لفترة طويلة من الزمن، ولكن تقنية blockchain توفر وسيلة لتعزيز الكفاءة وزيادة الشفافية وتبسيط شبكات التوريد. ولقد بات الاستخدام الأوسع للتكنولوجيا لتتبع حركة الشحنات أمرا أساسيا، وتعتبر تقنية blockchain واحدة من ضمن عدد من التقنيات الأساسية التي تساعد في تطوير أعمال التجارة العالمية.
وعندما يجري اعتماد تقنية blockchain على نطاق واسع، فسيكون لديها القدرة على تحويل عالم التجارة من خلال تحسين سرعة إجراء العمليات وتحسين تجربة العملاء والتحول إلى الإجراءات غير تقليدية في تنفيذ المعاملة. وبصفتنا كأكبر بنك تجاري في العالم، فإن لدينا دور رئيسي نلعبه في التحول الأوسع لأعمال التجارة العالمية. كما أننا نعمل كمحفز للسماح باستخدام أكثر التقنيات نجاحا وتطورا لتنشيط السوق، فضلا عن توفير الفرصة لإطلاق العنان لمستقبل التجارة.
وتعتبر الكفاءات التي تعتمد على التكنولوجيا والتوسع في المنصات التقنية والقنوات الرقمية الجديدة من المحركات الرئيسية للنمو، وتقع على عاتقنا مسؤولية أخذ مثل هذه الحلول لعملائنا من خلال تسويقها وتوسيع نطاقها.
إننا نشهد توجهات إقليمية مختلفة. وتشير توقعات HSBC إلى تباطؤ وتيرة نمو التجارة العالمية حتى عام 2024 (3%)، بالنظر إلى توقع تراجع الطلب في الغرب، خاصة بالنسبة للسلع.
ويمكن لعودة الصين إلى السوق أن يعزز من زخم التجارة العالمية ويمكن للأمور أن تصبح أكثر إيجابية، ولكن في حال ظهور أي تراجع خلال النصف الثاني من عام 2023 أو أوائل عام 2024، فقد يؤدي ذلك إلى تباطؤ التجارة مرة أخرى.
ومع ذلك، تدخل دول مجلس التعاون الخليجي عام 2023 من موقع قوة. حيث من المحتمل أن تكون المنطقة بمثابة الكتلة الاقتصادية الأسرع نموا في العالم اليوم، وهناك استثمارات كبيرة في مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق، كما يزدهر قطاع السياحة بفضل اتباع أفضل الممارسات التي شهدناها في سياسة إدارة جائحة كوفيد، وكلها تدعم تعزيز الطلب المحلي.
وبالنظر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة على وجه التحديد، فلقد استمر الاقتصاد المحلي في الانتعاش في عام 2022، مدفوعا في الغالب بارتفاع أسعار النفط والسياحة. ولقد ساعد معرض إكسبو 2020 في دبي وكأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر بتحقيق انتعاش قوي في أعداد الزوار إلى المنطقة.
كما تحسن أداء الميزانية بشكل كبير هذا العام، مما يؤدي بوضوح إلى خلق بيئة داعمة للحكومات في دولة الإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي لتحقيق رؤاها الاستراتيجية. وتشير التقديرات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى أن هناك حوالي 4.3 تريليون دولار أمريكي من المشاريع المخطط لها أو قيد التنفيذ في جميع أنحاء المنطقة، مما سيساعد على تنويع الاقتصاد بشكل أكبر. وتستمر الحاجة بشكل كبير إلى مواصلة الاستثمار في مشاريع البنية التحتية والطاقة والنقل وكذلك العقارات والخدمات الاجتماعية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن هناك 15 مشروعا ضخما في المملكة العربية السعودية قيد التنفيذ وكلها تعمل كمحفز إضافي لدعم نمو اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي الديناميكي.
بقلم فيفيك راماشاندران (لينكد إن)، رئيس قسم خدمات التجارة العالمية وتمويل الذمم المالية لدى بنك HSBC. يذكر أن نسخة من هذا المقال قد ظهرت لأول مرة في Gulf News.