كيف يهدد تراجع عدد سكان الصين الاقتصاد العالمي؟
ربما لا يحمل انخفاض عدد سكان الصين الخير للاقتصاد العالمي: أعلنت الحكومة الصينية الأسبوع الماضي أن البلاد سجلت نحو 9.6 مليون مولود جديد مقابل 10.4 مليون حالة وفاة خلال عام 2022، وهي المرة الأولى التي تشهد فيها الدولة الآسيوية انخفاضا في عدد سكانها منذ الستينيات، طبقا لما ذكرته بلومبرج. على الرغم من الجهود المبذولة في السنوات الأخيرة لتقليص سياسة الطفل الواحد في البلاد، لم ينجح المسؤولون الصينيون في تفادي التراجع السكاني والذي قد يكون له آثار بعيدة المدى على الاقتصاد العالمي وآفاق نموه.
قدرات التصنيع ستكون تحت الاختبار: مع استمرار انخفاض عدد السكان في سن العمل في الصين خلال السنوات المقبلة، نحو 0.2% سنويا حتى عام 2030، وفقا لأحدث تقديرات ستاندرد أند بورز العالمية للتصنيف الائتماني، من المتوقع أن يقع النمو الاقتصادي تحت الضغط .
انعكاسات ذلك على الاقتصاد العالمي ليست بالهينة: قد يؤدي تقلص القوى العاملة وانكماش قطع التصنيع إلى ارتفاع أسعار السلع المباعة في الدول الغربية التي تعاني بالفعل من ارتفاع التضخم.
انكماش النمو السكاني يأتي مصحوبا بخطر تباطؤ الاستهلاك: رغم أن النمو السكاني في الصين كان مدفوعا منذ سنوات طويلة بمكانتها كقوة تصنيع عالمية، فقد أصبح الاستهلاك المحلي المتزايد في السنوات الأخيرة محركا كبيرا للنمو، وكان من المتوقع أن يحمل الكثير على عاتقه في توسع البلاد اقتصاديا في المستقبل. والآن مع هذا التضاؤل في عدد السكان، باتت توقعات النمو التي يقودها الاستهلاك في الصين مهددة أيضا.
الأمور أسرع بكثير مما توقعته السطات: يعد انكماش النمو السكاني أمرا شائعا إلى حد ما في الدول التي يتنامى فيها عدد أكبر من الأثرياء، كما هو الحال في بلدان آسيوية أخرى، مثل كوريا الجنوبية واليابان. المشكلة في حالة الصين تكمن في انخفاض النمو السكاني يأتي بينما لا يزال اقتصادها متوسط الدخل.
وبالرغم من كل جهود الحكومة لتقويض هذا الاتجاه، بما في ذلك تقديم حوافز مثل التخفيضات الضريبية وحزم التحفيز للآباء والأمهات الذين لديهم أطفال حديثي الولادة منذ إنهاء سياسة الطفل الواحد في بداية عام 2016، لم تنجح هذه السياسات في عكس هذا التباطؤ، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.
يتزامن التراجع مع تباطؤ الاقتصاد الصيني: نما الاقتصاد الصيني العام الماضي بمعدل 3%، مسجلا ثاني أبطأ وتيرة له في أربعة عقود، وذلك مقارنة نمو بلغ 8.1% في 2021. هذا الأداء الضعيف لم تشهد البلاد مثله في أربعة عقود سوى عام 2020 عندما هوى الإغلاق الكامل بسبب الجائحة بالنمو الاقتصادي إلى 2.4% فقط.
الآثار الدائمة سياسة بكين للطفل الواحد خلفت اختلالا كبيرا في التوازن بين الجنسين في التركيبة الديموغرافية للبلاد. يعيش حاليا في الصين نحو 722 مليون رجل و690 مليون امرأة، ويظهر هذا الاختلال العميق في التوازن بين الجنسين بصورة أكثر وضوحا في المناطق الريفية، وقد أدى إلى طول أمد عزوبية المزيد من الشباب.
التكلفة المرتفعة لتربية الأطفال تساهم في انخفاض عدد السكان: يعتقد الكثير من الشباب في الصين بشكل قوي أنهم لا يستطيعون تحمل إنجاب الأطفال وهو ما يرجع جزئيا إلى ارتفاع تكاليف رعاية الأطفال، بحسب تقرير نيويورك تايمز. بالنسبة للآخرين، دفعت الجائحة والسياسات الحكومية القاسية لاحتواء تفشي الوباء إلى التفكير فيما إذا كان هذا هو الوقت المناسب لإنجاب الأطفال.
لكن مصير الصين لم يحسم بعد: معالجة البطالة بين السكان في سن العمل في كل من المناطق الحضرية والريفية يمكن أن يساعد في إبطاء الآثار السلبية لتراجع عدد السكان وشيخوختهم خلال السنوات المقبلة. علاوة على ذلك، يساعد المزيد من الأتمتة والتصنيع المدعوم بالتكنولوجيا على تعويض تراجع الإنتاجية في المصانع. وقال زيوي زانج كبير الاقتصاديين في بين بوينت لإدارة الأصول لرويترز: "يجب أن يعتمد النمو الاقتصادي بدرجة أكبر على نمو الإنتاجية".