كيف يتأثر القطاع الصناعي بالتدخل الحكومي للرقابة على الأسعار؟
كيف تؤثر التسعيرة الحكومية الاسترشادية على اللاعبين في قطاع الصناعة؟ أعلنت وزارة التموين عن عزمها على إصدار قائمة أسعار استرشادية للسلع الأساسية في ديسمبر من العام الماضي، في محاولة للحد من التلاعب في الأسعار وسط التضخم المتسارع. وشدد وزير التموين علي المصيلحي آنذاك على أن التسعير استرشادي وليس إلزامي، ومن المقرر أن يشمل 15 سلعة فقط. وبالتزامن مع ذلك، يناقش مجلس الشيوخ مشروع قانون مقترح لإقرار تسعيرة جبرية على بعض السلع الأساسية لفترة محددة تخضع للرقابة حتى تنحسر تقلبات السوق وتهدأ الأسعار. وانقسم اللاعبون في القطاع الصناعي الذين تحدثت إليهم إنتربرايز حول فاعلية التسعيرة الاسترشادية والجبرية، ولكن جميعهم اتفقوا على أن العمل على توفير مدخلات الإنتاج والمواد الخام هو العنصر الأهم في الوقت الحالي.
قفز التضخم السنوي في المدن المصرية إلى 25.8% على أساس سنوي في يناير، ليسجل أعلى مستوى له منذ خمس سنوات، مدفوعا إلى حد كبير بارتفاع تكاليف الغذاء التي قفزت 48% على أساس سنوي، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وتعمل الحكومة منذ عدة أشهر على السيطرة على ارتفاع الأسعار، إذ وافق مجلس الوزراء على تمديد العمل بقرار تحديد سعر الأرز الأبيض لمدة ثلاثة أشهر إضافية حتى منتصف مارس على الأقل، بالإضافة إلى وضع سقف على سعر الخبز غير المدعم في وقت سابق.
يحاول القطاع الصناعي التكيف مع نقص المواد الخام وضغوط التكلفة: رغم أنه لم يكن هناك إجماع بين المصنعين وتجار التجزيئة الذين تحدثنا إليهم من القطاع حول فاعلية التسعيرة الجبرية أو الاسترشادية، اتفقت جميع المصادر على أن القطاع الصناعي لا يزال يواجه الأزمة المتعلقة بنقص مدخلات الإنتاج. وبدءا من أزمات سلسلة التوريد العالمية، مرورا بارتفاع أسعار السلع عالميا، وارتفاع تكاليف الشحن، إلى الصعوبات في سوق العملات الأجنبية في مصر، يتعامل المصنعون مع العديد من نقاط الضغط في نفس الوقت، بحسب مصادرنا. وتنعكس هذه الأزمات على التكلفة، ما يجبر المصنعين على رفع أسعار المنتجات.
تتباين التأثيرات على مختلف القطاعات الصناعية، حسبما ذكرت مصادرنا. أشار رئيس غرفة صناعة الزيوت أيمن قرة في حديثه لإنتربرايز إلى التأثيرات التي أصابت الزيوت النباتية على سبيل المثال. وتابع: "صناعة الزيوت بعيدة عن تلك الإشكالية في ظل دور قوي من الدولة لتوفير الزيت على البطاقات التموينية لنحو 70 مليون مواطن، مما يعني أن منافسة الدولة لمنتجي الزيوت تضمن وضع الأسعار في وضع تنافسي دون مغالاة". وتعمل حكومة مدبولي أيضا على توطين صناعة الزيوت، ضمن جهود الدولة لتوطين عدد من الصناعات، كما سبق الإشارة في أحد أعداد نشرة "في المصنع".
تحتاج الدولة بالفعل إلى التدخل لضبط بعض الصناعات، بحسب مصادرنا. يجب أن تخضع صناعة الدواجن، والتي شهدت تقلبات شديدة في الأسعار خلال الأشهر الماضية، إلى التسعيرة الجبرية، حسبما قال عبد العزيز السيد عضو اتحاد منتجي الدواجن لإنتربرايز. واقترح السيد تشكيل لجنة فنية من المنتجين لوضع تسعيرة متغيرة كل 10 أيام تقريبا تأخذ في حسبانها سعر الأعلاف وتكلفة الإنتاج والعمالة والأمصال وهامش الربح. وارتفع سعر طن الأعلاف إلى 23 ألف جنيه، من 6200 جنيه سابقا، والتي قال السيد إن أسعارها لن تنضبط دون تسعيرة جبرية باستخدام نفس الآلية، لتعكس فقط التقلبات في سعر الصرف الأجنبي.
بعض الصناعات الأخرى لا ترحب بالرقابة على الأسعار: تحاول شركات الأدوية تخفيف ضوابط الأسعار المفروضة على القطاع، لا سيما على "المنتجات الدوائية الاستراتيجية"، في ضوء ارتفاع التكاليف، حسبما قال على عوف رئيس غرفة صناعة الدواء. "لا يوجد لجنة تسعير للأدوية إلا في مصر حيث تقدم الشركات مستندات رسمية لطلب تسعير الدواء بناء على معطيات واضحة وتراجع هيئة الدواء سعر الأدوية الاستراتيجية بشكل دوري"، وفقا لعوف.
يعتقد بعض اللاعبين أن حل أزمة المصانع المغلقة هو الأولوية لضبط الأسعار. "حل أزمة المصانع المغلقة ستعمل على زيادة المعروض من السلع بما يغطي الطلب على كافة السلع"، حسبما قال سمير عارف، رئيس جمعية مستثمري العاشر من رمضان، لإنتربرايز. "هناك 400 مصنع مغلق في المنطقة الصناعية بالعاشر من رمضان لأسباب متعددة فضلا عن باقي المناطق الصناعية"، بحسب عارف.
اتخذت الحكومة بالفعل عدة إجراءات: عكفت الحكومة على تحريك المياه الراكدة في التراخيص الصناعية بعدما كان لدينا نحو 6000 مصنع ينتظر التراخيص والموافقات، وفقا لمصادرنا. ومنحت حكومة مدبولي مؤخرا "الرخصة الذهبية" للعديد من المشاريع الصناعية الكبرى، وتدرس الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة حاليا مقترحا لتوسعة التراخيص المقدمة للمستثمرين لتشمل الرخص الماسية والفضية حسب الأولوية لكل قطاع، حسبما ذكر رئيس الهيئة حسام هيبة لإنترابرايز في وقت سابق.
هناك بعض الإجراءات الأخرى المقترحة من جانب الفاعلين في قطاع الصناعة: "تشجيع المستهلكين على شراء المنتج المحلي والإفراج عن الشحنات الجديدة من الخامات ومواد الإنتاج من شأنه أن يحفز زيادة الإنتاج ويخلق منافسة"، حسبما قال عضو اتحاد الصناعات محمد البهي. ويضيف البهي أنه مع ارتفاع معدلات الإنتاج المحلي وزيادة المنافسة في السوق، فمن المرجح أن تكون ضوابط الأسعار غير ضرورية ويمكن للحكومة ببساطة أن تلعب دورا تنظيميا من خلال الرقابة على حلقات التوزيع. أنا قرة فيرى أنه "لا يمكن الرجوع للتسعيرة الجبرية دون دراسة للإنتاج والتكلفة، وإلا ستضر بالاستثمار وحجم الإنتاج".