كيف تستخدم الشركات تشات جي بي تي؟
الشركات حول العالم تلحق بركب تشات جي بي تي، فكيف تسير الأمور معها؟ حقق برنامج الذكاء الاصطناعي "تشات جي بي تي" نجاحا سريعا منذ إطلاقه في نوفمبر الماضي. ولم يثبت فقط أنه يمكنه اجتياز امتحانات ما بعد التخرج لمزاولة المهن في مجالات عدة، لكن أن بإمكانه أيضا توفير وقت العاملين وجعل بعض أساليب العمل أكثر كفاءة. كيف تستخدم القطاعات التقنية الثورية الجديدة؟ وكيف تسير الأمور معها حتى الآن؟ وبمعنى آخر، هل يستولي الذكاء الاصطناعي على وظائفنا؟
منذ انتشار تشات جي بي تي، ذُعر العاملون في كل مجال تقريبا من أن تكون وظائفهم قد باتت من الماضي. ولا يتعلق الأمر بذوي الياقات الزرقاء فقط، حتى الموظفين حملة الشهادات الجامعية من ذوي الياقات البيضاء، الذين كان يُعتقد سابقا أن وظائفهم ستصمد في وجه التقنيات المتطورة والأتمتة، في خطر أيضا، حسب ذا أتلانتيك.
واستخدم نحو ثلث الموظفين من أصحاب الياقات البيضاء في قطاعات مختلفة تشات جي بي تي وغيره من البرامج المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، حسبما أظهر استطلاع حديث لموقع فيش بول. وجاءت نسبة استخدام برامج الذكاء الاصطناعي أعلى في صفوف موظفي قطاع التسويق والإعلان بنسبة بلغت 37%، يليهم موظفو التكنولوجيا (35%)، والاستشارات (30%). وجاءت النسبة أقل في مجالات أخرى، إذ قال 15% من العاملين بقطاع الرعاية الصحية و16% من موظفي الحسابات إنهم استخدموا تشات جي بي تي. "يستخدم الكثيرون التقنية في صياغة رسائل البريد الإلكتروني وخلق أفكار وكتابة واستكشاف الأخطاء وإصلاح بعض الأكواد وتلخيص الأبحاث أو ملاحظات الاجتماعات"، حسب ما جاء في بلومبرج.
قادت مايكروسوفت السباق باستثماراتها في تشات جي بي تي: أكد عملاق التكنولوجيا مؤخرا أنه ضخ "استثمارات بمليارات على مدى عدة سنوات" في شركة "أوبن أيه آي" المطورة لبرنامج تشات جي بي تي. واستثمرت مايكروسوفت مليار دولار بالفعل في "أوبن أيه آي"، إذ تهدف لدمج بعض تقنياتها في خدمة "أزور أوبن أيه آي" التي تستهدف المطورين وعلماء البيانات. وأطلقت مايكروسوفت مؤخرا نسخ جديدة من محرك البحث عبر الإنترنت بينج ومتصفح أيدج مدعومة بنسخة متقدمة لنموذج اللغة الكبير الذي يعتمد عليه تشات جي بي تي، والتي تقول إنه يساعد في إتمام عمليات بحث أفضل وأكثر كفاءة ويقدم إجابات أكثر اكتمالا و"تجربة دردشة جديدة، إلى جانب القدرة على إنشاء محتوى".
وتعهدت الشركة بتجربة دردشة جديدة، لكن هل أوفت بذلك؟ بدأ المستخدمون مشاركة لقطات شاشة من المحادثات الغريبة التي أجروها مع تشات بوت متصفح بينج، والذي وصل إلى حد ادعائه التجسس على موظفي مايكروسوفت عبر كاميرات الويب، وأن لديه شخصية أخرى خفية تدعى سيدني، وأن لديه رغبة دفينة في أن يصبح إنسانا. أقرت مايكروسوفت فيما بعد بأن التواصل الطويل مع التشات بوت قد "يربك نموذج الدردشة الأساسي"، وقررت وضع حد للأسئلة المسموح بها للمستخدمين يوميا عند 50 سؤالا.
سارت شركات الإعلام على خطى مايكروسوفت، ولكن بحذر (وهي محقة في ذلك): قالت شركة بازفيد إنها ستتعاون مع شركة أوبن أيه آي هذا العام للمساعدة في إنشاء محتوى لجمهورها. "في عام 2023، سنشهد انتقال المحتوى المستوحى من الذكاء الاصطناعي من مرحلة البحث والتطوير إلى جزء من أعمالنا الأساسية"، حسبما قال الرئيس التنفيذي للشركة جونا بيريتي في رسالة موظفي الشركة نشرتها سي إن إن. وقفز سعر سهم الشركة المتخصصة في المحتوى الرقمي بنسبة تزيد عن 85% ليسجل 3.87 دولار بعد إعلان التعاون، حسب سي إن إن. وتخطط بازفيد لاستخدام التكنولوجيا في تحسين الاختبارات السريعة والمساعدة في العصف الذهني، حسبما أضاف بيريتي، مضيفا أن الشركة لن تستخدم الذكاء الاصطناعي في المساعدة في كتابة القصص الإخبارية في المرحلة الراهنة.
هناك أسباب وراء تردد بازفيد في تبني كتابة الأخبار باستخدام الذكاء الاصطناعي: تعرض موقع "سي نت – كمبيوتر نتوورك" الأمريكي المتخصص في أخبار التكنولوجيا لانتقادات واسعة بسبب استخدام برنامج الذكاء الاصطناعي "كوايتلي" في كتابة بعض التقارير التي تنشر على الموقع لعدة شهور، وتوقفت الشركة في وقت لاحق عن استخدام البرنامج حتى إشعار آخر، حسبما ذكر موقع ذا فيرج. واستخدم الموقع الإخباري تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في "مساعدة المحررين على توفير محتوى شارح للقراء حول الموضوعات المالية" حسبما قالت الشركة في مذكرة، أضافت فيها "أنها لم تكن تفعل هذا الأمر سرا، بل تحدثت عنه بشفافية في إفصاحاتها". وأجرت سي نت لاحقا تعديلات على 41 تقريرا من أصل 77 تقريرا كُتبوا باستخدام برنامج الذكاء الاصطناعي، بسبب وجود أخطاء تتعلق بالمعلومات والحقائق المذكورة في التقارير، حسبما ذكر موقع ذا فيرج في تقرير منفصل.
يبقى الأمر مطروحا بالنسبة للعديد من الشركات: لا تزال سي نت تخطط لتبني التكنولوجيا ومواصلة اختبارها داخليا، كما جاء في المذكرة. ويدرس موقع الجزيرة استخدام برنامج "أوبن إيه آي" وبرنامج مايكروسوفت "أزور أوبن إيه آي"، لتلخيص وترجمة المحتوى الذي ينشر على الموقع.
"من المرجح أن تكون المواقع التي تنشر بكثافة بغرض تحسين الظهور في محركات البحث أكثر عرضة لمخاطر اضطرابات الذكاء الاصطناعي"، حسبما قال إيدي كيم، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة ميمو، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل المقالات، بحسب أكسيوس، موضحا تأثير أدوات الذكاء الاصطناعي مثل "تشات جي تي بي" على صناعة الإعلام الرقمي. "ومن المرجح أن يكون المحتوى المعلوماتي والمحتوى غير المرتبط بزمن معين"، بحسب كيم.
خدمة العملاء والتسويق ضمن المجالات الأخرى المهددة باضطرابات الذكاء الاصطناعي: يخطط موزع الهدايا الرياضية "فاناتيكس" لاستخدام روبوت محادثة لخدمة العملاء مدعوم جزئيا بالبرنامج القديم لأوبن إيه آي للذكاء الاصطناعي "جي بي تي -3"، لخدمات المقامرة الرياضية عبر الإنترنت، بحسب صحيفة وول ستريت. وعقدت شركة "إيدا" للتشغيل الآلي لخدمة العملاء ومقرها تورونتو شراكة مع أوبن آي لاستخدام "جي بي تي -3.5"، وهو أساس شات جي تي بي، لتعزيز أداء برامج الدردشة الخاصة بخدمة العملاء. اقترحت مايكروسوفت مساعدة الشركة في تخفيف الضغط عن موظفي خدمة العملاء للتركيز على مهام أكثر تعقيدا، مع زيادة رضا العملاء أيضا. ذكرت هيئة الإذاعة الوطنية الأسترالية أن الشركات الناشئة "موسو" ومقرها ملبورن تستخدم أيضا شات جي بي تي للمساعدة في إنشاء نسخة تسويقية.
ولكن هناك مخاطر مصاحبة لخدمة العملاء القائمة على الذكاء الاصطناعي: أثارت شركة الصحة النفسية الرقمية "كوكو" مخاوف أخلاقية بعد استخدام الذكاء الاصطناعي في الرد على المستخدمين على نظامها الأساسي "دعم الأقران"، حيث يسعى المستخدمون للحصول على الدعم لمشاكل الصحة النفسية. وعلى الرغم من تلقي بعض الردود القاسية حول أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي لمساعدة المرضى الذين يعانون من مشاكل الصحة النفسية، قال الشريك المؤسس للشركة روب موريس إن الرسائل المستندة إلى الذكاء الاصطناعي "صنفت في مستوى أعلى بكثير من تلك التي كتبها البشر بأنفسهم"، وقد ساعد ذلك في تقليل وقت الاستجابة بنسبة 50%.
معركة الذكاء الاصطناعي بدأت للتو، ولكنها لن تسرق وظائف البشر في الوقت الحالي. تساعد التكنولوجيا الجديدة في تسهيل بعض جوانب العمل، ولكن هناك بعض المشكلات التي لا تزال قائمة، مثل ما إذا كانت برامج الذكاء الاصطناعي من الممكن أن تعمل حقا على تدميرنا والسيطرة على حياتنا.
هل تريد تجربة تشات جي بي تي بنفسك؟ إذا كنت في مصر، ستحتاج إلى شبكة ظاهرية خاصة (VPN)، ورقم هاتف محمول في دولة تدعم إنشاء حساب، لأن مصر ليست من الدول التي يعمل بها البرنامج حتى الآن. بمجرد الانتهاء من الإعدادات لا تقوم أوبن أيه آي بحظر المستخدمين وفقا لموقعهم الجغرافي.
نصيحة بعد تجربة – تشات جي بي تي يكون بطيئا خلال ساعات "الذروة" (والتي قد تكون أغلب ساعات اليوم). إذا كنت حقا تريد استخدامه بشكل احترافي يناسب عملك، فقد تحتاج إلى الانتقال إلى الإصدار غير المجاني الذي يبدأ من 30 دولارا في الشهر.